وقفات مع الدكتور علي السند


وقفات مع الدكتور علي السند

‏ https://www.youtube.com/watch?v=bLLsAInktD4&feature=youtu.be

الحمدلله وصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

أرسل لي أحد الإخوة مقطعاً قديماً للدكتور علي السند هداه الله إلى الحق، فسمعتُه فتعجبتُ من طرحه وجرأته لشرحه حديثاً من تلقاء نفسه، ولم يلتفت لشراح الحديث، وتسفيهه أيضاً للعلماء الذين شرحوا الحديث خلاف فهمه، ووصفهم بأقبح الأوصاف!!!.

وإليك نص كلامه: قال الدكتور كلما استدِل بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أفضلَ الجِهادِ كلمةُ حقٍّ وفي رواية عدل عندَ سلطانٍ جائرٍ». تأتيني بعض الإعتراضات وهذه الإعتراضات “عند سلطان جائر” أي عنده في حضرته في مجلسه ولا يجوز في غير ذلك، فالحقيقة هذا فهم غريب لقوله النبي وفيه تجاوز لقواعد اللغة العربية وجهل في دلالات الألفاظ وفي معاني الحروف أي إنسان عنده اطلاع في اللغة العربية وفي معاني الألفاظ ودلالاتها يدرك أن هذا الفهم غير صحيح …. إلى آخر ما قال.

ولي على ماقاله عدة وقفات.

[ الوقفة الأولى ]:

قال الدكتور علي السند: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «أفضل الجهاد»، وكلمة “أفضل” في اللغة على وزن أفعل والأسماء عندما تأتي على وزن أفعل مثل أحسن وأجمل وأكرم وأكبر تكون لها دلالة معينة هي تدل على أن هناك شيئين اشتركا في نفس الصفة وزاد أحدهما على الآخر في تلك الصفة مع بقاء قدر مشترك بينهما، فمثلا لما أقول لأشخاص أكرم الناس فيكم فلان فهذا يعني اشتركوا جميعا في صفة الكرم وفلان زاد عليهم، قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر . يعني الكلمة التي تكون عند السلطان هي الأفضل ولكن عندما لا تكون عنده أيضا فيها فضيلة حسب صيغة أفعل تكون كلمة الحق لها فضيلة أياً كانت وفي أي مكان ولكن عند السلطان أفضل، إذن الذين يقولون لا تجوز كلمة الحق إلا عند السلطان أي في حضرته، من أين جاءوا بهذا الفهم؟ !!وهل يعرفون صيغة أفعل في لغة العرب؟!! هذا بالنسبة للجهل في كلمة أفضل !!.

قلتُ: سبحان الله يتكلم بهذه الطريقة، وكأنه إمام النحاة في عصره “سيبويه”!! والله المستعان.

والرد على فهمه وقوله – البعيد عن الصواب – والذي فيه جهل باللغة العربية وأقوال أهل اللغة.

أولاً: أنه ليس كل كلمة على وزن أفعل يكون هناك قدر مشترك بينهما، أو لها دلالة معينة تدل على أن هناك شيئين اشتركا في نفس الصفة وزاد أحدهما على الآخر في تلك الصفة مع بقاء قدر مشترك بينهم، فقد يرد اسم التفضيل بين شيئين، ويراد به التفضيل المطلق، أو يراد بالحسن المحض، والخير المحض، ولا خير أصلا في ضدهما، أو بمعنى آخر أوضح، قد تأتي أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء، وليس هناك قدر مشترك بينهما، لأنه لا خير في الطرف الآخر ، وهذا ما ذهب إليه الكثير من العلماء وأهل اللغة، كما قال تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}، فتأتي أحيانا ليس للتفضيل قال أبو حيان في تفسيره البحر المحيط: إذ لا اشتراك بين المؤمن والكافر في أصل الخير.

وقال ابن كثير في تفسيره من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيءٌ، وقال ابن سعدي في تفسيره: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}، وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل، فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء لأنه لا خير في مقيل أهل النار ومستقرهم كقولهم: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}.

وقال ابن عثيمين في تفسيره:

فإن قيل: كيف جاءت الآية بلفظ: {خير من مشركة} مع أن المشركة لا خير فيها؟ فالجواب من أحد وجهين:

الأول: أنه قد يرد اسم التفضيل بين شيئين، ويراد به التفضيل المطلق، وإن لم يكن في جانب المفضل عليه شيء منه، كما قال تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}.

[ الوقفة الثانية ]:

قال الدكتور علي السند: هناك جهل آخر لفهم كلمة “عند” عند سلطان جائر، فكلمة “عند” في لغة العرب غير محصورة فقط في العندية المكانية أو في الحضور المكاني أي يجب أن يكون حاضرا في نفس المكان، فعند ظرف مكان، وقد تأتي ظرف زمان إذا أضيفت للزمان كما تقول عند الصباح وعند المساء وقد تستعمل فيما غاب عنك كما تقول عندي سيارة وعندي مال، وليس بالضرورة أن تكون السيارة أو المال حاضرين في مجلسك، لذلك يقول صاحب المصباح المنير أن كلمة “عند” تستعمل لما يقع في ضمن السلطان والملك فكلمة حق عند سلطان جائر أي في ملكه وسلطانه وليس بالضرورة في حضرته فإذا كانت كلمة الحق في ضمن السلطان والملك فهي أفضل كلمة الحق فإذا لم تقع في سلطانه وملكه فلها فضيلة أيضا.

قلتُ: سبحان الله ما هذا التدليس يادكتور علي، انظر أيها القارئ كيف حاول جاهدا أن يدخل كلاماً غير صحيح ليبيح الإنكار على الحاكم على المنابر وفي كل مكان ويصرف معنى الحديث ودلالته عن ظاهره وعن معناه الصحيح إلى معنى فاسد، ونسب إلى صاحب المصباح كلاما لم يقله، ولي على كلامه ملحوظتان:

الملحوظة الأولى: أن الكلمة قد تكون لها عدة معان إذا اضيفت إلى جملة وبحسب موقعها من الكلام، أو أن الكلمة يتحدد استعمالها من معنى الجملة والسياق، فتقول مثلا: عندي فلان، فيكون العندية مكانية، وتأتي “عند” ظرفا للأعيان والمعاني، فتقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به، وتقول: عندي مال؛ وإن كان غائبا عنك. ولا تقول: لدي مال إلا إذا كان حاضرا، وإرادة المكان أو الزمان توضحه القرائن فقوله -صلى الله عليه وسلم- عند سلطان جائر، يكون المراد العندية هنا المكانية بدليل القرائن والأصل، فإذا قيل فلان عند الأمير أو عند السلطان أو تكلم عند السلطان، لا يمكن أن تفسر العندية هنا الملك أو السلطان بمعنى في سلطانه وملكه أي في دولته وفي مكان بعيد عنه دون المكانية، ولا شك أن هذا التفسير بعيد عن الصواب وتلاعب بالألفاظ، ثم جاءت رواية عن جابر بن عبدالله قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: سيِّدُ الشُّهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطَّلبِ ورجلٌ قام إلى إمامٍ فأمره ونهاه فقتله. وحرف إلى في قوله “إلى إمام ” الانتهاء المكاني ولذلك قال تعالى: { اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}.

وقد بوب الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد (باب الكلام بالحق عند الحكام) ثم أورد الحديث.

وقال الصنعاني تعليقا على الحديث «ورجل قام إلى إمام جائر فأمره- أي بالمعروف – ونهاه – أي عن المنكر فقتله»، لأنه خاطر بنفسه في ذات الله.

قال أبو حامد الغزالي: وطريق وعظ السلاطين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ما نقل علماء السلف وقد أوردنا جملة من ذلك في باب الدخول على السلاطين.

الملحوظة الثانية: أن الدكتور علي السند – هداه الله – وقع في التدليس وأوهم القارئ أن صاحب المصباح يقول بهذا القول ويشرح الحديث بهذا الفهم الذي ذكره الدكتور، ولا أعلم أين ذهبت الأمانة العلمية؟!!!.

ولما رجعتُ إلى كتاب المصباح المنير، فإذا هو يتكلم عن كلمة “عند” وموضعها في الجملة، ولم يتطرق إلى الحديث أو معنى الحديث أو شرح الحديث، لا من قريب ولا من بعيد، فقال في كتابه المصباح المنير: “عند” ظرف مكان ويكون ظرف زمان وتقول عندي مال لما هو بحضرتك، ولما غاب عنك ضُمَّنَ معنى المِلك والسلطان على الشي ومن هنا استعمل في المعاني فيقال عنده خير وما عنده شر لأن المعاني ليس لها جهات.

فانظر أيها القارئ كيف أن الدكتور ركب كلاماً وفلسفة، ونسبه إلى كتاب المصباح المنير، وأن الذي يتكلم على الحاكم في ساحة الإرادة أو في أي مكان وليس أمامه، أنه تكلم في ملكه وسلطانه فهي فضيلة، سبحان الله ما هذا الفهم الغريب فالحقيقة أن الدكتور يحاول جاهداً أن يلوي عنق الحديث ويفسره حسب هواه وميوله لكي يوافق منهجه وفكره – وهو الإنكار على الحاكم المسلم علناً – ولا شك أن هذا ليس من النصح في شي، بل هو من التشهير والفضيحة بالحاكم، ولا يمكن أن يدعو النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس لمثل هذا، وإنما ننكر المنكر ونوضحه للناس، من غير أن نتعرض إلى الحاكم أو الفاعل، قال النووي على شرح مسلم: وينبغى للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون من ذلك برفق ليكون أقرب إلى تحصيل المقصود فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وعابه، والإنسان لا يرضى لنفسه أن ينصح على المنابر، وأن يشهر به على المنابر وأن يتكلم معه بحضرة الناس، فكيف بالحاكم؟!!

والعجيب من الدكتور أنه لم يتحمل نصيحة الشيخ سالم الطويل التي هي خالية من السب والقذف والشتم، واعتبر ذلك من الفضيحة والتشهير، ولم يتحمل النقد العلني، وقال الدكتور الرد سيكون في القضاء !!.

[ الوقفة الثالثة ]:

شرحه للحديث وحمله على هذا المعنى وزعمه أن هذا دلالته.

أقول لم يسبق إليه أحد من أهل العلم ممن يُعتد بقوله، ولا قال به أحد من شراح الأحاديث كابن حجر والنووي والخطابي والعيني وابن بطال وغيرهم، ولا المذاهب الأربعة وإنما الدكتور – هداه الله – تفرد بهذا الشرح وبهذه الفلسفة، واعتبر كل من قال خلاف قوله وشرحه للحديث فهو جاهل، ولا أعلم من أين جاء الدكتور بهذا الفهم، وبهذا التفسير للحديث مع أن أهل العلم وشراح الحديث لم يأتوا بهذا الفهم عند شرحهم للحديث ولا عند كلمة “أفضل”، ولم يتطرقوا إليه البتة فيما أعلم، ولا عملوا الصحابة بهذا الفهم للحديث الذي ذكره الدكتور، وإنما الحديث واضح المعنى عند العلماء وهو الدخول على السلطان، ولذلك لم يفسروا الكلمة لوضوحها، وإنما تطرقوا العلماء والأئمة إلى فهم الحديث من حيث “الأفضلية إلى أنواع الجهاد بعد الفرائض” للأحاديث الأخرى التي فيها “أفضل” مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «أي العمل أفضل…. قال الجهاد في سبيل الله». رواه البخاري.

وحديث: أفضلَ الجهادِ حجٌّ مبرورٌ. رواه البخاري.

وحديث: أفضلُ الجهادِ من جاهد نفسَه في ذاتِ اللهِ عزَّ و جلَّ.

وحديث: أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر.

وجاء حديث معناه أن أفضل الجهاد العلم.

وجاء حديث أن أفضل العمل الصدقة.

فالحديث إن أفضل الجهاد كلمة حق عن سلطان جائر ليس هو أفضل أنواع الجهاد على الإطلاق ولم يقله أحد من أهل العلم.

واختلف العلماء لا سيما المذاهب الأربعة على خمسة أقوال في مسألة الجهاد هل هو أفضل الأعمال بعد الفرائض أم لا؟.

وقال العيني على شرح صحيح البخاري: واختلاف الأحاديث في أفضل الأعمال لاختلاف السائلين واختلاف مقاصدهم أو باختلاف الوقت.

وقال شيخ الشافعية ابن أبي عصرون: العبادات تختلف أفضليتها باختلاف أحوالها وفاعليها، فلا يصح إطلاق القول بأفضلية بعضها على بعض.

[ الوقفة الرابعة ]:

الدكتور علي السند قام بشرح الحديث من غير أن يكون له سلف، ومن غير أن يرجع إلى أهل العلم، بل كان الواجب على الدكتور التورع والخوف من القول على الله بلا علم لأنه قرين الشرك، ولا يجوز له أن يعتقد أن الحق وشرح الحديث حُجب عن من كان قبله من شراح الحديث ومن العلماء، وفتحَ اللهُ له هذا الفهم، ولا شك أن هذا من تلبيس ابليس.

بل لا بُدّ أنْ يُفهم هذا الحديث – أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر – على ضوء أدلة شرعية أُخرى’ صحيحة، كما سأذكرها في الوقفة الثامنة.

قال الإمام أحمد: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام. وهذا من ورعه وخوفه من الله وكان يكره أن يتفرد في مسألة بقول ؛ وليس له سابق في هذا القول، فقول الإمام أحمد رحمه الله: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، يعني لا تذهب إلى قول ولا تنفرد بقول ليس لك فيه سلف من الأئمة المتبوعين ومن العلماء الربانيين.

الوقفة الخامسة: صنيع الدكتور علي السند بالنصوص الشرعية وتفسيرها من تلقاء نفسه، كما شرح كلمة(أفضل) وجهل غيره، ذكرني بصنيع علي منصور الكيالي، وعدنان إبراهيم والله المستعان.

[ الوقفة السادسة ]:

قوله -صلى الله عليه وسلم-: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.

هذا الفضل العظيم لا يناله إلا الصادق الذي ترعرع الإيمان في سويداء قلبه وتمكن من بشاشة قلبه لأن نتيجة الأمر والنهي والإنكار عند السلطان الجائر الظالم معروف، فالمتقدم يدل على تضحيته بالنفس في سبيل الله، وأن الدنيا لا تساوي عنده جناح بعوضة، ويدل أيضا أن المراد عند سلطان جائر هو الدخول عليه والوقوف بين يديه، ولذلك رغب النبي -صلى الله عليه وسلم-بعظيم ثواب من يتقدم على نصح السلطان الظالم الجائر، وليس في غيبته وعلى المنابر وفي وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذا من التشهير والفضيحة والمفسدة، والعجيب بعض الناس يتكلم عن التقوى وتطبيق الشريعة وعنده حماس، وتغيير للمنكر لدي الحاكم، وهو بنفسه لم يغير المنكر الذي فيه كحلق اللحية وإسبال الثوب والوقوع في الغيبة التجرؤ على تحريف النصوص الشرعية، والله المستعان.

[ الوقفة السابعة ]:

الدكتور علي السند هداه الله جهل أو تجاهل أن العلامة ابن باز والعلامة ابن عثيمين النحوي والعلامة الألباني والعلامة الفوزان والعلامة الحيدان يحملون الحديث ” عند سلطان جائر ” أمامه وبين يديه وليس من ورائه أو في غيبته وعلى المنابر.

قول ابن عثيمين:

https://www.youtube.com/watch?v=61MZeiKQBVw

قول الفوزان:

‏ https://www.youtube.com/watch?v=JJakiOP-YYk&app=desktop

ومع ذلك الدكتور لم يقدِر هذا القول الذي عليه العلماء ولم يحترمه، ولم يعتبره على الأقل وتنازل مع الخصم أن المسألة خلافية، بل جعل كل من قال بهذا القول، وقال بخلاف قوله فهو:

1/جاء بفهم غريب.

2/تجاوز لقواعد اللغة العربية.

3/جهل في دلالات الألفاظ.

4/جعل الدكتور علي فهم العلماء للحديث جهل في معاني الحروف، وقال أي إنسان عنده اطلاع في اللغة العربية وفي معاني الألفاظ ودلالاتها يدرك أن هذا الفهم غير صحيح.

5/وقال من أين جاءوا بهذا الفهم.

6/قال الدكتور يجهلون صيغة أفعل في لغة العرب.

7/تفسير خاطئ.

سبحان الله أي سب ونقيصة وطعن مبطن في علماء الأمة وسلف الأمة من هذا السب والتحقير وصرف وجوه الناس عنهم. والله المستعان.

[ الوقفة الثامنة ]:

لا شك أن من يقول مناصحة الحاكم عنده وأمامه أفضل، وأما في أي مكان وعلى المنابر وفي الساحات كساحة الإرادة ففيها فضيلة كما قال الدكتور علي السند، أقول لا شك أنه أخطأ وفتح باب شر على المسلمين، وخالف النصوص الشرعية، وأقوال السلف الصالح الذين اعتبروا أن مناصحة ولي الأمر أو الحاكم سراً واجب و ثابت جاءت به السنة وهو سبيل المؤمنين، ومن قال خلاف ذلك فقد أبعد النجعة، وولج بابا من أبواب الخوارج، وهيج الناس على ولاة الأمور، وأَذِن بفتنة عريضة.

وإليك بعض الأدلة الدالة على وجوب مناصحة الحاكم سراً لا جهراً:

أولاً: النصوص الشرعية:

الحديث الأول: عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية، وليأخذ بيده، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه».

رواه الإمام أحمد، وابن أبي عاصم في كتاب السنة وغيرهما، وصححه الألباني.

الحديث الثاني: عن عامر بن سعد عن أبيه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس فيهم قال فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلا لم يعطه وهو أعجبهم إلي فقمتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم “فساررته” فقلت مالك عن فلان والله إني لأراه مؤمنا؟ قال: «أو مسلمًا»..الخ. والحديث في مسلم والبخاري.

قال النووي رحمه الله: فيه التأدب مع الكبار، وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه، ولايجاهرون فقد يكون في المجاهرة به مفسدة.

ثانيا: أقوال الصحابة وأفعالهم في النصيحة للحاكم.

قول ابن عباس رضي الله عنه.

ذكر الحافظ ابن رجب وابن أبي شيبة. أن ابن عباس – رضي الله عنهما – سئل عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر. فقال: إن كنت فاعلاً ولا بد ففيما بينك وبينه.

قول أسامة وفعله رضي الله عنه.

قيل لأسامة بن زيد رضي الله عنهما- ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه).رواه البخاري ومسلم.

قول عبد الله بن عكيم الجهني رضي الله عنه.

روى هلال بن أبي حُمَيد قال: سمعتُ عبد الله بن عُكيم يقول: لا أعين على دم خليفة أبدًا بعد عثمان، فيُقال له: يا أبا معبد أوَ أعَنْتَ على دمه؟ فيقول: إنّي أعُدّ ذكرَ مَساويه عونًا على دمه.

وهذا القول من الصحابي اعتبر أن ذكر أخطاء الحاكم والإنكار عليه علنا بأنه فعل منكرا ونشر منكرا مما يعين على سفك الدماء وتحريك الدهماء وإثارة الفتنة، ويفيد هذا القول من الصحابي أن الخروج كما يكون بالسيف يكون أيضاً باللسان. فتنبه لهذا.

ثالثا: فقه العلماء واستنباطهم من الأحاديث الآنفة الذكر، وأقوال السلف من الصحابة وغيرهم في وجوب مناصحة الحاكم سراً.

أقول: ليس من منهج السلف مناصحة الحاكم جهرا على رؤوس الأشهاد ولا على المنابر فيما صدر منه من منكرات وأخطاء لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وتهييج العامة والرعية عليه وسلب هيبته، وعدم السمع والطاعة له، والطريقة المثلى والمتبعة عند العلماء وسلف الأمة مناصحة الحاكم سراً وليس جهراً.

قال النووي – رحمه الله -:موضحا قصد أسامة في الحديث السابق الذكر قوله “أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه” يعنى المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ، كما جرى لقتلة عثمان رضي الله عنه.

وقال عياض – رحمه الله -: مراد أُسامة أنه لا يَفْتح باب الْمُجاهرة بالنَّكير على الإمام لما يَخشى من عاقبة ذلك، بلْ يتلطف به وينصحه سِرًّا فذلك أجدر بالقبول. ذكره ابن حجر في فتح الباري رحمه الله.

وقال العيني على شرح البخاري تعليقا على قول أسامة بن زيد السابق: قد كلمته ما دون أَن أفتح بابا أَي: كَلمته شَيْئا دون أَن أفتح بابا من أبواب الفتن، أَي: كَلمته على سبيل المصلحة والأدب والسر دون أن يكون فيه تهييج للفتنة ونحوها، وأنه لم يرد فتح الباب بالمجاهرة بالتنكير على الإِمام لما يخشى من عاقبة ذلك من كونه فتنة رُبما تؤول إلى أن تموج كموج البحر.

وقال النووي – رحمه الله -: وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم

على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم وتألف قلوب الناس لطاعتهم.

قال الإمام يحيى بن معين رحمه الله: ما رأيتُ على رجل خطأ إلا سترته، وأحببتُ أن أزين أمره، وما استقبلتُ رجلا في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه، فإن قبل ذلك وإلاَّ تركته.

قلتُ: إذا كان الإمام يحيى بن معين يسر بالنصيحة لرجل من آحاد المسلمين فما بلك بالحاكم المسلم فيكون من باب أولى.

وقال ابن القيم -رحمه الله-: فمخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعاً وعقلاً وعرفاً، ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه.

قال ابن الجوزي: ينبغي لمن وعظ سلطانا أن يبالغ في التلطف.

قلتُ: وليس من اللطف الكلام فيه في الساحات وعلى المنابر وفي الأماكن العامة، بل هذا يوغر صدره ويهيج الدهماء عليه.

قال الشوكاني – رحمه الله -: ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد. بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله. وقد قدمنا في أول كتاب السير: أنه لا يجوز الخروج على الأئمة، وأن بلغو في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر الكفر البواح. والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة. ولكن على المأموم أن يطيع الأمام في طاعة الله ويعصيه في معصية الله. فإنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.

وعلماء نجد كالشيخ محمد بن عبدالوهاب وتلاميذه قالوا: وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر، والخروج من الإسلام، فالواجب فيها: مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس، ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح، وأئمة الدين.

راجع الدرر السنية.

وقال العلامة السعدي رحمه الله: على من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سراً لا علناً بلطف وعبارة تليق بالمقام.

وقال العلامة ابن عثيمين: الواجب أن نناصح ولاة الأمور سرا كما جاء في النص ” فلا يبده علانية وليأخذ بيده”.

وقال العلامة ابن باز رحمه الله: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر , لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف , ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع , ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان , والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.

نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق لكل خير.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه/ أبو محمد فيحان الجرمان.


شارك المحتوى: