الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علماً وهو على كل شيء شهيد ، قدر ما شاء بحكمته وهو الفعال لما يريد ، وقسم عباده إلى قسمين منيب ، إلى ربه وعاصي مريب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي الحميد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة العبيد ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان في هديهم الرشيد ، وسلم تسليما
أما بعد:فاتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون: وخافوه وأطيعوا أمره ولا تعصوه ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ)
عباد الله :حديثنا اليوم …عن ليلة بكى منها العلماء … وشكا منها الحكماء ..ورثا إليها الشعراء …وشمر إليها الصالحون الأتقياء …إنها أول ليلة في القبر..
عبد الله ..هل رأيت القبور؟ هل سمعت عن ظلمتها؟ هل
سمعت عن وحشتها وشدتها ؟ هل سمعت عن عذابها ؟!
والموت فاذكره وما وراءه *** فمنه ما لأحد براءه
وإنه للفيصل الذي به *** ينكشف الحال فلا يشتبه
والقبر روضة من الجنان *** أو حفرة من حفر النيران
إن يك خيراً فالذي بعده *** أفضل عند ربنا لعبده
وإن يك شراً فما بعد أشد *** ويل لعبد عن سبيل صد
إن القبر له ظلمة شديدة، قال عليه الصلاة والسلام ذلك، عندما ماتت المرأة التي كانت تَقُمّ المسجد في عهده (إن هذه القبور مليئة ظلمة على أهلها، وإن الله -عز وجل- منورها لهم بصلاتي عليهم)متفق عليه.
إن للقبر لضمة، لا ينجو منها أحداً، كبيراً كان أو صغيراً، صالحاً كان أو ظالماً، ولو نجى منها أحد، لنجى منها سعد بن معاذ، كما قال -عليه الصلاة والسلام- .
وفي حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه عند أحمد وابي
داود باسناد حسن ( فيأتيه ملكان شديدا الإنتهار، فينتهرانه ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله -عز وجل- يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا – فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد -صلى الله عليه وسلم- ، فينادى منادٍ من السماء أن صدق عبدي، وقال في العبد الكافر أو الفاجر، ويأتيه ملكان شديدا الإنتهار، فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول هاه هاه لا أدري، فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري، فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يُهدى لاسمه، فيقال محمد، فيقول هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون ذاك، قال فيقولان لا دريت ولا تليت، فينادي منادى أن كذب عبدي)
واما المتقون فيدخلون الجنة في اليوم الذي يموتون فيه
لأن أرواحهم تكون في الجنة فهم يتنقلون من دار التنكيد والتنغيص إلى دار النعيم والسرور وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يبشر عند موته فيقال لروحه أخرجي أيتها الروح الطيبة راضية مرضيا عنك إلى روح وريحان ورب غير غضبان وأنه يفسح له في قبره مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفرج له من الجنة ويلبس منها فيكون ما انتقل إليه من النعيم خيرا من الدنيا وما فيها .
ولعظيم هول عذاب القبر فإننا أمرنا بالبعد عن الطرق الموصلة اليه ومنها:
الشرك بالله والكفر به:
قال الله تعالى عن آل فرعون : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)
فآل فرعون ومنهم فرعون نفسه يعذبون في قبورهم
صباحاً ومساءً ولهذا كان ابوهريرة رضي الله آذا أصبح قال لاإله إلا الله عُرض آل فرعون على النار وإذا أمسى قال مثل ذلك .
ومن أسباب عذاب *القبر عدم الاستبراء من البول ، وكذلك المشي بين الناس بالنميمة.
فقد مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ : إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. متفق عليه. والاستبراء من البول هو عدم التحرز والتطهر منه فلا يبالي بما أصابه من رشاش البول وكذا لا يتطهر منه بعد فراغه .
وكذلك النميمة وهي نقل كلام الناس في بعضهم على جهة الإفساد بينهم ، وقد قال النبي ﷺ : لايدخل الجنة قتات. رواه مسلم .والقتات هو النمام.
ومن أسباب عذاب القبر نشر الخبر الكذب بين الناس وخصوصا في مثل هذه الزمن بتلك الوسائل الحديثة :
ففي صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رأى رؤيا وفيها قوله *: ( فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ(يقطع) شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ، قَالَ : ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قَالَ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا هَذَانِ ؟
فقال : *إنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. رواه البخاري.
فليحذر الذين يختلقون الشائعات ثم ينشرونها بين الناس عبر هذه التقنيات الحديثة التي تبلغ الكذبة بسببها الآفاق ليحذر هؤلاء من هذا الوعيد الشديد ،وليتقوا الله في أنفسهم وفي المسلمين.
ومن أسباب عذاب القبر ترك العمل بالقرآن بعد تعلُّمه ، والنوم عن الصلاة المكتوبة:
ففي حديث الرؤيا السابق قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ ، فَيَتَدَهْدَه الْحَجَرُ هَا هُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا هَذَانِ ؟
فقال : ( والذي رأيته يُشْدَخ رأسُه فرجل علمه الله القُرْآن ، فنام عنه بالليل ، ولم يعمل به بالنهار )
وفي رواية : ( أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ ) رواه البخاري.
ومن أسباب عذاب القبر أكل الربا:
ففي الحديث السابق قَالَ رسول الله ﷺ : “فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً ، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا ” فقلت من هذا قال : آكِلُ الرِّبَا ”
ومن أسباب عذاب القبر الزنا :
ففي الحديث السابق أن رسول الله ﷺ قال *: “فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، قَالَ : فَاطَّلَعْنَا فِيهِ ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا [ أي : صاحوا] قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَؤُلَاءِ ؟فقال : الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي ” .
أَيُّها المُسْلمونَ : وَمِنْ أَسْبَابِ عذابِ القبرِ : أَكْلُ أَعْرَاضِ الناسِ وغِيْبَتُهُمْ , فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ)لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ( رواه احمد وأبو داوود وصححه الألباني
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر ، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر .أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى، وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في السَّماء، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله , أرسله هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا
يقول ربي جل وعلا 🙁 يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ )
أما بعد: أيها المسلمون : قال -صلى الله عليه وسلم:(القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه)
عن ابن ماجة بسند حسن أن النبي – صلى الله عليه
وسلم – جلس على شفير قبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: “يا إخواني، لمثل هذا فأعِدوا”
ثم صلُّوا وسلِّموا على النبي المُجتَبى، والرسول المُرتضَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتهِ الغُرِّ الميامين، اللهم ارضَ عن الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدِين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، ومن سارَ على نهجِهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لِما فيه رِضاكَ يا
رب العالمين
اللهم اغفر لنا ذنوبنا ما علمنا منها وما لم نعلم، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، ونبوءُ لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم اجبر كسرنا، اللهم ارحم تذللنا.
اللهم إنا عبيد من عبيدك، وخلق من خلقك، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا فضلك، ولا تمنعنا بمعاصينا رحمتك، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الحليم العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله من جميع الذنوب والخطايا. اللهم أغثنا، واعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، لا إله إلا أنت، لا غنى لنا عن فضلك، ولا طاقة لنا بأنفسنا إن وكلتنا إليها.
ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، اللهم إنا مساكين إلا برحمتك، ضعفاء إلا بقوتك، فقراء إلا بغناك، أذلاء إلا بعزتك، اللهم لا تمنع عنا فضلك، واسقنا واستجب لنا واعطنا.
اللهم آتنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، ما تنبت لنا به الزرع وتدر لنا به الضرع، برحمتك يا رب العالمين. اللهم اسقنا وأغثنا،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم دمر أعداء الدين اللهم أنصرنا على القوم الكافرين اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا اللهم أجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم وفقنا لما تحب وترضى يا رب العالمين عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وافوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلت الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون