شيخ الإسلام ابن تيمية المفترى عليه


شيخ الإسلام ابن تيمية المفترى عليه

دغش بن شبيب العجمي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

سألني صاحبي عن قول المهري عن ابن تيمية وطعنه فيه بأنه شيخ التكفيريين، وأن واضعي المناهج وضعوا منهجه في الكتب وانه منهج تكفيري متحجر !! وأن من لم يعجبه هذا الكلام فليخرج من الكويت ما رأيك فيك؟

فقلت له: هذا كلام لا يعرف الحق وقول من لم يعرف علماء الكويت وتاريخهم.

فقال: ما دليلك على قولك هذا؟

فقلتُ: أبشر فالأمر سهل ويسير.

إن علماء الكويت وأمراءها تربوا على كتب ابن تيمية، وأجلوه وأثنوا عليه وأنزلوه منزلة عالية في قلوبهم…

فقد سعى الشيخ مبارك بن صباح الملقب بأسد الجزيرة (1915م – 1334 هـ) في طبع كتاب «بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية» لابن تيمية. [انظر: «الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي» للشيخ محمد العجمي (171)، و«أمراء وعلماء من الكويت» لكاتب هذه السطور (64)].

وكان بعض المخالفين يحاولون في ابنه الشيخ ناصر بن مبارك الصباح (ت: 1336هـ- 1917م) لعله يتخذ موقفاً مناوئاً لابن تيمية فكان بفطرته السليمة: «يرى أن ابن تيمية في الحقيقة هو: شيخ الإسلام، وإمام الأنام، وحامي حرمة الدين». كما ذكره الشيخ عبد العزيز الرشيد في «تاريخ الكويت» (229-230).

وقال الشيخ العلامة عبد الله بن خلف الدحيان قاضي الكويت في وقت الشيخ أحمد الجابر (ت: 1349هـ) في أول «العقيدة الواسطية» لابن تيمية، التي نسخها بخطه- قال رحمه الله: «هذه العقيدة الواسطية للقدوة الإمام، شيخ الإسلام، فارس المعاني والألفاظ، جمال المحدثين الحفاظ، بحر العلوم النقلية والعقلية، فخر السادة الحنبلية تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جناته، ونفعنا بعلومه في الدارين بمنِّهِ وكرمه». [انظر: «فهرس المخطوطات الأصلية بوزارة الأوقاف» (392- 393)، وقد ذكرنا صورتها في «أمراء وعلماء من الكويت» (232)].

وإذا نظرنا إلى الشيخ العلامة مؤرخ الكويت عبد العزيز الرشيد رحمه الله (ت: 1356هـ) رأينا أنه تأثر به تأثراً بالغاً، وكلام الرشيد في ابن تيمية لا يكاد يُحصى، نذكر منه بعضه مما يُستدل به على باقيه. فمنه قول الرشيد: «وشيخ الإسلام -ابن تيمية- هو مِن أجلِّ عُلماءِ الشَّرع الوَاقِفِينَ عِندَ حُدُودِهِ، والمتَمَسِّكين بنُصُوصِهِ». [«مجلة الكويت» له (2/13)]

وذَكَرَ أنه مِن: «علماء الإسلام المُتَقَدِّمين» [المصدر السابق(1/432)]

وقال عنه: «كان -والحقُّ يُقال- من السُّيُوفِ المَسْلُولَـةِ على الزَّائِغِيـنَ والمُلْحِدينَ، كما يَعْرِفُهُ مَن درسَ كُتبه ومؤلفاته المُمْتِعة والنَّفيسة» [مجلة الكويت (2/174)].

وقال في معرض ردِّه على أحد المبتدعة ممن طعن في شيخ الإسلام: «ثم يُقالَ له أيضاً إنَّكَ بتهَجُّمِكَ على شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته المُحَقِّقين في مِثلِ هذا اليوم الذي تَبَيَّنت فيه حقائقهم الناصِعة للصَّغير والكبير قد جئتَ مُتَأَخِّراً وفي يومٍ لَمْ يعد لإثارَتِكَ العواصف حولهم بالذي يُجديك نفعاً وفائدةً؟ فقد انتشرت مؤلفاتهم النَّفيسة التي عَلِمَ كُلُّ مُنْصِفٍ كان يعتَقِدُ فيهم السوء قبل أن يَطَّلِعَ عليها أنَّهُ على خطأ فيما قاله فيهم واعتقده فتاب إلى الله وسَأَلَهُ العفو والصفحَ. جئتَ «يا أستاذ» ! في وقتٍ غير مُلائِمٍ لنشر أضاليلك والاغترار بأباطيلك وقد أصبحَ شيخُ الإسلام فيه لا يُذْكَرُ إلاَّ بِكُلِّ تجلَّةٍ واحتِرَام، وكادَتْ كَلِمَةُ الكُلِّ تَتَّفِقُ على أنه هو عالِمُ الإسلام الفَذِّ وسيفهُ البتَّار الذي يقطع به عُنق كُلّ مُبتَدِعٍ ضَالٍّ، وهذا قليلٌ في حقِّ رَجُلٍ كانت مؤلفاته الغالية هي النبراس الذي سارَ على ضوئِهِ مُعَلِّمُو هذا العصر في هَدِّ كُلِّ بدعةٍ أُلْصِقَتْ بالدِّين، وحَلِّ كُلِّ إشكالٍ وُجِّهَ إليه وإلى تعاليمه المُقَدَّسة». [«مجلة الكويت» (2/348)]

وقال عن عِلْمِ شيخ الإسلام ابن تيمية وتحريره للمسائل في رُدُودِهِ على أهل البدع: «أوتِـيَ شيخُ الإسلام قُوَّةً في الحُجَّةِ بحيث يستجمع الردّ من جميع نواحيه الذي لا يترك للخصمِ مجالاً للقول ولا وسيلة لإبطال ما يُدْلي به مِن بُرْهَان، فتراهُ يتناول الموضوعَ مِن عِدَّةِ وُجوهٍ منها ما هو مُسَلَّمٌ عندَ الخَصْمِ تسليماً لا مَفَرَّ منهُ، ومنها ما هو دليلٌ عقليٌّ يخدشُ في إدراكِ مَن يرتابُ فيه أو يُكابِرُ في التَّسليم به، ويأتي في خلالِ ذلكَ كُلِّهِ بِشَواهِد ومتابعات من الأحاديث التي يرويها أهل السُّنة أنفسهم، وقلَّمَا يستقل في الاحتجاج بما يروي عنهم دون غيرهم، إلاَّ ما كان قوي الثبوت بحيث يستوي في التصديق بصحتهِ الموافق والمخالف». [المصدر السابق (2/345).

وقال عنه إنه مِن «أعلام الأُمَّةِ المُجَدِّدين».[المصدر السابق (2/345)] وكُلَّمَـا مَـرَّ ذِكْرُ ابن تيمية قال عنه: “شيخ الإسلام”. [انظر مواضع ذلك في «أمراء وعلماء من الكويت»(79)].

وقال عن تفسير ابن تيمية «لا يعدِلهُ تفسيرٌ آخر، والذي يُمَثِّلُ لنا الدينَ الحق، سالِـماً مِن شوائب البدع والخُرافات» [«مجلة الكويت» (2/381)].

وقال الشيخ يوسف القناعي رحمه الله (ت: 1393هـ- 1973م) عن نفسه: «نشأت في الكويت كما نشأ غيري من أبنائها في محيط عمَّهُ الجمود، واستحكمت فيه البدع والخرافات التي سترت الحق وقلبت الحقائق، وكان لمؤلفات الإمامين ابن تيمية وابن القيم أكبر أثر في إنارة السبيل أمامي، وإماطة الستار الذي أبصرت من خلفه الحق واضحا فنفرت بعده من كل ما ألفته مما لا يتفق والدين في شيء» [«مجلة الكويت» (2/331)].

قال الباحث الأديب خالد الزيد: «ولقد تأثر تأثرا كبيرا بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وعلمه الغزير، فكان منتهجاً لطريقته، سالكا مسلكه، فجاءت فتاواه وأحاديثه صريحة واضحة، وجريئة متسامحة». «أدباء الكويت في قرنين» (1/91).

فأنت ترى أن فقه ابن تيمية أنار السبيل أمام القناعي، وهو متسامح عند الزيد، ويأتي اليوم «من يزعم ان ابن تيمية شيخ التكفيريين.

ومن أهل العلم في الكويت الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن السند (ت:1397هـ) فقد كان محبا لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ومطلعا عليها، وكثير الاستفادة منها، حتى إنه كان يصيغ مجالسه وخطبه من كتب ابن تيمية، وفي «مجالس رمضان» في المجلس الأول جعله بعنوان «توحيد الله تعالى» لخصه من «الواسطية» لابن تيمية. وكان يقول عن ابن تيمية»: «شيخ الإسلام». [الأحكام المفيدة من الأقوال السديدة» (150).

ومنهم الشيخ محمد بن عبدالمحسن الدعيج (ت: 1396هـ) فقد كان يعد ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب من بقايا السلف. [انظر: «الأجوبة السعدية عن المسائل الكويتية» (122)].

ومنهم ابن العلم والعلماء: الشيخ عبد الوهاب بن عبدالرحمن بن محمد الفارس رحمه الله (1403هـ) فقد كان مغرما بكتب ابن تيمية، ونسخ شيئا منها.قال الشيخ عبدالله البسام- رحمه الله- في ترجمته: «وكان له رغبة وولع في كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم، فقد قرأ رسائلهما، وما جمع من فتاوى شيخ الإسلام، حتى صار يختار من أقوال العلماء أقربها إلى الدليل». «علماء نجد» (44/5)].

وكان الشيخ الفارس يقول: «مثل ابن تيمية في العلماء كالبدر في نجوم السماء» [«علماء آل فارس في الكويت» للأخ الفاضل فارس عبد الرحمن الفارس (132)].

ومن علماء الكويت المحبين والمناصرين لابن تيمية الشيخ العلامة محمد بن سليمان الجراح- رحمه الله- (ت:1417هـ). فقد كانت له عناية عظيمة بكتب شيخ الإسلام، ويرى أن من أعرض عن كتبه فلا يسلم من غمز في عقيدته، حتى قال إن من لم يقرأ كتبه «مهما بلغ من العلم لا يخلو من بدع وخرافات يعتقدها دينا». [«عالم الكويت وفقيهها ابن جراح» للدكتور وليد المنيس (199)].

وسُئل عن كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم؟ فقال: «على العين والرأس، الذي لا يقرأهما لا يخلو من بدعة إلا ما شاء الله» [«مجلة المشكاة» (1/162)].

وقال: «وأعتقد ان من لم يقرأ في هذا الزمان شيئا من مؤلفات الشيخين مهما بلغ من العلم لا يخلو من بدع وخرافات يعتقدها دينا، والدين بريء منها إلا ما شاء الله». «عالم الكويت وفقيهها الشيخ محمد الجراح» (199)].

وبعد، فهذا غيض من فيض حبهم وثنائهم على ابن تيمية، فهل كانوا متحجرين من جماعة التكفير؟!.

وهل سيطالب «ذياك» بإخراجهم من الكويت لأنهم من أنصاره ومحبيه، أو أن العكس هو الصواب؟

رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً واحفظه من أهل الفتن والشغب ودعاة الفتن…

تاريخ النشر 27/07/2009


شارك المحتوى: