واجبنا مع جائحة كورونا


 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله:

يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما أما بعد:

فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل ضلالة في النار

عباد الله :

إن نعم الله سبحانه وتعالى علينا لا تُعد ولا تُحصى، وآلاءه لا تُستقصى، كما قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم} .

وإن أعظم نعمة منّ الله بها علينا أن هدانا للإسلام، ووفقنا للعمل بتعاليمه، والسير على منهاجه. ومن أعظم نعم الله علينا أن منّ علينا في هذه البلاد بالأمن والأمان والصحة والعافية في الأبدان، وإن نعم الله لا بد أن تقابل بالشكر، قال جلّ في علاه: { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.

وإن مما قدره الله على الناس عامة ما أصابهم من جائحة كورونا، التي عطلت الأمور وحبست الناس، ولكن ما قدر الله على عباده إلا خيرا، وقد قال ربنا جل في علاه: { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} .

والإيمان بقضاء الله وقدره من أركان الإيمان الستة التي يجب على المؤمن الإيمان بها، وأمْرُ المؤمن كله خير، قال نبينا صلى الله عليه وسلم : (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له)رواه مسلم.

وإن من الاجراءات الاحترازية اللازمة في هذه الجائحة أن حُبس الناس في بيوتهم، وأغلقوا مساجدهم، وفارقوا أحبابهم، تحرزا مشروعا من هذا الوباء، فكم من قلب صالح بكى من الأسى على ما حل بسبب الوبا، ولكن الله بفضله وكرمه فرج شيئا من هذا الهم، فأمَر ولاةُ الأمر وفقهم الله بفتح المساجد، والعودة تدريجيا إلى الحياة الطبيعة.

وهذا يتطلب من الجميع الإحساس بالمسؤولية، وإن الواجب الشرعي على المسلم شكر هذه النعم التي أنعم الله بها علينا، ثم العمل بالإجراءات الاحترازية الصادرة من ولاة الأمر في المساجد والأسواق والتجمعات وغيرها، فالعمل بها حفظ للفرد والمجتمع من مخاطر هذا الوباء، والعودة تدريجيا لا تعني التهور وعدم المبالاة بهذه الجائحة، التي قد تضر المجتمع بأكمله، والمطلوب سهل، وهو مطلوب شرعا وعقلا، قال تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }، وقال تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}.

أيها المؤمنون:

وإن من الواجب استحضاره في هذه الفترات وغيرها: وجوب التوكل على الله سبحانه في كل الأحوال، ف {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}، وقال تعالى: { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }، والله سبحانه يحب المتوكلين عليه، قال سبحانه: { فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين }، ومن توكل على الله كفاه الله كل شيء ، قال تعالى: { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا }، {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره }، ومن توكل على الله فقد علق أمره بقوي قادر على كل شيء، وبيده مقاليد كل شيء، يسمع عبده إذا ناداه، وهو أعلم بحاله وبلواه، قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم }، { وتوكل على الله إنه هو السميع العليم}، وليكن شعار المؤمن ما قاله نبي الله هود عليه السلام فيما ذكره ربنا سبحانه في كتابه: {إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دآبة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم}، وكذلك ما أمر به ربنا سبحانه نبيَّه محمدا صلى الله عليه وسلم، حيث قال: { قل هو ربي لا إله إلا هو، عليه توكلت، وإليه متاب}، والتوكل على الله شعار الأنبياء، وهدي الرسل، قالت بعض رسل الله فيما ذكره ربنا في كتابه: { وعلى الله فليتوكل المؤمنون (11) وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون}. والمتوكلون على الله يحميهم ربهم من شر وساوس الشيطان ومكره، قال تعالى: { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (98) إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}.

فاللهم اجعلنا من المتوكلين عليك، وادفع عنا كل شر ووباء، واغفر لنا ولوالدينا وذرياتنا وجميع المسلمين…..

الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن على نهجه اقتفى .

أيها المؤمنون المتوكلون على ربكم!

إن من التوكل على الله أن يقوم المسلم بالإجراءات الاحترازية الوقائية التي تقيه وتقي المسلمين شر الأوبئة والشرور، وليس من التوكل إهمالها وترك العمل بها ، فإن شرعنا أمر بفعل الأسباب مع التوكل على الله، ولذا قال سيد المتوكلين نبينا صلى الله عليه وسلم: { فر من المجذوم كما تفر من الأسد} أخرجه البخاري، والجذام مرض معدي، ولذا أمر النبي بهذا الاجراء الاحترازي مع المجذوم، بالبعد عنه والفرار منه، وكان في وفد ثقيف لما قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم «إنا قد بايعناك فارجع» رواه مسلم. وما ذاك من النبي إلا حماية للمجتمع من هذا الوباء.

عباد الله:

وإن من شكر الله شكر من أحسن إلينا، وسهر لأجلنا، وإن هذه البلية قد أظهرت لكل منصف الجهود العظيمة التي يقوم بها ولاة الأمر -وفقهم الله- لحماية المجتمع من الشرور والبلايا، فأمْرُهم بالإجراءات الاحترازية الوقائية، وتقديمهم الغالي والنفيس لحفظ المجتمع من هذا الوباء ظاهر معلوم لكل منصف، ويليه جهود القائمين على العمل الصحي والأمني والدعوي وكل من يعمل لمصلحة المجتمع .

فاللهم اجزهم خيرا وضاعف حسناتهم، اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لكل خير، ووفق ولي عهده وجميع أعوانه لما فيه هداك، واجعل عملهم في رضاك، وانصر بهم دينك، وأعلِ بهم كلمتك، وجميع ولاة أمور المسلمين .

اللهم ادفع عنا وعن المسلمين كل شر وفتنة وبلاء، وارفع عنا الجوائح وكل وباء، ووفقنا وجميع المسلمين لهداك، واجعل أعمالنا في رضاك، وأعز الإسلام والمسلمين في كل مكان، واخذل أعداء الدين في كل مكان، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وجميع بلاد المسلمين. وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

كتبه

د. ماهر بن عبدالرحيم خوجة

@maher_khujah


Tags:

شارك المحتوى: