كم فات تارك الصلاة بالمساجد من الأجور


الحمدُ للهِ الذي فضَّلَ أُمَّةَ محمدٍ على غيرِهَا مِن الأُمَمِ، وَجَعَلَ لَهَا مِن الفَضَائِلِ والأُجُورِ مَا لَمْ يَجعَلْهُ لِغيرِها، والصلاةُ والسلامُ الأتمَّانِ الأكمَلَانِ عَلَى رسولِ اللهِ ﷺ الذي بُعِثَ في خيرِ أُمَّةٍ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ رسولُهُ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

أمَّا بعدُ:

فإنَّ مِن رحمةِ اللهِ عَلَى أُمَّةِ محمدٍ ﷺ أنهُ فَرَضَ عليها خمسَ صلواتٍ في كُلِّ يومٍ وليلةٍ بأجرِ خمسينَ صلاةٍ، وهذِه الصلواتُ الخمسُ يصلِّيها الرِّجالُ في المساجدِ، كَمَا قالَ تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ [النور: 36].

وَرَوى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ».

فَدَلَّتْ هذِه الأدِلَّةُ وغيرُها على صلاتِهَا بالمساجِدِ وأنَّ مَن خالَفَ فهو مُتَوعَّدٌ بِمَا جاءَ فيها مِن وعيدٍ، وَمِن فضلِ اللهِ أنهُ جَعَلَ لِصلاتِهَا بالمساجدِ فضلًا عظيمًا، وأنَّ مَن تركها فقد فوَّتَ على نفسِهِ خيرًا كثيرًا، وَمِن هذِه الفضائلِ:

الفضيلةُ الأولى: أنهُ لا يَخطو خُطوَةً إلى المسجدِ إلَّا تُرفَعَ لهُ درجةٌ وتُحطُّ عنهُ خطيئةٌ، أخرَجَ البخاريُّ ومسلمٌ عَن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ …».

الفضيلةُ الثانيةُ: أنهُ إذا صَلَّى مَعَ الإمامِ ضُوعِفَتْ صلاتُهُ على صلاتِهِ وَحْدَهُ بسبعٍ وعشرينَ درجةٍ، أخرَجَ البخاريُّ ومسلمٌ عن ابنِ عمرَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».

الفضيلةُ الثالثةُ: أنَّ الصلاةَ في المساجِدِ مِن أسبابِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَرِفْعَةِ الدَّرَجاتِ، أخرجَ الإمامُ مسلمٌ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».

الفضيلةُ الرابعةُ: أنَّ لهُ نُزُلًا في الجنةِ، كمَا روَى الشيخانُ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» ومكانٌ يهيأُ للنزولِ في الجنةِ

الفضيلةُ الخامسةُ: أنهُ سببٌ لِتَعَلُّقِ القلبِ بالمسجدِ الذي مِن فضلِهِ أنْ يُظِلَّهُ اللهُ في ظِلِّ عرشِهِ يومَ لا ظلَ إلا ظلُهُ، كَمَا أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، ثُمَّ قالَ: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ».

اللهُمَّ اجْعَلْنَا مِن أهلِ المساجِدِ، اللهُمَّ أعِنَّا على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِكَ، اللهُمَّ أصلِحْ قلوبَنَا وأعمالَنَا وبارِك لَنَا فيها يا رَبَّ العالمينَ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:

فَقَارِنُوا بينَ رجلَيْنِ، رَجُلٍ يُواظِبُ على هذِه الصلواتِ الخمسِ في المساجدِ، ورَجُلٍ فرَّطَ وَلَمْ يُصَلِّها كُلَّهَا في المسجدِ، أو صَلَّى بعضَهَا دونَ بعضٍ، يا تُرَى إذا حَقَّتْ الحاقَّةُ، وَقَرَعَتْ القارِعَةُ، ونُصِبَ الصِّراطُ، ووُضِعَ الميزانُ، وتطايَرَتْ الصُّحُفُ، وجِيءَ بِجَهَنَّمَ لَهَا سبعونَ ألفَ زِمَامٍ وَمَعَ كُلِّ زِمَامٍ سبعونَ ألفَ مَلَكٍ يجرُّونَهَا، فَمَا الفَرْقُ العظيمُ في الأجرِ بينَ هذينِ الرجلينِ؟

وَمَا الخسارةُ الكبيرةُ التي ضَيَّعَها مَن غَفَلَ وفرَّطَ وأهمَلَ وأطاعَ نفسَهُ واتَّبَعَ هواهُ وشهواتِهِ، فضيَّعَ هذِه الصلواتِ وَلَمْ يُؤدِّهَا مَعَ المسلمينَ في المساجدِ.

اللهَ اللهَ بالبِدَارِ والمُسابَقَةِ، قالَ تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الحديد: 21].

وقالَ تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].

إنَّهَا أيامٌ معدوداتٌ وأنفاسٌ محسوباتٌ ثُمَّ الفِرَاقُ وهجومُ هادِمِ اللَّذاتِ ومُفرِّقُ الجماعاتِ، وبهجومِ هادِمِ اللذَّاتِ الموتِ تقومُ قيامَةُ الواحدِ مِنَّا، فتعاهَدوا أبناءَكُمْ وأحبابَكُمْ وجيرانَكُمْ وزُمَلَاءَكُمْ بالنَّصيحةِ والتذكيرِ كما قالَ تعالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].

اللهُمَّ اهْدِنا وأصْلِحْنَا، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ عمِّرِ المساجِدَ بطاعتِكَ وتوحيدِكَ وبكثرةِ المُصلِّينَ.

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

كم فات تارك الصلاة بالمساجد من الأجور


Tags: ,

شارك المحتوى:
0