الشهر: September 2020
شهر صفر بين الجاهلية والإسلام
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة التوحيد وأكَّدها بنعمة التوكُّل وإبطال التنديد، والصلاة والسلام على رسول الله سيد المتوكلين وإمام الغر المحجلين -صلى الله عليه وسلم-. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ . أما بعد: فإن من مقاصد الإسلام مُخالفة كل نقصٍ، والدعوة إلى كل كمال بشري، ومن ذلك مُخالفة الشريعة لأهل الجاهلية، وهي الأفعال التي سببها الجهل لا العلم والعقل، قال تعالى: ﴿ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ . قال أبو ذر-رضي الله عنه- ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية». رواه البخاري ومسلم. ومما هو شائع عند أهل الجاهلية ضعف التوكل على الله، لذا توهَّموا أسبابًا ضارة فتشاءموا وتطيَّروا بها وتركوا مصالحهم لأجلها، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ . قال ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين): التوكل نصف الدين. اهـ. فجاءت الشريعة بذم التطيُّر، قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا عدوى ولا طيرة، ويُعجبني الفأل». رواه …
ضرورة معرفة أصول المقالات
محمد بن علي الجوني
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبين ورضي الله عن صحابته أجمعين. أما بعد مما ينبغي تقديمهُ والتّوطئة له، لفهم الفلسفات والأفكار، والشخصيات والرموز التي لها شأن وتأثير في العقيدة والتاريخ، أن نعرف مصادرها وجذروها، قبل الانشغال بتتبّع جزئيّاتها، أو الاستغراق في النظر في تفاصيلها، وما يترتّب عليها من لوازم ومآلات. فإنّ هذا من أعظم ما يُعيننا بالضرورة على فهمها، ويُمكّننا من الحكم العادل عليها، وبغير هذه الخُطّة الحكيمة، والطريقة القويمة، سوف يَتيهُ الباحث الجادّ في معرفة السبب الموجب لهذه المقالات، والنصّ المؤسس لهذه الشطحات والأفكار. والمقصود أن تنظر للصورة الكليّة، والمنظومة الفكريّة من لحظة انبثاقها ثم تسلسلها وتطورها في عقول ومصنفات دعاتها والمُنظّرين لها. وذلك بأن تُردّ هذه الجزئيات والتفاصيل والمقالات المتناثرة إلى أصولها، وأن تُعاد الفروع والأغصان المبعثرة إلى شجرتها، حتى تُفهم على حقيقتها، وتُقرأ على الوجه الذي قرره أصحابها. أقولُ هذا، لأنّنا رأينا بعض المعاصرين يصفون أولئك الفلاسفة والنُظّار الذين تخبّطوا في فهم خطاب الشريعة، وسلكوا طرائق مُحدثة في فهمها وتفسيرها أو الاعتراض عليها، بأنّهم من المفكّرين الأحرار، والعقلانيين المستنيرين الذين خرجوا عن عباءة التقليد، وتمردوا على الأفكار والقيم والأنماط السائدة، وخالفوا المنظومة الفكرية والاجتماعية التي كانت مهيمنةً في عصرهم. وهذا لا يُسلّم لهؤلاء المزيّفين للحقائق، بل النّاظر في مقالات ومذاهب أولئك الفلاسفة، والدارس لأصولها، ومصادر انبثاقها، يجدُها …
وجوب العدل بين الأولاد وكيفيته
بدر بن خضير الشمري
وجوب العدل بين الأولاد وكيفيته الخطبة الأولى الحمد لله الذي أوجب العدل في كل الأحوال، وحرم الظلم في الدماء والأعراض والحقوق والأموال، وأشهد أن لا إله إلا الله كامل الأوصاف وواسع النوال، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي فاق جميع العالمين في العدل والفضل والإفضال، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل. أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنّ مدار التقوى على القيام بالعدل في حقوق الله وحقوق العباد. فإنّ التوحيد غاية العدل، والشرك أعظم الظلم وأشنع الفساد، كما قال تعالى: (إنّ الشرك لظلم عظيم). وقد أمر الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – بالعدل بين الناس في جميع الحقوق، ونهى عن الظلم والجور والفسوق. ومن ذلكم معاشر المؤمنين: العدل بين الأولاد الذي أخلّ فيه كثير من الناس إما جهلًا أو عمدًا، وكلا الأمرين جدّ خطير. روى البخاري ومسلم عن النعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفعلت هذا بولدك كلهم؟ “قال: لا، قال: “اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فرجع أبي فرد تلك الصدقة”. وفي رواية: “أشهد على …
نعمة التوحيد ووحدة الصف واجتماع الكلمة خلف القيادة
بدر بن خضير الشمري
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان، الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ومن كل ما سألناه ربنا أعطانا، فله الحمد سبحانه حتى يرضى، وله الحمد إذا رضي، وله الحمد بعد الرضا، وله الحمد على كل حال. وصلى الله وسلم على نبينا محمد سيدِ الشاكرين وإمامِ الحامدين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد؛ فقد قال تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور)، و قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم)، وقال: (وأما بنعمة ربك فحدث). معاشر المؤمنين: لقد منّ الله علينا بنعم كثيرة تعد ولا تحصى، ولا يمكن أن تستقصى، قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها). ويأتي في مقدمة هذه النعم: نعمة الإسلام والتوحيد. قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا). قال السعدي – رحمه الله – عند تفسيره لهذه الآية: “{اليوم أكملت لكم دينكم} بتمام النصر، وتكميل الشرائعِ الظاهرةِ والباطنةِ، الأصولِ والفروع، ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية في أحكام الدين أصولِه وفروعه. فكل متكلف يزعم أنه لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم إلى علوم غير علم الكتاب والسنة، من علم الكلام وغيره، فهو جاهل، مبطل في دعواه، قد زعم أن الدين لا يكمل إلا بما قاله …
التحذير من الضلال لا يكون بالانغماس في الضلال يا مختار !!
د. عارف بن عوض الركابي
يتعاون مع الثوريين الحركيين المعروفين بانتماءاتهم الحزبية وتأييدهم للثورات التدميرية .. ويزين بمقاله وأفعاله انحرافاتهم ويعقد معهم مؤتمرات صحافية .. ويجلس مع رؤوس التصوف ورموزه الذين يرعون القباب والأضرحة والشرك الأكبر بدعوى تحالف أهل القبلة !! وهو نفسه من سجله ينضح في القديم والحديث بالسب والشتم والانتقاص للعلماء الراسخين .. وضلالاته قد جمعت سابقاً في مجازفات بالعشرات أفتى لما وقف عليها جمع من أهل العلم الثقات بضلاله وحكموا على صاحبها بالجهل مع التعالم والتطاول وسوء الأدب وحذروا منه ومن فعاله .. ومع ذلك فإن البعض يريد أن يجعله داعية للمنهج السلفي في هذا البلد المكلوم ..ويغرر بذلك هؤلاء _ بغير حياء _يغررون بمن لا يعرفه ولم يقف على قبيح أقواله وشنيع سبابه لأهل العلم ؛ فإنه لم يسلم من إفكه وافتراءاته شيخ الإسلام ابن تيمية ولا تلميذه العلامة ابن القيم ولا الإمام محمد بن عبد الوهاب ولا العلامة الشيخ ابن باز ولا العلامة الشيخ الفوزان ولا غيرهم من أهل العلم والدعاة إلى الله تعالى .. يغرر بالثناء على هذا المأفون صنفان بعضهم لا يدري والبعض الآخر يدري وكلاهما يغرر بمدحه بدعوى محاربة العلمانية والليبرالية زعموا !! وإن الباطل لا يحارب إلا بالحق .. والضلالة لا ترد بالضلالة والتحذير من باطل العلمانية والليبرالية لا يكون بتزيين أهل الباطل في الجانب الآخر .. وليحذر …
المجموعة (971)
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: كيف يتغلب المسلم المستقيم على الملل الذي قد يُصيبه من قلة المعين على الحق، وكثرة تفرده بالكتب؟ الجواب: إن الملل والفتور وضعف الهمة داء يعرض للمتعبد لله وطالب العلم والساعي في الخيرات والمسابق لها، فالإنسان ضعيف كما قال تعالى: ﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً ﴾ ثم الناس يتفاوتون في هذا، وقد قسم الله هذا كما قسم الأرزاق سبحانه وتعالى، لكن ليس معنى أن الله قسمه ألا يسعى المسلم لفعل الأسباب الشرعية والكونية لرفع الهمة وتقويتها ودفع الكسل والفتور. وهناك أسباب كثيرة مُعينة لذلك منها: الأمر الأول: الإخلاص، فإن الإخلاص في طلب العلم والتعبد سبب عظيم للتوفيق، فإن كل خير بسبب الإخلاص، فالإخلاص عبادة عظيمة يحبها الله سبحانه وتعالى، فمن تقرب إلى الله مُخلصًا زاده الله كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ﴾ . ومن أعظم فوائد الإخلاص: أن تستشعر أنك لا تبتغي بذلك إلا الله وحده، فتتذكر عظمة الله سبحانه وجلاله، وأنك تطلب شيئًا لمرضاته سبحانه، فهذا مُعين للغاية، أسأل الله أن يُعيننا على الإخلاص وأن يُعاملنا برحمته وهو أرحم الراحمين. السبب الثاني: الدعاء، فإن الدعاء مفتاح عظيم لكل خير وبه تُستجلب الخيرات وتُدفع الأمور الضارات، وبه يحصل الخير في الدنيا والآخرة، فالدعاء الدعاء يا إخواني، كلما نزل بك أمر أو احتجت إلى شيء فافزع …
المجموعة (970)
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: عندنا أخٌ والدته لا تصوم في رمضان، ويُطعم عنها كل يوم، لكن لم يُخرج طعام سبعة أيام، فماذا يفعل؟ الجواب: إن هذه المرأة المسؤول عنها لها أحوال، وبمعرفة أحوالها يُعرف حكم الإطعام عنها. الحال الأولى: أنها أفطرت بلا عذر، بل أفطرت بأن أكلت أو شربت في رمضان بدون عذر فهذه آثمة وواقعة في كبيرة من كبائر الذنوب -والعياذ بالله- ومثل هذه يجب أن تتوب إلى الله وأن تقضي الأيام، وإذا دخل عليها رمضان الآخر وهي لم تقضِ فإنها تقضي مع إطعامها مع كل يوم مسكينًا كما ثبت عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنهم أبو هريرة فيما ثبت عند الدارقطني. الحال الثانية: أنها أفطرت لمرض يُرجى برؤه، أي يُرجى شفاؤه، فمثل هذه متى ما ارتفع المرض وشُفيت بإذن الله فإنها تقضي ولا يُطعم عنها لأنها معذورة، كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ . الحال الثالثة: أفطرت لمرض لا يُرجى برؤه، فمثل هذه يُطعم عن كل يوم مسكينًا، كما ثبت عن أنس عند ابن أبي شيبة وثبت عن ابن عباس أنه رُخِّص للشيخ الكبير والمريض أن يُفطر وأن يُطعم عن كل يوم مسكينًا …إلخ، فمثل هذا يُطعم عن كل يوم مسكينًا لكن هي التي تُخرج الطعام أو تُوكل …
المجموعة (969)
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: هل يجب أن أصلي وأسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- لما يُذكر في المحاضرات والدروس في التسجيل؟ الجواب: القول المعروف عند العلماء الأوائل أن الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند سماع ذكر اسمه ليس واجبًا وإنما قال بالوجوب بعض المتأخرين، أما كلام الأولين من أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم فإنهم على خلاف ذلك، وإنما ذهب إلى الوجوب بعض المتأخرين كالطحاوي من الحنفية، والكرخي من المالكية، والحليمي من الشافعية، وابن بطة من الحنابلة، وآخرين، وهو ظاهر قول ابن القيم -رحمه الله تعالى-. والأحاديث التي جاءت في ذلك لا تصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصحيح، فلذا القول بوجوب الصلاة فيه نظر وهو خلاف قول الأولين، وما جاء من الأحاديث في ذلك فالظاهر ضعفها وعدم صحتها -والله أعلم- وإنما القول المعروف عن العلماء هو وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في العمر مرة واحدة، لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ . ومن العلماء من ذهب إلى وجوب الصلاة عليه في التشهد، ومنهم من قال بالركنية، إلا أن في هذا نظرًا وليس هذا موضع بيانه، لكن المقصود أن القول بوجوب الصلاة عليه عند ذكره قولٌ على خلاف ما عليه العلماء الأولون، …