مسائل وفوائد في صيام الست من شوال


مسائل وفوائد في صيام الست من شوال
كتبه/ د. خالد بن قاسم الردادي
 
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده…وبعد:
 
 
أولاً- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ » .
أخرجه مسلم (2/822)رقم(1164)، وأبو داود رقم(2433) والترمذي رقم(759)، وابن ماجة رقم(1716) ، وأحمد رقم(23533)و(23561) وغيرهم من طرق كثيرة ، عن سَعْدِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ ، عن عمر بن ثابت ، عن أبي أيوب به، مرفوعاً .
قال الترمذي : “حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ” .
وقال:” وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ ” .
و لم يتفرَّد به، بل تابعه:
صفوان بن سليم – وهو ثقة – عند أبي داود رقم(2433)، والدارمي (2/21)، وابن خزيمة رقم(2114)، وابن حبان رقم(3634).
ويحيى بن سعيد عند النسائي في “الكبرى” (3/240)رقم(2879).
قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ(ت771هـ):”وقد اعتنى شيخنا أبو محمد الدمياطي بجمع طرقه فأسنده عن بضعة وعشرين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد، وأكثرهم حفاظ ثقات منهم السفيانان، وتابع سعداً على روايته أخوه يحيى وعبد ربه وصفوان بن سليم وغيرهم، ورواه أيضاً عن النبي – صلى الله عليه وسلم -:
ثوبان، وأبو هريرة، وجابر، وابن عباس، والبراء بن عازب، وعائشة” [“سبل السلام”(1/582)].
وقال الصدر المناوي (ت803هـ):” وطعن فيه من لا علم عنده، وغرَّه قول الترمذي حسن، والكلام في راويه وهو سعد بن سعيد، واعتنى العراقي بجمع طرقه فأسنده عن بضعة وعشرين رجلا رووه عن سعد بن سعيد أكثرهم حفاظ أثبات” [“فيض القدير”(6/161)].
والحديث صححه أئمة الحديث وجهابذته، وفي مقدمتهم: الإمام مسلم وكفاك به جلالة، وقبله الإمام ابن المبارك، وأبو داود والترمذي والنسائي في “الكبرى” مع شدة تحريه وتوقيه وتثبته في نقد الرجال وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والبغوي في “شرح السنة” (6/331) والمنذري والنووي والعلائي والعراقي والهيثمي وابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية فقد ذكره في “الفتاوى” (22/ 303) شارحاً له وموجهاً، وكذا تلميذه الإمام ابن القيم فقد توسع في بيان طرقه وشواهده والرد على من أعلَّه في “تهذيب السنن”(3/1204 – 1224)، والألباني في “الإرواء” (4/106)رقم(950) ـ رحمهم الله ـ .
 
ثانياً- قال العلامة الشوكاني ـ رحمه الله ـ في “نيل الأوطار” (4/305):” وقد استدل بأحاديث الباب على استحباب صوم ستة أيام من شوال ، وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد ، وداود ، وغيرهم، وبه قالت العترة، وقال أبو حنيفة ومالك: يكره صومها، واستدلا على ذلك بأنه ربما ظنّ وجوبها، وهو باطل لا يليق بعاقل ، فضلاً عن عالم نصب مثله في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة، وأيضاً يلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغب فيها ولا قائل به.
واستدل مالك على الكراهة بما قال في الموطأ من أنه ما رأى أحداً من أهل العلم يصومها، ولا يخفى أن الناس إذا تركوا العمل بسنة لم يكن تركهم دليلاً ترد به السنة “. أهـ.
وقال في “تحفة الأحوذي” (3/403): ” قول من قال بكراهة صوم هذه الستة باطل مخالف لأحاديث الباب، ولذلك قال عامة المشايخ الحنفية : بأنه لا بأس به. قال ابن الهمام : صوم ست من شوال عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهته، وعامة المشايخ لم يروا به بأساً ” انتهى.
 
ثالثاً- ما ثبت في فضل صيام الست من شوال تجعل المسلم حريصاً على نيل هذا الأجر والثواب الوارد في صيامها.
قال الإمام النووي -رحمه الله- في “شرح مسلم”(8/ 56):” وَقَوْلُهُمْ قَدْ يُظَنُّ وُجُوبُهَا يُنْتَقَضُ بِصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ ” انتهى .
وقال أيضاً:” وَإِذَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ لَهَا “.
وصدق ـ رحمه الله ـ ، فإن الحجة في الأحاديث إذا صحت، لا بترك الناس لها، أو الرغبة عنها.
 
رابعاً- قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في “تهذيب السنن”(3/1230) : ” … اِخْتِصَاص شَوَّال فَفِيهِ طَرِيقَانِ:
أَحَدهمَا: أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الرِّفْق بِالْمُكَلَّفِ، لِأَنَّهُ حَدِيث عَهْد بِالصَّوْمِ، فَيَكُون أَسْهَلَ عَلَيْهِ فَفِي ذِكْر شَوَّال تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ صَوْمهَا فِي غَيْره أَفْضَل، هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَرَافِيّ مِنْ الْمَالِكِيَّة، وَهُوَ غَرِيب عَجِيب.
الطَّرِيق الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُود بِهِ الْمُبَادَرَة بِالْعَمَلِ، وَانْتِهَاز الْفُرْصَة، خَشْيَة الْفَوَات، قَالَ تَعَالَى :{ فَاسْتَبِقُواالْخَيْرَات }، وَقَالَ: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ } وَهَذَا تَعْلِيلُ طَائِفَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَغَيْرهمْ، قَالُوا: وَلَا يَلْزَم أَنْ يُعْطِيَ هَذَا الْفَضْل لِمَنْ صَامَهَا فِي غَيْره، لِفَوَاتِ مَصْلَحَةالْمُبَادَرَة وَالْمُسَارَعَة الْمَحْبُوبَة لِلَّهِ.
قَالُوا: وَظَاهِرالْحَدِيث مَعَ هَذَا الْقَوْل، وَمَنْ سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ فَقَوْلُهُ أَوْلَى، وَلَا رَيْب أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِلْغَاء خُصُوصِيَّة شَوَّال، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَة.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَمَّا كَانَ صَوْم رَمَضَان لَابُدّ أَنْ يَقَع فِيهِ نَوْع تَقْصِير وَتَفْرِيط، وَهَضْم مِنْ حَقِّهِ وَوَاجِبِهِ نَدَبَ إِلَى صَوْم سِتَّة أَيَّام مِنْ شَوَّال، جَابِرَةٍ لَهُ، وَمُسَدِّدَة لِخَلَلِ مَا عَسَاهُ أَنْ يَقَع فِيهِ، فَجَرَتْ هَذِهِ الْأَيَّام مَجْرَى سُنَن الصَّلَوَات الَّتِي يُتَنَفَّل بِهَا بَعْدهَا جَابِرَة وَمُكَمِّلَة، وَعَلَى هَذَا: تَظْهَر فَائِدَة اِخْتِصَاصهَا بِشَوَّال، وَاَللَّه أَعْلَم “.
 
خامساً- ” ينبغي أن يتنبه الإنسان إلى أن هذه الفضيلة لا تتحقق إلا إذا انتهى رمضان كله، ولهذا إذا كان على الإنسان قضاء من رمضان صامه أولاً ثم صام ستاً من شوال، وإن صام الأيام الستة من شوال ولم يقض ما عليه من رمضان فلا يحصل هذا الثواب سواء قلنا بصحة صوم التطوع قبل القضاء أم لم نقل، وذلك لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:”من صام رمضان ثم أتبعه…” والذي عليه قضاء من رمضان يقال صام بعض رمضان ولا يقال صام رمضان، ويجوز أن تكون متفرقة أو متتابعة، لكن التتابع أفضل؛ لما فيه من المبادرة إلى الخير وعدم الوقوع في التسويف الذي قد يؤدي إلى عدم الصيام “.
[فتاوى ابن عثيمين –رحمه الله- “كتاب الدعوة” (1/52-53)].
 
سادساً- اختلف العلماء الذين قالوا باستحباب صيام الست من شوال في: متى يشرع صيامها؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يستحب صيامها من أول الشهر متتابعة، وهو قول الشافعي وابن المبارك، وقد روي في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: “من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة” [أخرجه الطبراني في”الأوسط” رقم(7607)، وغيره من طرق ضعيفة، ينظر: “السلسلة الضعيفة” رقم(5189)].
والثاني: إنه لا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها من الشهر كله وهما سواء، وهو قول وكيع وأحمد.
والثالث: أنها لا تصام عقب يوم الفطر؛ فإنها أيام أكل وشرب ولكن يصام ثلاثة أيام قبل أيام البيض وأيام البيض أو بعدها، وهذا قول معمر وعبد الرزاق، وروي عن عطاء حتى روي عنه أنه كره لمن عليه صيام من قضاء رمضان أن يصومه ثم يصله بصيام تطوع وأمر بالفطر بينهما، وهو قول شاذ.
وأكثر العلماء -وهو الصحيح- على: أنه لا يكره صيام ثاني يوم الفطر، وقد دل عليه حديث عمران بن حصين – رضي الله عنهما -: قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «أما صمت من سَرَرِ هذا الشهر؟ يعني: آخرَ شعبان» قال: لا، قال: «إِذا أفطرت فصم يومين» . وفي رواية قال: «أصمت سَرَرَ هذا الشهر؟ قال: أظنه يعني رمضانَ» . وفي أخرى: «من سَرَرِ شعبانَ» ، قال البخاري: «وشعبانُ» أصح. [و (سِرُّ الشهر) : آخره، وكذلك سَرَره وسِرَاره].
[ أخرجه البخاري (4 / 200 و 201) رقم(1983) في الصوم، باب: الصوم من آخر الشهر، ومسلم رقم (1161) في الصيام، باب: صوم سرر شعبان].
[ ينظر: “لطائف المعارف” لابن رجب(ص/390-391)].
ولا ريب أن ” هذه الأيام (الست)ليست معينة من الشهر بل يختارها المؤمن من جميع الشهر، فإذا شاء صامها في أوله ، أو في أثنائه، أو في آخره ، وإن شاء فرقها ، وإن شاء تابعها ، فالأمر واسع بحمد الله ، وإن بادر إليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل ؛ لأن ذلك من باب المسارعة إلى الخير ، ولا تكون بذلك فرضاً عليه ، بل يجوز له تركها في أي سنة ، لكن الاستمرار على صومها هو الأفضل والأكمل ؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل “[ “مجموع فتاوى ومقالات متنوعة” للإمام ابن باز -رحمه الله- (15/390)].
 
سابعاً- لابد من تعيين نية صيام الست من الليل على الصحيح؛ لأنه نفل مقيد ؛ ولأن الصحيح من قولي العلماء أن مَنْ صام من أثناء النهار لا يثاب إلا من وقت النية فقط أي: من حين نوى أن يصوم ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى”.
فصوم الست من شوال من صوم النفل المعين ، لا النفل المطلق .. وإذا تقرر هذا علم أنه لا يترتب الثواب المعين على النفل المقيَّد ( المعين ) إلا إذا بَيَّتَ النية من الليل أي قبل طلوع الفجر، فإن لم يبيت النية فصومه صحيح من حيث هو صوم ؛ ويكون نفلا مطلقا ، لكن لا يحسب من صوم الست .. و ما ورد في السنة من إنشاء النية في النهار محمول على النفل المطلق جمعا بين النصوص.
وبناءً عليه فإن من نوى الصوم من أثناء النهار لم يصدق عليه أنه صام يومًا كاملاً، والله أعلم.
قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-:” لو أن أحداً قام من بعد طلوع الفجر ولم يأكل شيئاً، وفي نصف النهار نوى الصوم على أنه من أيام الست، ثم صام بعد هذا اليوم خمسة أيام فيكون قد صام خمسة أيام ونصفاً، وإن كان نوى بعد مضي ربع النهار فيكون قد صام خمسة أيام وثلاثة أرباع؛ لأن الأعمال بالنيات، والحديث «من صام رمضان ثم أتبعه ستة أيام من شوال»، وحينئذ نقول لهذا الأخ: لم تحصل على ثواب أجر صيام الأيام الستة، لأنك لم تصم ستة أيام، وهذا يقال في يوم عرفة، أما لو كان الصوم نفلاً مطلقاً، فإنه يصح ويثاب من وقت نيته فقط ” اهـ. [“مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين”(19/185)].
فالواجب على من أراد صوم الست أن يبيت النية من الليل، والله الموفق.
 
ثامناً- الظاهر من قولي أهل العلم أنه إذا انتهى شهر شوال ولم يصمها أنها لا تقضى؛ لأنها سنة فات محلها، والشارع خصّها بشوال، فلا يحصل فضلها لمن صامها في غيره، لفوات مصلحة المبادرة بها والمسارعة المحبوبة لله تعالى.
فإن كان ذلك لعذر، من مرض أو حيض أو نفاس، فمن أهل العلم من قال: يجوز قضاؤها بعد صيام ما عليه، واختار ذلك العلامة عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-، ومنهم من قال: إنه لا يشرع قضاؤها بعد شوال لما تقدم، سواء تركت لعذر أو لغير عذر، وهذا اختيار الإمام ابن باز -رحمه الله-، والله تعالى أعلم.
[ ينظر:”الفتاوى السعدية”(ص230)، و”فتاوى ورسائل ابن باز”(15-388)].
 
تاسعاً- أكثر العلماء على عدم جواز صيام الأيام الستة فى غير شوال -وهو الصواب- لقوله -صلى الله عليه وسلم- :” وأتبعه ستاً من شوال “، وحملوا ماورد فى الرواية الأخرى عند الدارمي رقم(1755) وابن خزيمة رقم(2115)، وصححه الألباني في “صحيح الترغيب”رقم(1007)بلفظ: ” وَسِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَه ” على أن المراد بها من شوال على أن اللفظ الأول مقيد والثاني مطلق، فيحمل المطلق على المقيد.
وقد يقال إن ذكر شوال جاء لقربه من رمضان واعتياد الناس الصيام، فكان من باب المسارعة في الخيرات ، إن قلنا بذلك فيكون القيد غير معتبر لخروجه مخرج الغالب من حال الناس !!
لكن من حيث الأدلة فحديث ثوبان -رضي الله عنه- العام عند ابن ماجه رقم(1715):” مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ، كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا “. وفي رواية عند أحمد رقم(22412) والنسائي في “الكبرى” رقم(2874): ” جَعَلَ اللهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرٍ، فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ تَمَامُ السَّنَةِ” وهو في “صحيح الترغيب”(1/421). وأخرجه ابن خزيمة رقم(2115)، والطحاوي في”مشكل الآثار”(6/125) رقم(2348)بلفظ : ” صِيَامُ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ السِّتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ” قال الإمام أحمد: “ليس في حديث الرازي أصح منه”، وصححه أبو حاتم الرازي -كما في”لطائف المعارف”(ص220)-.
فيقال إن الفطر قصد به العيد، فجاء الحديث موافقا للقيد، و يحمل المطلق على المقيد فيكون في شوال.
فإن قيل العلة منطوقة !
فيمكن الرد على ذلك بأن الصيام عبادة و العبادة لا تتوقف على علة، فقد يذكر بعض من التعليل في صيام الست و يترك البعض فقد يكون هناك أجر زائد في صيام الست من شوال مترتب على الاستعجال و اتباع السنة و المسألة محتملة ، مثال ذلك تعليل زكاة الفطر بكونها طهرة للصائم إلا أنها تدفع عن الصبي وهو لا يصوم فحكم الزكاة لا يدور مع العلة.
فلم يبق من أدلة القائلين بجواز صيام الست في غير شوال إلا العلة، و الأمر تعبدي ، فهل يجوز قياس الست من غير شوال على الست في شوال للإشتراك في العلة ؟
مذهب الجمهور عدم القياس في العبادات، و هذه عبادة محضة لا مجال للعقل فيها.
إذن القول بالصيام في شوال أقوى، خاصة إذا علمنا أن مذهب الجمهور حمل المطلق على المقيد فمن الناحية الأصولية كل الأدلة ترجح الصيام في شوال.
وما أحسن ما قال العلامة الصنعاني -رحمه الله- في”سبل السلام”(1/582)بعد أن ذكر بعض تعليلات حديث صيام الست من شوال:” أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّصِّ بِذَلِكَ لَا حُكْمَ لِهَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ”.
 
عاشراً- ذكر بعضهم – ممن يرى جواز البدء بصيام الست قبل أداء ما عليه من قضاء صيام رمضان، وأن صيامها كذلك لا يختص بشهر شوال -: أن حديث صيام الست من شوال خارج مخرج الغالب، والقاعدة تقول: ( إن النص إذا خرج مخرج الغالب لم يعتبر مفهومُه)!!
ويجاب بأن هذا يحتاج إلى دليل ولا يكفي إدعاؤه فهو صرف للحديث عن ظاهره، كما أنه من شروط خروج القيد مخرج الغالب أن يكون معقول المعنى، فالقيد غير معقول المعنى لا يمكن أن يخرج مخرج الغالب.
والقيد هاهنا زمني، و القيود الزمنية ليست معقولة المعنى، فالقول إنها تخرج مخرج الغالب ضعيف جدا لابد له من تأول بعيد، فإن تعلق الأمر بالعبادة فهذا أبعد.
وعليه فالقول بأن شهر شوال خرج مخرج الغالب ضعيف لا يدل عليه الحديث لوجود حرف من “بست ‘من’ شوال” فجاءت من لحصر الست في زمن معين، و هذا لا يدخل في القيد الذي يخرج مخرج الغالب لأنه مراد من الكلام فهو إيقاع العمل في زمن مقصود باللفظ لا وصف.
مثال ذلك قوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ } فلا يقال إن الظرف المكاني خرج مخرج الغالب لغلبة الظن أن صيام الثلاثة تكون في الحج، بل الظروف الزمانية و المكانية مقصودة في القيود إذا إرتبطت بالعبادات، فالأصل في العبادات التقييد بالزمان و المكان و العدد، و مثل هذه القيود مشتهرة في العبادات كالصلاة و الصيام و الحج بل لا تكاد عبادة تخلو من هذه القيود ، حتى النوافل المطلقة مقيدة بأوقات النهي.[ وينظر:”شرح مختصر الروضة”(2/775)، و”شرح الكوكب المنير”(3/490)].
 
 
والله الموفق والمعين

شارك المحتوى: