البداءة بالأصول والكليّات قبل الذيول والحواشي


 

الحمد لله وبعد ..

وجدت كثيرين وعلى رأسهم ريتشارد دوكنز، يعتقدون أنّ اختلاف وتنازع الأديان والمذاهب، دليلٌ صارخ على بطلانها وبشريّتها.

فإذا ادّعى كل مذهب وقَبيل الحقيقية المُطلقة، فذلك دالّ عندهم على نسبيّة الحقيقة، وأنّه لا يمكن للإنسان المحدود بقدراته وإمكاناته الوصول إلى المطلق واللامتناهي.

ثم يبنون على هذه المقدمة الخاطئة أنّ الأنبياء عليهم السلام أما أن يكونوا كذبة أو أنّهم يظنون الوحي الذي يتنزّل عليهم حقّا، وهو في نفس الأمر محضُ خيال، ثم يستنتجون من هذه المعادلة المتهافتة إنكار وجود الخالق سبحانه، وأنّ الكون بمجرّاته وأفلاكه، وُجد عبثا، بعد الانفجار العظيم البق بانق .. !

وهذا تسطيح منهم لهذه القضيّة العظيمة، وخلط لأوراقها، فلا المقدّمة صحيحة، ولا النتيجة التي يسعون لتقريرها سليمة.

ومثل هذه القضيّة المتعلّقة بالإجابة عن الأسئلة الوجوديّة الكبرى، لا ينبغي أن تُقرأ ولا أن تُدرس على هذا النّحو المُبتسر، الذي يضلُّ به صاحبه عن الحقّ، ويزيغ عن الهُدى.

كان الواجب البدء بدراسة قضيّة التوحيد، وإثبات أن الله تعالى هو الخالق المدبّر المتصرّف في هذا الكون، فإذا تقرر هذا المعنى وتأسّس، وأنّ هذا الكون بنظامه المحكم، ودقّته، وعظمة تصميمه، وبديع صُنعه، لا يمكن أن يوجد على هذا النّسق وعلى هذه الهيئة، دون خالق مبدع فاطر له.

فإذا نظر الفلاسفة والنُظّار في حقيقة هذا الوجود، وأقرّوا أنّ له خالقا عظيما، وفاطرا جليلا، ومُدبّرا عليما، يتنزّه سبحانه عن المثيل والنّظير والشّريك، عند ذلك يُمكننا أن نتدلّى إلى قضية بعثة الأنبياء عليهم السلام، وحقيقة المقصود منها، وهو معرفة الله وتوحيده وعبادته.

أما أن ننظر إلى هذه القضية الكُبرى من جهة اختلاف الناس وتنازعهم، الذي له أسبابه وبواعثه وآثاره، ثم نجعل ذلك الحال حَكمًا على وجود الخالق سبحانه، وميزانا نروز به صدق الأنبياء والرسل عليهم السلام من كذبهم، فهذا عدول عن الجادة، وميلٌ عن القصد، وخطل في الرأي، وضلال في السّعي، ونظر في الذيول والحواشي قبل البداءة بالأصول والكُليّات.

كتبه محمد بن علي الجوني


Tags: ,

شارك المحتوى: