الحكم على لفظ بالشذوذ، وصحة أصل الحديث


الحكم على لفظ بالشذوذ، وصحة أصل الحديث

الحكم على أصل الأثر

السؤال:

[[كنتُ رجلا نصرانيا، فأسلمتُ، فأهللتُ بالحجِّ والعمرةِ، فلما أتيتُ العذيبَ لقِينِي سلمانُ بن ربيعةَ ، وزيد بن حوصانٍ، وأنا أُهلَّ بهما جميعاً، فقال أحدهما للآخرِ: ما هذا بأفقهَ من بعيرهِ! قال: فكأنما أُلقيَ عليّ جبلٌ حتى أتيتُ عمرَ بن الخطابِ، فقلتُ له: يا أميرَ المؤمنينَ إني كنتُ رجلاً أعرابياً نصرانياً، وإني أسلمتُ، وأنا حريصٌ على الجهاد، وإني وجدتُ الحجّ والعمرةَ مكتوبينِ عليّ، فأتيتُ رجلا من قومي ، فقال لي: اجمعهُما واذبحْ ما استيسرَ من الهديِ، وإنّي أهللتُ بهما جميعاً. فقال عمرُ: هُدِيتَ لسنةِ نبيكَ صلى الله عليه وسلم.

شيخنا عبد العزيز ما حكم هذا الأثر؟

الشاهد من الأثر: (إني وجدتُ الحجّ والعمرةَ مكتوبينِ عليّ، فأتيتُ رجلاً من قومي، فقال لي: اجمعهُما واذبحْ ما استيسرَ من الهديِ، وإنّي أهللتُ بهما جميعاً. فقال عمرُ: هُدِيتَ لسنةِ نبيكَ صلى الله عليه وسلم)]] .

هذا جوابنا على سؤال الشيخ الفاضل صبري- حفظه الله-.

الجواب: الحديث صحيح.

الأخ الفاضل الشيخ صبري:

أولاً: إن هذا الحديث قد رواه أبوداود في «سننه» (1799)، والنسائي في «سننه» (2719) وغيرهما بإسناد صحيح.

وقد رُوي من طرق عدة؛ عند ابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم.

ثانياً: ورجال إسناده من الأئمة والرواة الثقات المشاهير، ولكن في سنده:

* صبي بن معبد التغلبي

– قال الذهبي في «الكاشف»: ثقة.

– وقال ابن حجر في «التقريب»: ثقة.

– فاتفق الحافظان على توثيقه.

ثالثاً: جودة الإسنادة وخلوه من الشذوذ والعلة:

  1. قال البخاري في«التاريخ الكبير»:صبي بن معبد التغلبي،
  • سمع عمر، قاله لي: عمر بن حفص، حدثني أبي، حدثنا الأعمش، حدثني شقيق، حدثني صبي.
  1. وقال الدارقطني في«العلل»(2/ 166): وهو حديث صحيح.

وأحسنها إسناداً حديث منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن الصبي بن معبد، عن عمر.

رابعاً: قلت (أبو عمر): فإن القول قول الدارقطني في هذا الحديث.

خامساً: وقد تابعه على الحكم بالصحة:

  1. قال النووي في«المجموع شرح المهذب»(7/ 128): رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح، قال الدارقطني في كتاب «العلل»: هو حديث صحيح.
  2. وقال الحافظ ابن عبد الهادي في«تنقيحه»لكتاب «التحقيق في أحاديث»الخلاف لابن الجوزي (2/ 418): قال الدارقطني في كتاب «العلل»: وهو حديث صحيح،
  3. وكذا الزيلعي في«نصب الراية» (3/ 109): وقال الدارقطني في كتاب«العلل»:وحديث الصبي بن معبد، هذا حديث صحيح.

سادساً:

  1. قال ابن عبد البر في«التمهيد»(8/ 212): وهو حديث كوفي جيد الإسناد.
  2. وقال ابن كثير بعد ذكر طرقه في«البداية والنهاية»(5/ 146): وهذه أسانيد جيدة على شرط الصحيح.

فنسبة الأثر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحة وفق القواعد الحديثية.

?? وقد ذهب الإمام الألباني في كتبه إلى القول بصحته، فكان موافقاً للدارقطني.

واعتذر عن تأخر الإجابة لانشغالي، والحمد لله رب العالمين.

كتبه. عبد العزيز بن ندى العتيبي

28 من ذي القعدة 1434هـ

4/ 10/ 2013 من التاريخ الإفرنجي

ويتبع…

وبما أن أصل الحديث ثابت صحيح النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن فيه حرفاً شاذاً، وجب التنبيه عليه وبيانه إتماماً للبحث.

# اللفظة الشاذة: [مكتوبين عليَّ]

(إني وجدتُ الحجّ والعمرةَ [مكتوبينِ عليّ]، وفي رواية: مكتوبتين عليَّ].

فأتيتُ رجلاً من قومي، فقال لي: اجمعهُما واذبحْ ما استيسرَ من الهديِ، وإنّي أهللتُ بهما جميعاً. فقال عمرُ: هُدِيتَ لسنةِ نبيكَ صلى الله عليه وسلم).

قراءة ودراسة مختصرة: لقوله: (وجدت الحج والعمرة [[مكتوبين عليَّ]])، وبيان إنها لفظة شاذة.

فقد روى الحديث جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن أبي وائل… بزيادة لفظة (مكتوبتين عليَّ).

وقد خالفه:

  • سفيان الثوري

رواه أحمد في «المسند» (1/ 37) وغيره.

  • وشعبة بن الحجاح

رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (ص12 رقم: 58) وغيره.

  • وزائدة بن قدامة

رواه النسائي في «سننه» (2720).

  • وشريك القاضي

رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 145) وغيره.

إن هؤلاء الرواة قد خالفوا رواية جرير بن عبد الحميد، فرووه عن منصور، عن أبي وائل بلا زيادة.

فقد وهم جرير بن عبد الحميد وخالف جماعة من الرواة، فيهم الحفاظ الثِّقات ومن دونهم، بذكر هذه الزيادة، والحمل عليه.

ومنصور بن المعتمر براء من الوهم والخطأ؛ حيث رُويَ عنه بلا زيادة.

وقد تابع رواية منصور الصحيحة:

1.الأعمش (سليمان بن مهران)

رواه أحمد في «المسند» (1/ 37)، وابن ماجه في «سننه» (2970) وغيرهما.

  1. 2. وسيار أبو الحكم الواسطي، عن أبي وائل

رواه أحمد في «المسند» (1/ 34)، وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (ص 285).

  1. 3. والحكم بن عتيبة، عن أبي وائل

رواه أحمد في «المسند» (1/ 14) و (1/ 53) ورواه غيره.

  1. 4. ومجاهد بن جبر، عن أبي وائل

رواه النسائي في «سننه» (2721).

  1. 5. وعاصم بن أبي النجود عن أبي وائل

رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (3/ 289) قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم به، وتابعه حماد بن سلمة، عن عاصم فيما رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 145) قال: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة به.

  1. 6. وعبدة بن أبي لبابة، عن أبي وائل
  • من طريق سفيان بن عيينة، عن عبدة بن أبي لبابة

رواه أحمد في «المسند» (1/ 25)، وابن ماجه في «سننه» (2970)، وغيرهما.

  • ومن طريق الأوزاعي، عن عبدة ابن أبي لبابة

رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 145) قال: حدثنا يونس، قال أخبرنا بشر بن بكر، عن الأوزاعي، قال:حدثني عبدة بن أبي لبابة به.

  1. 7. سلمة بن كهيل، عن أبي وائل

رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 145).

# ملاحظة: متابعة لمنصور والأعمش؛ لا تصح.

  1. 8. حبيب بن حسان، عن أبي وائل عن الصبي بن معبد.

روى الطبراني في «الأوسط» (8/ 170رقم: 8301) قال: حدثنا موسى بن زكريا، حدثنا بشر بن خالد العسكري، حدثنا سعيد بن مسلمة الأموي، عن حبيب بن حسان، عن أبي وائل، عن الصبي بن معبد… نحوه.

قلت (عبد العزيز):

في إسناده: سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك الأموي.

قال الذهبي في «الكاشف»: واهٍ.

وقال ابن حجر في «التقريب»: ضعيف.

فالمتابعة: لا تثبت.

  1. 9. حماد بن أبي سليمان عن أبي وائل عن الصبي بن معبد

رواه الطبراني في «الأوسط» (8/ 157 رقم: 8260) من طريق هارون بن عمران، حدثنا سليمان بن أبي داود، عن الحكم، وحماد، عن شفيق بن سلمة، بالإسناد نحوه.

وفي سنده: سليمان بن أبي داود الحراني.

قال أحمد: ليس بشيء.

قال البخاري: منكر الحديث.

قال ابن حبان : لايحتج به.

فالإسناد ضعيف، ومتابعة حماد بن أبي سليمان لا تصح.

وقد توبع أبو ائل شقيق بن سلمة

تابعه:

  1. مسروق الأجدع وهي المتابعة الأصح.
  2. إبراهيم النخعي، عن الصبي بن معبد.

رواه أبو يوسف في كتابه «الآثار» (ص 89)، وفيها نظر.

  1. أبو إسحاق السبيعي، عن الصبي بن معبد.

رواه بحشل في «تاريخ واسط» (ص 177 ).

  1. عامر الشعبي، عن الصبي بن معبد.

رواه الطبراني في «الأوسط» (9/ 158 رقم: 9413) من طريق عمر بن أيوب الموصلي، عن عيسى بن المسيب البجلي عن عامر الشعبي، عن الصبي بن معبد التغلبي به.

قلت (أبوعمر): ضعيف.

قال ابن حبان في «المجروحين»: كان ممن يقلب الأخبار، ولا يعلم ويخطئ في الآثار، ولا يفهم؛ حتى خرج عن حد الاحتجاج به.

قال الذهبي في «الميزان»: قال يحيى والنسائي والدارقطني ضعيف، وقال أبو حاتم وأبوزرعة: ليس بالقوي.

وأقول: الإسناد إلى عامر الشعبي لا يصح، فلا يُحكم للمتابعة بالصحة.

  1. عمرو بن مرة، عن الصبي بن معبد.

رواه الطبراني في «الأوسط» (8/ 157 رقم: 8260) من طريق هارون بن عمران، حدثنا سليمان بن أبي داود، عن الحكم، وحماد، عن شقيق بن سلمة، وعمرو بن مرة، عن الصبي بن معبد به.

قلت: في سنده: سليمان بن أبي داود الحراني، ضعيف منكر الحديث، وتقدم الكلام عليه.

فالإسناد ضعيف، والمتابعة لا تثبت.

  1. زرّ بن حبيش، عن الصبي بن معبد .

رواه الطبراني في «الأوسط» (4/ 126 رقم: 3781) من طريق قدامة بن شهاب، عن برد بن سِنان، عن عبدة بن أبي لبابة، عن زرّ بن حبيش، عن الصبي بن معبد، أنه أهل بحج وعمرة، فذكر ذلك لعمر، فقال: هُديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

قلت: في سنده:

  • قدامة بن شهاب.

قال الذهبي في «الكاشف»: وُثّق.

وقال أبوحاتم في «العلل» (1172): وقدامة ليس بالقوي.

وقال ابن حبان في «الثقات»: ربما خالف.

  • وبرد بن سنان الدمشقي نزيل البصرة.

قال الذهبي في «الميزان»: وثقه ابن معين والنسائي، وضعفه ابن المديني.

# قال أبوعمر: قال النسائي في «سننه» (2993): وكأن علي بن المديني خُلق للحديث.

ولذا فقد خالفه:

سفيان بن عيينة، والأوزاعي

  • رواية سفيان بن عيينة، عن عبدة بن أبي لبابة، عن أبي وائل.

رواه ابن ماجه في «سنته» (2970) من طريق سفيان بن عيينة، عن عبدة بن أبي لبابة، قال: سمعت: أبا وائل شقيق بن سلمة، يقول : سمعت: الصبي بن معبد به.

  • ورواية الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبابة، عن أبي وائل.

روى الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 145) قال: حدثنا يونس، قال أخبرنا بشر بن بكر، عن الأوزاعي، قال:حدثني عبدة بن أبي لبابة قال: حدثني شقيق بن سلمة، قال: حدثني رجل من تغلب، يقال له: ابن معبد قال: أهللت بالحج والعمرة جميعاً، فلما قدمت على عمر بن الخطاب ..الحديث.

= وهذا إسناد فيه من تُنكر روايته ويخالف الثقات.

وقد رواه على الصواب وجوّده سفيان بن عيينة والأوزاعي

فلا تصح متابعة رزّ بن حبيش.

  • وقد تابع عبدة بن أبي لبابة، عن أبي وائل شقيق بن سلمة.

منصور بن المعتمر، والأعمش، وسيار أبو الحكم، والحكم بن عتيبة، وعاصم بن بهدلة، وسلمة بن كهيل، ومجاهد بن جبر.

  • فلايصح ذكر زر بن حبيش في هذا الإسناد!!

وفي النهاية نعود لما ذهب إليه الدارقطني في «العلل» قوله: وأحسنها إسناداً حديث منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن الصبي بن معبد، عن عمر.

وذكر ابن عبد البر في «التمهيد» (8/ 212) تحقيقاً قريباً منه، والحمد لله على توفيقه وكرمه.

كتبه. عبد العزيز بن ندى العتيبي


شارك المحتوى: