وقفات ودروس من الوفاة والبيعة


وقفات ودروس من الوفاة والبيعة ‘‘ (خطبة جمعة )

الخطبة الأولى
الحمد لله الحي القيوم الذي لا يموت، والجن والانس يموتون . الحمد لله الذي اذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون ، الحمد لله الذي قال في محكم التنزيل (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون # ثم ردوا الى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين )الانعام 61 .
الحمد لله الذي قال (نحن قدرنا بينكم الموت ومانحن بمسبوقين )الواقعة 56 .
وأشهد أن لااله الا الله وحده لاشريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير شهادة أرجو بها النجاة يوم الدين .
والصلاة والسلام على البشير النذير الذي قال وهو يودع هذه الدنيا (لا إله الا الله إن للموت سكرات .)خ عائشة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد :
فيا أيها المسلمون : اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون (ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا ) .
إن من الحقائق التي اتفق عليها الخلق اجمعون هي حقيقة الموت فلا مجال لإنكارها أو تجاهلها وان المصيبة تعظم عندما ينزل الموت بالعظماء وبذي الشرف والرفعة والمكانة ، حينها لا يملك المؤمن بقضاء الله وقدره الا ان يسلم لأمر الله ويرضى بحكم الله وأن يسترجع ويقول (انا لله وانا اليه راجعون ).
أيها المسلمون لم يكن يوم الاثنين الماضي يوما عاديا فلقد استيقظت الأمة بل والعالم أجمع على مصاب عظيم وخطب جسيم فجعنا فيه بوفاة والدنا وامامنا خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز رحمه الله .
لقد كان الخبر مؤلما ولكن (ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضي ربنا وانا على فراقك ياخادم الحرمين لمحزونون ).
أيها المسلمون :ان مثل هذا الظروف العصيبة والتي تمر بأمة من الأمم يجب أن تستنبط منها الأمة دروسا وان تقف معها وقفات.الوقفات والدروس
1- ان الموت سنة ماضية لا يستثنى منها رئيس ولا مرؤوس ولا مالك ولا مملوك ولا صغير ولا كبير ولا ذكر ولا أنثى قال تعالى (( كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة )) وقال تعالى (( كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنه )) (( انك ميت وانهم ميتون )) .
2- أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء قال تعالى (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير )).
3- انه مهما عظمت المصيبة بفقد غال او عزيز فان فقد النبي صلى الله عليه وسلم اعظم مصيبة ، قال عليه الصلاة والسلام ( اذا اصيب احدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها اعظم المصائب ) السلسلة الصحيحة 3/97 حديث (1106 ).
4- أعطينا العالم كله دروسا كيف تكون وتشيع الجنائز بما لا يخالف الكتاب و السنة واخبرنا العالم كيف تكون قبور اهل السنة ، لا اضرحة ولا مشاهد ولا مزارات ولا كتابات لحديث جابر ( نهى النبي ان تجصص القبور وان يكتب عليها وان توطأ ) ت 3/368 .
ليس عندنا فرق بين قبور العظماء او غيرهم من العامة والبسطاء لأن الكل سواسية أمام الله لا فرق بينهم الا بميزان التقوى (ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) ليس عندنا طقوس ومراسم ومواكب خاصة للدفن او للعزاء .
ليس عندنا موسيقى حزينة ولا نقف دقيقة صمت حدادا على ارواح الموتى .
ليس عندنا زهور وأكاليل ترمى على القبور ، ليس عندنا نساء يتبعن ويشيعن الجنائز لقول أم عطية رضى الله عنها ( نهينا عن اتباع الجنائز ) ولقوله عليه الصلاة والسلام ( لعن الله زوارت القبور ) حم هـ ك ت الجامع 5109 .
ليس عندنا نياحة ولا لطم للخدود ولا شق للثياب ولله الحمد لأن رسولنا نهانا عن ذلك فقال (ان النياحة على الميت من امر الجاهلية وان النائحة اذا لم تتب قبل ان تموت فانها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ثم يغلى عليها بدروع من لهب النار )ت هـ الجامع 6809.
ليس عندنا قراءة الفاتحة على روح الميت وانما نصلي صلاة الجنازة على الميت على وفق ماجاء من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام .
5- انه لا يبقى مع الانسان ولا يدخل معه الى قبره الا عمله قال عليه الصلاة والسلام ( يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد , يتبعه اهله وماله وعمله فيرجع اهله وماله ويبقى عمله ) فاجتهدوا رعاكم الله في اصلاح اعمالكم فلن يبقى معكم الا هذا العمل، فان كثيرا من الناس اليوم اهتم بأهله وماله وترك اصلاح عمله ولا حول ولا قوة الا بالله .
6- انتم شهداء الله في الارض فعن انس قال مروا بجنازة فاثنوا عليها خيرا فقال عليه الصلاة والسلام : وجبت , ثم مروا باخرى فاثنوا عليها شرا , فقال : وجبت , فقال عمر : ما وجبت فقال : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة , وهذا اثنيتم عليه شرا فوجبت له النار , انتم شهداء الله في الارض , وفي رواية : المؤمنون شهداء الله في الارض . ونحن نحسب ان خادم الحرمين رحمه الله ممن اثنى الناس عليه خيرا فلله الحمد والمنة.
7- من الدروس والوقفات : ان الامة عندما بكت فقيدها وعزيزها فانها لم تبكيه من فراغ وانما كان ذلك الألم الذى يعتصر القلوب وتذرف من أجلة العيون كان ذلك بسبب فقدهم صاحب أعمال جليلة وأفعال عظيمة استطاعت أن تنقش وبقوة حروفاً وكلمات في ذاكرة الأجيال والتاريخ لا يمكن أن تنسى بل ويعجز اللسان عن وصفها وإحصائها فضلاً عن شكرها والثناء عليها
فلن ينسى اللبنانيون بجميع طوائفهم تلك الدماء التي اريقت والانفس التي ازهقت والحروب الأهلية الطاحنة والتي دامت قرابة خمس عشرة عاما والتي وضع لها خادم الحرمين حداً ونهاية بحمد الله في مؤتمر الطائف .
ولن ينسى الشعب الكويتي الشقيق تلك المواقف العظيمة إبان أزمة الخليج في قرارات خادم الحرمين التاريخية في إستقدام القوات المشتركة لرد عدوان الطاغية العراقي وإستضافة الإخوة الكويتيين في بلدهم الثاني وبين أهليهم واخوانهم دون منة أو أذى ، فحمى أعراضهم وأموالهم وأنفسهم نسأل الله أن يذب بها النار عن وجه خادم الحرمين وأن يفرج بها عنه كربه كما قال عليه الصلاة والسلام (من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة ) وقال ( من نفس عن مسلم كربه من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من قرب يوم القيامة ) د 4/ 287.
ولن ينسى شعب الجزائر والمغرب ما قام به خادم الحرمين من أعماله الجليلة لإصلاح ذات البين.
ولن ينسى المسلمون مصحف خادم الحرمين الشريفين الذي طبع منه الملايين فلا يكاد يخلو منه بيت ولا مسجد في العالم، ولن ينسوا أكبر توسعة للحرمين في التاريخ قال عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة ( ان مما يلحق المؤمن من عملة وحسناته بعد موته :1- علما علمه ونشره 2- وولداً صالحا تركه 3- أو مصحفا ورثة 4- او مسجداً بناه 5- او بيتا لإبن السبيل بناه 6- او نهرا أجراه 7- أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موتة ) صحيح الترغيب 77.
ولن ينسى المتضررون في أي بقعة من العالم مساعدات خادم الحرمين فما أن تحل كارثة ببلد من البلدان إلا وخادم الحرمين يدعوا إلى التبرعات بل هو أول وأكثر المتبرعين ، قال عليه الصلاة والسلام ( من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء).
ولن تنسى البوسنة والهرسك المحاولات الجادة من خادم الحرمين الشريفين وجهوده الجبارة وهو يتردد بين أمريكا وأوروبا في محاولات لإقناع الرآي العام العالمى بضرورة وجود قوات مشتركة تحمي المسلمين من فتك الصرب وضراوة وشراسة الحرب حتى تحقق لهم ذلك ، في وقت صمتت فيه كثير من الدول عن مجازر بشعة لإخواننا المسلمين وكأن الأمر لا يعنيها.
بارك الله لي ولكم في القران والسنة ونفعني واياكم بما فيهما من العلم والحكمة ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
ان من الدروس المهمة والتي ينبغي للأمة أن تسفيد منها في أيام البيعة لخادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله .
1 ـ سلاسة وسهولة ويسر انتقال السلطة دون أى عقبات أو مصاعب ، واجتماع الكلمة على ولاة الأمر، وهذه من نعم الله على هذه البلاد وهذا الشعب المبارك.
2 ـ وجوب البيعة لولى الأمر قال عليه الصلاة والسلام ( من مات وليس في عنقة بيعة مات ميتة جاهلية ) وقال ( من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقة ) حم ت الجامع 1724 .
وهذه البيعة موجبة للسمع والطاعة في المعروف ، فعن عبادة بن الصامت قال ( بايعنا الرسول صلى الله علية وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط و المكره وعلى أثرة علينا وعلى الاَ ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله في برهان) .
ولا يلزم ان يحضر كل الناس إلى ولى الأمر فلو بايعه أهل الحل والعقد من رعيتة لكفى وأما من لم يحضر ليبايع فإنه يكفيه أن يقر هذه البيعة ويعتقد أن في رقبته بيعة لهذا الوالي الذي بايعه الناس . ولذلك فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يبايعه جميع الناس وانما بايعه من كان قريبا منه في المدينة من الصحابة رضي الله عنهم ولزمت البيعة بقية الناس .
قال الإمام أحمد رحمه الله (فانه لا يحل لمسلم أن يبت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا ) ا.هـ ، قال هذا في حال من غلب فكيف بمن بايعه المسلمون ورضوه خليفة لهم .
3 ـ ان في اجتماع تلك الألوف المؤلفة من الناس في الرياض وغيرها من بقية المناطق على مبايعة عبد الله بن عبد العزيز ملكاً على البلاد خيرَ دليل على تلك اللُحمة القوية والصلة المتينة بين الراعي والرعية والحاكم والمحكوم والقائد وجنده والأب وأبناءه .
فكما أن هذا المنظر الجميل قد أثلج صدر كل محب لهذا الدين ولهذه البلاد إلا أنه في الوقت نفسه قد أغاظ كل حاقد وحاسد لهذه البلاد ولكنه بطريقة أو بأخرى قد أعطى رسائل واضحة وبرقيات ساطعة محذرة ومنذرة لكل من تسول له نفسه النيل من هذه البلاد أو من أمنها سواءً من سفهاء لندن أو ممن لايرون أحدا مسلما على وجه الأرض الا هم ومن كان على شاكلتهم ، مفاداها: أنه لا يمكن تحقيق تلك المآرب الخبيثة في ظل ذلك التلاحم وتلك الوحدة على كتاب الله وسنة رسوله و الالتفاف على علمائهم وولاتهم.

محمد بن أحمد الفيفي

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


شارك المحتوى: