المُخْتصرُ المفيدُ في المُحْدَثِ الجديد


” المُخْتصرُ المفيدُ في المُحْدَثِ الجديد”

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فهذه نتف من مذاكرات جرت بيننا وبعض أخواننا حول تلك الأقوال المبتدعة والمشاغبات المُحْدثة، التي ظهرت في العقدين الأخيرين، وانتشرت بين بعض الناشئة، ممن لا يعلم من وجهة، ولايعرف سرا لهذا الشغب من وجه آخر، ومدارها على هدم السنة، فقد بلغ بهم الأمر قلب الموازين، ويرددون كلمات للمغرضين لإعادة صياغة قواعد المحدثين، وهذا عبث عصري لإفساد دين المسلمين؛ فأثره عائد على الوحي؛ وأعني بذلك هدم بناء مشيد؛ سنة خاتم الأنبياء والمرسلين؛ صلى الله عليه وسلم.

وقد كانت البداية قولاً لبعض أصحابنا وإخواننا -من السلفيين- ولكنه متأثر بمنهج المعادين لطريقة ومنهج أساطين علوم الحديث، وأصول أرباب الصناعة الحديثية.

فقال الشيخ….. حفظه الله:

(التحسين بالشواهد والمتابعات

عند المتأخرين فضلًا عن المعاصرين يحتاح إلى تحسين)

أولا: مما دفعني لتعقبه؛ خاصة أنه قد أكثر من ذلك، وتعقب أحاديث كثيرة مشهورة في كتب السنن والمسانيد، ورفقا به وخشية عليه – وأنا محبٌ له الخير – وعلى باقي إخواننا طلاب العلم من هذا الوليد الجديد.

قلت (ابو عمر):

أخونا الفاضل الشيخ …. حفظه الله

١. هل هذا قولٌ للمتقدمين؟

٢. أم هو حُكمٌ لمن بعدهم من المتأخرين (زمنًا)، على المتأخرين (زمنًا)؛أعني: حكمًا لمتأخر على متأخر.

٣. ومن هو صاحب المرتبة والمكانة الرفيعة الذي حاز وملك ملكةً علمية تُمَكّنه من قدرة الترجيح بين مذاهب المتأخرين ؟!

٤. أي من يكون حكما بين الفريقين المتأخرين؛ إن وُجِد؟

٥. وهل بالإمكان تسمية بعض المعاصرين (في عداد المتأخرين زمنًا)؟!

٦. ومن يكون حكما على من؟!

ولماذا قُدّم أحد الطرفين على الآخر في الحكومة؟!

٧. وهل زيد وعبيد وعمرو يكون

حكما على الذهبي، وابن رجب، وابن حجر، وأحمد شاكر، والمعلمي والألباني ؟!

ثانيا: ومن ثم ألحقت ما تقدم بهذه المداخلة، بعد متابعة مذاكرة في الموضوع نفسه بين طلاب العلم؛ حيث لم نجد ارتياحا علميا أو لنقل لم نجد كلاما علميا.

وكنت وضعت له عنوانا:

فوسمته: ب” المختصر المفيد “

١.إن ما يقوم به بعض الأدعياء الجدد، وكل متطفل على هذا العلم؛ أعني: علم الحديث وأبحاثه وأسراره الجميلة؛ ما هي إلا محاولات للطعن في جهود أهل العلم، وإتهام العلماء بأنواع شتى؛ كلها ضرب من الحشو والطرق الواهية، طمعا في موضع قدم؛ لعل وعسى أن يجد بعض الناس -المتطفلون على هذا العلم- أنفسهم في عداد العلماء، وأئمة الصناعة الحديثية ..

٢. ولذا لا يوجد تصدع في بنيان المؤمنين، فلا تفريق بين مجموع علماء الأمة، وما دعوى وجود المنهجين؛ منهج للمتقدمين ومنهج للمتأخرين، إلا دعوى عريضة مخترعة.

٣. إنها محاولة فصل لأواخر علماء الأمة وفاة عن الأوائل، والمستغرب أن أصحاب هذه الدعوى وأولئك المُحْدِثون مستثنون من هذا التفريق والتمزيق، فنجد وقوع الإبعاد والتنحية على غيرهم، فلا يصل إليهم [ بحسْب طريقتهم ]!!

٤. وهذا العمل البدعي العصري، كله رمي لجهود العلماء بالتهمة!

٥. فالمتتبع لهم ولأعمالهم يحد إنه عمل قائم على تزهيد النشئ بكتب ومصنفات العلماء.

٦. وفيه سعيٌ لخلق مرحلة الإعراض التام عن ثروة علمية ضخمة.

٧. فهل من سائل:

لماذا كل هذا؟

ولأجل من ؟!

والجواب سهل على من وفقه الله، فإن العمل نفسه، فاضح لأهله، بل إنه واضح من لسان الحال (الهدم) والمقال؛ بأن أولئك يمهدون لمرحلة بعد الظفر – الأدعياء – بهذه الخدعة والبدعة العصرية ليخرج من قبلهم جيل جديد، فيدّعي علنًا أنه الأعلم، وقد سمعنا خرافات بعض أولئك منذ عقدين من الزمان.

٨. وفي الماضي القريب، قبل عاصفة الأدعياء تلك؛ لم يستطيع أحد منهم، ولم يتسنى له الظهور ومخاطبة الجمهور؛ إلا باختراع تلك الوسيلة العصرية التي تنادي بتنحية العلماء والأئمة عن الطريق.

٩. ملاحظة:

إن وجود الأقوال الشاذة في زمن ما أو زلة لعالم ما، لا يكون ذريعة للعبث بجهود العلماء وإرث الأمة.

١٠. فإن الأقوال الشاذة عن منهج أصحاب الصنعة، وأهل هذا الشأن مطروحة ولا بُدَّ، ومرجوحة في كل قرن، ولم يتخذها العلماء المشهود لهم بالمكانة العلية؛ ذريعة لادّعاء منهج جديد كما تفعل النبتة المعاصرة المُحْدِثة، فلم يكن منهجا لأحد من أهل العلم، أن نجد جهوده قائمة على فصل السابق عن اللاحق، وإبعاد اللاحق عن السابق.

ثالثا: سؤال من بعض إخواننا أنقله بنصه:

ش. عبدالعزيز ما رأيكم في صنيع ش. شعيب وبشار في هذا الكتاب؟

ورد الفحل عليهم، هل اطلعت عليه؟

الجواب:

قلت (أبو عمر) :

١. إن بشارًا وشعيبًا غرباء على الصناعة الحديثية، بقواعدها الأصيلة، وكذلك لا يملكون حسًا نقديًا، الذي يصبح به مع الزمن ذا ملكة نقدية لدى علماء هذا الشأن.

٢. وهذا مما لايمكن كتابته في قاعدة، بل هو إحساس يلازم المحدث لطول ملازمتة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا الدّرْبة على قواعد المحدثين مع زمن طويل.

٣. وهذا مما يصعب إفهام بعض الناس به، ولا يملكون القدرة على فهمه والاقتناع به، ومن ثمَّ أصبح نكرة على عقولهم وأذهانهم ما يقفون عليه من هذا الفن !!

٤. ولذلك ينبغي توطين النفس بأن من جهل شيئًا عاداه، فلا غرابة حينئذٍ في تعقبهم لأكابر العلماء، فإن بعض المواضع الحديثية – أقول بعضها وليس كلها – لاتخضع لقاعدة معينة، بل يجمع الممارس عدة قواعد ويقوم باستحضارها في ذهنه، مع ما معه من حس حديثي، وملكة نقدية، فيخرج بنتيجة يتفاجأ بها المبتدي، فهو يسير على طريقة حسابية: ١+١=٢ ، وهذا لا يتماشى مع كثير من عمل المحدثين.

٥. ولذا أعجب لبشار وشعيب!!

فكيف لهما أن يتعقبا الحافظ ابن حجر رحمه الله…حتى أُسئ إلى الكتاب الأصل ( تقريب التهذيب).

٦. وأقول: يا شيخ …..

واما تعقيب الفحل فلم اطلع عليه!

رابعا: وهذا تعقيب على قول الشيخ الذي تأثر بقول النبتة العصرية الغريبة، فكتب متعقبا قولي في المختصر المفيد، بأنه ليس كل قائل بالتفريق يوصف بالانحراف.

فقلت (عبد العزيز):

يا شيخ …. حفظك الله

١. يعلم الله أنك لست معنيا بأصحاب هذه النزعة، ولست منهم، ولا على معتقدهم في الديانة، ولا أشك في سلفيتك – نحسبك كذلك – ومحبتك لأهل السنة… ولكن كنت انقد أصحاب هذا الرأي المخترع والمذهب الجديد من زمن وأعيده اليوم فقد عاصرنا نشأتة تلك البدعة.

٢. وأخبرك بأن ما نذكره هنا…

هو من باب “الدين النصيحة “، بين أهل السنة؛ مذاكرة وتعلُّما.

سؤال: هل الألباني على منهج المتقدمين أو المتأخرين؟

والجواب: ردٌ على جوابك بأن الألباني على منهج المتأخرين.

١. إن الألباني على منهج أهل الحديث والآثار، الذين تناولوه وأخذوه من بعض؛ كابرا عن كابر، يدا بيد وكفا بكف، بلا انقطاع اللاحق عن طريقة السابق، أو تحريف لما بين يديه.

٢.وإن العلامة الألباني لم يخرج عن الجادة ومسالك نقاد الحديث، حتى يوضع تحت مقصلة بعض النشئ والمتعالمين، وتنصب له المحاكم، وجريمته خدمة السنة والتفرد المطلق في هذا الباب خلال مايزيد على نصف قرن!

مما جعل حساده ومحبي مخالفته كُثر، وأصبحت محاولة الخروج من عباءة الشيخ الألباني مطلبا وهاجسا يؤرق المتعالم وأعداء السنة.

٣. وعودة إلى التفريق بين زمنين، وجعل العلماء على منهجين، نجد عند النظر والتحقيق؛ أن ذلكم التركيب الإضافي الذي وسَمُوه: ب(منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين)؛ لا بُدَّ وأن يحذف من القاموس العلمي، فلا معنى لمبناه ولا قيمة لوجوده؛ إلا إذا أريد بذلكم الإسم وذكره؛ تأريخا زمنيا أو توثيقا لطبقات علماء هذا الفن!

٤. والواجب على كل العاملين في هذا الفن الانتفاع والاستفادة من جهود جميع علمائه قاطبة، فجهود أهل الحديث كالبناء البناء الواحد؛ بعضهم مكمل لبعض، ما بين شارح ومبين وواضع لقاعدة، أومؤصل لأصل يرد إليه المتفرق والمتناثر.

٥. فهذا أبو الحسن الدارقطي ينتقد الإمام مسلم بن الحجاج، وإن ذلكم الانتقاد لم يدفع أحد من أهل العلم لوضع قانونا منفردا لكل واحد منهما في قالب منهج له قواعد وأصول تنفر من غيرها.

٦. وأما الألباني فهو كغيره من علماء الأمة؛ يصيب ويخطئ ويقع منه الوهم، ولكن …

الحذر الحذر من جمع هذه الأخطاء والزلات، والتي تذهب في بحر حسناته، الموافق لقانون النقد الحديثي، ومن ثم تسمى منهجا غريبا… كما يزعمون.

والله المستعان على مايصفون، والحمد لله رب العالمين.

كتبه. عبد العزيز بن ندى العتيبي

٢٩ من شوال ١٤٣٤

٤/ ٩ / ٢٠١٣ من التاريخ الإفرنجي


شارك المحتوى: