الشهر: June 2020
الردّ على مقولة ” لا تظلموا المثليّين “
محمد بن علي الجوني
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبين ورضي الله عن صحابته أجمعين. أما بعد يشيرُ من سبك هذه التسمية الحادثة بمثليّ الجنس، إلى من عمل عمل قوم لوط، وكأنّ المقصود بها، أنّ هذا الأمر مركوزٌ في نفوسهم، مُركّبٌ في طبائعهم وغرائزهم، لا قُدرة لهم على دفعه، ولا سبيل إلى رفعه. كما يدّعي ذلك الدعيّ، أنّه يجب علينا تقبّلهم كما هم، -فهذه طبائعهم وهذا توجههم وهذا خيارهم-، وذلك بالتّسامح معهم، وملاطفتهم، وعدم كسر قلوبهم بإعلان النّكير عليهم، فعلى الوالدين القائمين على تربية الولد أو المرأة شريكة حياة هذا الزوج، أن تتفهّم هذه الحال، وتتقبّل الشّاذ على ما هو فيه، وإن قدِرت على معالجته ومساعدته للتشافي من ميوله، فهذا أمر محمود. الذي تدلُّ عليه مُحكمات الشريعة، أنّهُ لا يوجد شيء اسمه مثلي الجنس، وهذا التركيب مثلي الجنس، يستكنُّ فيه معنى التفهّم والاعتراف والتسامح والتقبّل في المجتمع، مثل قولهم لتسويغ بعض المناكر، مشروبات روحيّة ويعنون بها الخمر، وفوائد وهي ربا يسمّونها في كثير من الصور المعاصرة بغير اسمها. فليس هناك شيء اسمه مثليّ، وليس هناك جينات أو جينوم يضطرهم ويحتّم عليهم ارتكاب هذا الفعل، كما يقوله التطوريون الداروينيون الخَلقيون وغير الخلقيين منهم. الحقيقة التي يتعامون عنها، ويُعرضون عن البخوع لها، أنّه إتيان للذكران، ومقارفة للفاحشة، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، يحملهم …
البداءة بالأصول والكليّات قبل الذيول والحواشي
محمد بن علي الجوني
الحمد لله وبعد .. وجدت كثيرين وعلى رأسهم ريتشارد دوكنز، يعتقدون أنّ اختلاف وتنازع الأديان والمذاهب، دليلٌ صارخ على بطلانها وبشريّتها. فإذا ادّعى كل مذهب وقَبيل الحقيقية المُطلقة، فذلك دالّ عندهم على نسبيّة الحقيقة، وأنّه لا يمكن للإنسان المحدود بقدراته وإمكاناته الوصول إلى المطلق واللامتناهي. ثم يبنون على هذه المقدمة الخاطئة أنّ الأنبياء عليهم السلام أما أن يكونوا كذبة أو أنّهم يظنون الوحي الذي يتنزّل عليهم حقّا، وهو في نفس الأمر محضُ خيال، ثم يستنتجون من هذه المعادلة المتهافتة إنكار وجود الخالق سبحانه، وأنّ الكون بمجرّاته وأفلاكه، وُجد عبثا، بعد الانفجار العظيم البق بانق .. ! وهذا تسطيح منهم لهذه القضيّة العظيمة، وخلط لأوراقها، فلا المقدّمة صحيحة، ولا النتيجة التي يسعون لتقريرها سليمة. ومثل هذه القضيّة المتعلّقة بالإجابة عن الأسئلة الوجوديّة الكبرى، لا ينبغي أن تُقرأ ولا أن تُدرس على هذا النّحو المُبتسر، الذي يضلُّ به صاحبه عن الحقّ، ويزيغ عن الهُدى. كان الواجب البدء بدراسة قضيّة التوحيد، وإثبات أن الله تعالى هو الخالق المدبّر المتصرّف في هذا الكون، فإذا تقرر هذا المعنى وتأسّس، وأنّ هذا الكون بنظامه المحكم، ودقّته، وعظمة تصميمه، وبديع صُنعه، لا يمكن أن يوجد على هذا النّسق وعلى هذه الهيئة، دون خالق مبدع فاطر له. فإذا نظر الفلاسفة والنُظّار في حقيقة هذا الوجود، وأقرّوا أنّ له خالقا عظيما، وفاطرا جليلا، ومُدبّرا عليما، …
رد بغي الأعداء على تقليص الحجاج بسبب الوباء
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ . أما بعد: فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. إن الحرمين الشريفين أفضل بقاع الدنيا، فلا يوجد حرم ديني إلا هما، الحرم المكي والحرم المدني، وهما أحب البقاع إلى الله، وقد توالت عليه القرون أيام بقائه تحت سيطرة الدولة العثمانية وقد أُهملا في إصلاحهما وتطويرهما بما يُناسب مكانتهما وبما يُريح الحجاج والمعتمرين والمصلين. ولتعرف ذلك يقينًا: قارن إصلاح الحرمين وتطويرهما بإصلاح مساجد إسطنبول وتطويرها أيام سيطرة العثمانيين عليهما، بل إن الحرمين أُفسدا غاية الإفساد وقت حكم الأتراك بأن مُكِّن فيه الشرك الأكبر والتصوف الغالي، من دعاء الأموات والاستغاثة بهم، والاحتفال بالمولد النبوي، والرقص الصوفي على الصفا والمروة، بل إن المسلمين فُرِّقوا فيه بأن جُعل في الحرم المكي أربعة محاريب، لكل مذهب من المذاهب الأربعة وأصحابه محراب، فإذا …
المجموعة (941)
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: من أثنى على أهل البدع هل يُلحق بهم؟ أم ننظر في ثنائه هل ثناؤه عليهم لأجل بدعتهم أو لأمر آخر؟ الجواب: تكاثرت كلمات أئمة السنة وعلماء الإسلام على أن من أثنى على أهل البدع فقد أضر بالإسلام والمسلمين، وأنه يُبدَّع، إلى غير ذلك. ومن ذلك ما روى الآجري عن أبي إسحاق الهمداني، والهروي في (ذم الكلام) عن الأوزاعي، واللالكائي عن إبراهيم بن ميسرة، أنهم قالوا: من وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، وذكر نحوًا من ذلك البربهاري في شرح (السنة) عن الفضيل بن عياض، ورُوي عن غيرهم من أئمة السنة. وقد شرح هذا الشاطبي -رحمه الله تعالى- في كتابه (الاعتصام) بشرح مفيد، وبيَّن أن مجرد الثناء والتعظيم والتوقير لأصحاب البدع، أن في ذلك إضرارًا على السنة وأهلها، ولا يُفرق أئمة السنة بين أن يُعظم صاحب بدعة لبدعته أو لذاته، فمجرد أنه صاحب بدعة فإذا عُظِّم فإن في هذا إضرارًا بالإسلام والمسلمين إضرارًا كبيرًا. ولأخذ العبرة: فقد ذكر الذهبي في (السير) أن أبا ذر الهروي وهو راوية البخاري المعروف كان مع الدارقطني -رحمه الله تعالى- فالتقيا أبا بكر الباقلاني، فلما رآه الدارقطني أثنى عليه وقبَّل رأسه أو جبينه، فسأل أبو ذر الهروي الدارقطني عن أبي بكر الباقلاني، قال: هذا الذي نصر أصول الدين… أو كلامًا نحو هذا. فلزمه أبو ذر …
السُّبُل المُعِينة على ترك الذنوب والخطيئة
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فمما يهم المؤمن الفطن معرفةُ السبل المعينة لصلاح النفس وتهذيبها، وقد ألَّف ابن القيم كتابًا نفيسًا في ذلك وهو (الجواب الكافي)، وقد تكلم فيه على أشياء مفيدة للغاية. وإليك-أيها الموفق- باختصار بعض الأسباب المُعينة على الثبات والاستقامة وصلاح النفس: السبب الأول: الدعاء، وهو أعظم الأسباب بل هو مفتاح كل خير؛ لأن الله يقول: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ فلنفزع إلى الله بالدعاء، فهو سبب عظيم لاستجلاب الخير ودفع الشر، وهو أسهل وأقوى طريق؛ لأنه سؤال من بيده كل شيء سبحانه وتعالى، فلنجتهد على الدعاء ولا سيما أوقات وأماكن وأحوال استجابة الدعاء. السبب الثاني: الاستعانة بالله، قال سبحانه: ﴿إِيِّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وثبت عند الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا استعنت فاستعن بالله»، فلابد أن نستعين بالله، فمن أعانه الله حصل له الخير كله، وكُفي عن كل أحد سوى الله سبحانه وتعالى. السبب الثالث: مجاهدة النفس على ترك المعاصي وعلى فعل الطاعات، قال الله عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: …