الموت وعظاته


الخطبة الأولى:

الحمد لله المتفرد بالبقاء، ذي العزة والكبرياء، كتب مقادير الخلائق وأقسامها، وقدَّر أمراضها وأسقامها، سبحانه وبحمده له ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، رحمة من لدنه وفضلاً، وحكمة منه وعدلا.

أحمده سبحانه وأشكره على حلو القضاء ومره، وأعوذ به من سطوته ومكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مستزيداً من إحسانه وبره.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أحاطه ربه بتأييده ونصره، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون: وخافوه وأطيعوا

أمره ولا تعصوه ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ

الْمُؤْمِنِينَ)

تزود من التقوى فإنك لا تدري      *  إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجـر
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا * وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم * وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر
وكم من عروس زينوها لعرسـها   *   وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر

أيها المسلمون:

فإن العبد مهما عمّر في هذه الدنيا، فإن نهاية أمره إلى زوال ، وآخر سعيه إلى اضمحلال؛حتى يصل إلى منتهى أجله؛ وانقطاع أمله. قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)

وها هو قد فارق كل صاحب ومحبوب، ولقي ما قدمته يداه بين يدي علام الغيوب؛ قال صلى الله عليه وسلم :« جاءني جبريل فقال:يا محمد: عش ما شئت فإنك ميت؛ وأحبب من شئت فإنك مفارقه؛ واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به » ؛ قال تعالى: ( لكل أمة أجل إذا

جاءأجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .

فالسعيد من وفقه الله للعمل الصالح والتزود من أعمال البر والتقوى.

هُوَ المَوتُ مَا مِنهُ مَلاذٌ وَمَهرَبُ     مَتى حُطَّ ذَا عَن نَعشِهِ ذَاكَ يَركَبُ

نُشَاهِدُ ذَا عَينَ اليَقِينِ حَقِيقَةً        عَلَيهِ مَضَى طِفلٌ وَكَهلٌ وَأَشيَبُ

أيها المسلمون: ((أكثروا من ذكر هادم اللذات)) بهذا أوصى نبيكم محمد . كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة؛ فمن ذكر الموت حق ذكره حاسب نفسه في عمله وأمانيه ولكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة – كما يقول القرطبي رحمه الله – تحتاج إلى تطويل الوعاظ وتزويق الألفاظ.

أكثروا من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات، ((فما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا سعة إلا ضيقها)).

وايمْ الله ليوشكن الباقي منا ومنكم أن يبلى، والحي منا ومنكم أن يموت وأن تدال الأرض منا كما أدلنا منها، قال الله: وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَن فِى ٱلأرْضِ إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ .

لقد وقف نبيكم محمد  على شفير قبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال: ((يا إخواني لمثل هذا فأعدوا)) ، وسأله عليه الصلاة والسلام رجل فقال: من أكيس الناس يا رسول الله؟ فقال: ((أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة)).((الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت)).

قال الحسن البصري – رحمه الله -: فضح الموت الدنيا، فلم يترك لذي لب فيها فرحًا، وما ألزم عبد قلبه ذكر

الموت إلا صغرت الدنيا عليه، وهان عليه جميع ما فيها”.

ويقول يونس بن عبيد: ما ترك ذكر الموت لنا قرة عين في أهل ولا مال.

ويقول مطرِّفٌ: إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيما لا موت فيه. لقد أمِنَ أهل الجنة الموت فطاب لهم عيشهم وأمنوا الأسقام فهنيئا لهم طول مقامهم.

أيها المسلمون: اذكروا الموت والسكرات، وحشرجة الروح والزفرات، اذكروا هول المطَّلعَ .

من أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت ابتلي بثلاث: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة.

الموت بابٌ وكلُ الناس داخلُه .. فليت شعري بعد البابِ ما الدارُ

روى الترمذي وغيره وحسنه الألباني أن عثمان رضي الله

عنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه . قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظرا قط إلا القبرُ أفظعُ منه .
القبر أول منازل الآخرة,فإن كان من أهل الجنة عرض له مقعده من الجنة, وإن كان من أهل النار عرض عليه مقعده من النار, ويُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعًا, ويملأ عليه نوراً ونعيماً إلى يوم يبعثون, وأما الكافر فيضرب بمطرقة من حديد ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه .
وروى الطبراني وصححه الألباني، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرٍ فقال: ((من صاحب هذا القبر؟)) فقالوا: فلان، فقال: ((ركعتان أحبّ إلى هذا من بقية دنياكم)) وفي رواية قال : ((ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدها هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم))

وَالْقَبْرَ فاذكرْه وما وراءَهْ        فمِنْه ما لأحد براءهْ

وإنه للفيصل الذي به          ينكشف الحال فلا يشتبه

فالقبرُ روضةٌ من الجِنانِ        أو حفرة من حفر النيران

إِنْ يكُ خيرًا فالذي من بعدهِ      أفضلُ عند ربنا لعبده

وإنْ يك شرًّا فما بعدُ أشدّْ  ويلٌ لعبد عن سبيل الله صدّْ

ألا فاتقوا الله رحمكم الله واحفظوا الله ما إستحفظكم وكونوا أمناء على ما استودعكم، فإنكم عند ربكم موقفون، وعلى أعمالكم مجزيون وعلى تفريطكم نادمون.

(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ

ٱلْقِيَـٰمَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ)

أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله غير مقنوط من رحمته، ولا مأيوس من مغفرته، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعمته، وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ومصطفاه من رسله، وخيرته من بريته. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن سار على نهجه واستمسك بسنته وحافظ على شريعته وسلم  تسليما كثيرا.

أما بعد:

أيها المسلمون:وإن مما يحسن بالمسلم أن يتعلمه أحكاماً تتعلق بالمتوفى؛ من حين معاينته الاحتضار إلى أن يدفن ويصير من عداد الموتى.

فمما ينبغي معرفته لمن حضره الموت أن يحسن الظن بربه سبحانه ؛ ويكون بين الخوف والرجاء؛ يخاف عقاب الله على ذنوبه؛ ويرجو رحمته لقوله صلى الله عليه وسلم :

« لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى » .

وعلى من حضر امرئ يحتضر أن يلقنه الشهادة بقوله :” قل لا إله إلا الله”؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « لقنوا موتاكم لا إله إلا الله » .

أما قراءة “سورة يس”عند رأسه؛ أو توجيهه للقبلة عند الاحتضار؛ فلا يصح فيه شيء عن رسول الله )؛ وخير الهدي هدي محمد .

فإذا قبض الميت أغلقت عيناه؛ وستر بدنه لئلا ينكشف؛ فقد دخل رسول الله  على أبي سلمة-وقد شق بصره-فأغمضه ثم قال:« إن الروح إذا قبض أتبعه البصر؛فضج أناس من أهله؛ فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون » .

وقالت عائشة:« إن النبي حين توفي سجي ببرد حبرة».

ويجوز البكاء على الميت بما لا يكون معه ضجر أو تسخط

على أقدار الله؛ فلما توفي إبراهيم ابن رسول الله جعلت عينا رسول الله تذرفان؛ فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله؟!

فقال : « يا ابن عوف إنها رحمة؛ ثم أتبعها بأخرى فقال: إن العين تدمع؛ وإن القلب يحزن؛ ولا نقول إلا ما يرضي ربنا؛ وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» .

وقالت عائشة: « دخل رسول الله على عثمان بن مظعون وهو ميت؛ فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه » .

وتحرم النياحة على الميت:وهي البكاء بتسخط؛ وشق الجيوب؛ ولطم الخدود؛ والدعاء بدعوى الجاهلية بتعديد محاسن الميت؛ قال: « ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية » .

وقال ابن مسعود:« إني برئ مما برئ منه النبي ؛ فإنه برئ

من الشاقة والصالقة والحالقة » .

الشاقة : هي التي تشق ثوبها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة.

وقال:« النائحة إذا لم تتب قبل موتها؛ تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب » .

ولا مانع من تقبيل الميت لمن أحب ذلك من أقاربه أو معارفه.

ومن السنة الإسراع في تجهيزه ودفنه بعد تيقن وفاته؛ ففي الحديث الصحيح: (أسرعوا بالجنازة! فإن تكٌ صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم )، وعند الطبراني بإسناد حسن: (إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره ) وعند أبي داود : (لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله ) ولا مانع من التأخير لمصلحة تتعلق بذلك؛ كانتظار قريب يحضر قريباً، أو للتعرف على سبب الوفاة إذا كانت بجناية أو جريمة، ثم يقوم بتغسيله من يحسن ذلك من المسلمين العدول ذوي الثقة والديانة من أقاربه أو غيرهم.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشرية رسول الله محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره.. اللهم ادفع عن الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك، اللهم انصر به دينك وأعل به كلمتك، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين.
اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والمفسدين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين وفرِّجْ كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين ، واشف برحمتكم مرضانا ومرضى المسلمين.

لا إله إلا الله غياث المستغيثين، وجابر المنكسرين، وراحم المستضعفين، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه ، اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانه إنا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانه إنا كنا من الظالمين .

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا واسقنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل علينا مدرارا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحًّا غدقاً طبقا واسعا مجلِّلا نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم أغثنا غيثاً مباركا، تحيي به البلاد، وترحم به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر والباد، اللهم أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغا إلى حين، اللهم لك الحمد على ما أنزلت من الغيث، اللهم فزدنا منه، اللهم فزدنا منه، وعُمَّ به أرجاء البلاد يا رب العالمين، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، وأسقنا من بركاتك، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا القحط والجفاف والجوع والجهد، واكشف ما بالمسلمين من البلايا، فإن بهم من الجهد ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم اكشف الضر عن المتضررين، اللهم اكشف الضر عن المتضررين، والكرب عن المكروبين، وأسبغ النعم على عبادك أجمعين،.. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


شارك المحتوى:
0