خطر الإسراف في النعم


 

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَن يهدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لهُ، وَمَن يُضْلِلْ فَلَا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.

﴿‌يَا أَيُّهَا ‌النَّاسُ ‌اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

أمَّا بعدُ:

فإِنَّ الدُّنيَا قد فُتِحَتْ عَلَيْنَا، والنِّعَمَ قَدْ جُلِبَتْ إِلَيْنَا، وَمَا يُزْرَعُ في الشرقِ والغربِ يُوضَعُ بينَ أيدينَا، وَمِن مزيدِ النِّعَمِ أنْ يحتارَ أهلُ البيتِ فيمَا يأكلونَ مِن غداءٍ وعشاءٍ.

اللهُمَّ لكَ الحمدُ حمدًا كثيرًا.

وإِنَّ هذِهِ النِّعمَ مِن فضلِ اللهِ وكرمِهِ، وإنَّ ثباتهَا ودوامَها بشُكرِهِ وطاعتِهِ، قالَ تعالَى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].

﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: 16-17].

قالَ الشاعرُ:

إِذَا كُنْتَ ذَا نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمَ

وبعضُ المسلمينَ للنِّعَمِ يُسرِفُ، وفي الطعامِ والشرابِ يُجحِفُ، ثُمَّ يزيدُ السوءَ سوءً بالتصويرِ والتفاخُرِ!

وإنَّ الإسرافَ مُحَرَّمٌ وسبَبٌ لزوالِ النِّعَمِ وحُلُولِ النِّقَمِ، فكيفَ إذا ضُمَّ إلى ذلكَ البَطَرُ والتفاخُرُ.

قالَ تعالَى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].

وقالَ سبحانهُ: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 26-27].

أخرجَ مسلمٌ في صحيحهِ عن عِياضِ بنِ حِمَارٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ».

وإِنَّ مِن الإسرافِ أنْ يبالَغَ في طعامِ الولائِمِ بِحُجَّةِ أنَّ باقيَهُ لَنْ يُرمَى، بَلْ يُعطَى للفقراءِ وهكذَا …

وَمِن المسلمينَ مَن لا يُبالِي ببقايا طعامِهِ وَوَلائِمِهِ، فيرميهِ مَع القاذوراتِ وفي الزَّبائِلِ المُتَّسِخاتِ!!

مَا الذي يُضيرُهُ أنْ يعطيهِ العُمَّالَ والمحتاجينَ أو يتواصَلَ مَعَ الجمعياتِ لتوصِلَهُ للمُستحقينَ، وَمَا لا يصلُحُ لِبَني الإنسانِ يُجمَعُ ويُعطَى الحيوانَ؛ فإنَّ في كُلِّ كَبِدٍ رَطِبَةٍ أجرًا.

والواجِبُ أنْ نتَّقيَ اللهَ، وأنْ نفعَلَ الأسبابَ لِحِفْظِ النِّعَمِ مِن زوالِها وحلولِ النِّقَمِ، وإنَّ زوالَ النِّعَمِ عظيمٌ ومِن العذابِ الأليمِ؛ لِذا استعاذَ مِنهُ الرسولُ ﷺ كَمَا أخرَجَ مسلمٌ عن ابنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ».

يا للهِ، مَا أسرَعَ زوالَ النِّعَمِ!

يا للهِ، مَا أسرَعَ هروبَهَا!

ألَا ترونَ مَا كانَ فيهِ أهلُ العراقِ مِن النِّعَمِ ثُمَّ زالَتْ فَعَاشَ أهلُهَا فقرًا بعدَ غِنًى، وخوفًا بعدَ أَمْنٍ.

أَلَا ترونَ كيفَ فَقَدَ أهلُ الكويتِ نِعْمَةَ الأمنِ والاستقرارِ وَرَغَدِ العيشِ في ليلةٍ واحدةٍ! فشُرِّدُوا وهُجِّرُوا أيامَ الاحتلالِ العراقيِّ.

ونحنُ في هذِهِ الدولةِ المباركةِ نعيشُ -بفضلِ اللهِ- على نعمةِ البترولِ، فَمَا أسرعَ زوالَهُ بحربٍ أو غيرِها، فإنَّ طعامَنَا وشرابَنَا -بعدَ اللهِ- على هذا البترولِ، ولو عوقِبْنَا بذنوبِنَا، وحيلَ بينَنَا وبينَ الاستفادةِ منهُ لأصبحَتْ  بلدُنَا عِبرَةً يتحدَّثُ بِهَا التاريخُ؛ لأنهُ ليسَ عندَنَا ماءٌ نشربُهُ ولا طعامٌ نقتاتُهُ.

اتَّقوا اللهَ -أيُّهَا المسلمونَ- واعرِفُوا عظيمَ نِعَمِ اللهِ عليكُمْ، وقابِلُوا النِّعَمَ بالشُّكْرِ لتدومَ وتزدادَ.

اللهُمَّ أوزِعْنَا شُكْرَ النِّعَمِ، وأبعِدْ عَنَّا النِّقَمَ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ وَكَفَى، والصلاةُ والسلامُ عَلَى المُصطفَى محمدِ بنِ عبدِ اللهِ المُجْتَبَى، أمَّا بعدُ:

فإِنِّي أُذَكِّرُ المسلمينَ في هذِهِ الدولةِ المباركةِ أنَّ أجدادَهُم قَدْ عاشوا فقرًا مُوجِعًا حتَّى أَكَلوا الجِيَفَ، ولَهُمْ في ذلكَ حكاياتٌ كثيرةٌ مُبكِيَةٌ، وقِصصٌ طويلةٌ مُحْزِنَةٌ.

وإنَّ مِن شُكْرِ النِّعَمِ تَفَقُّدَ الفقراءِ حولَنَا لا سيَّمَا الأقاربُ والجيرانُ والعُمَّالُ.

وأعظَمُ سَبَبٍ لثباتِ النِّعَمِ ودوامِهَا التمسُّكُ بالتوحيدِ والسُّنةِ، وتركُ الشركِ والبدعةِ، وتعاهُدُ الأهلِ والأولادِ، فَمَا أكثرَ الشركَ والبدعَ الذي يُنشَرُ ويُذاعُ في وسائلِ التواصلِ المختلفةِ.

وإنَّ مِن أعظمِ أسبابِ زوالِ النِّعَمِ وهروبِهَا التساهلَ في المعاصي والمحرماتِ المُسخِطَةِ للهِ، ككسبِ المالِ المحرمِ مِن الرِّبا والغِشِّ والكذِبِ، والتبرُّجِ والسفورِ الذي شاعَ في مُجتمَعِنَا، والاختلاطِ المحرَّمِ بينَ الرجالِ والنساءِ، وسماعِ ما حرَّمَ اللهُ مِن الغيبةِ والنميمةِ والغِنَاءِ المصحوبِ بالموسيقى.

اتَّقوا اللهَ -أيُّها المسلمونَ- واحذَرُوا مَكْرَ اللهِ وبغتَةَ عذابِهِ وانتقامِهِ، قالَ تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112].

اللهُمَّ يا مَنْ لَا أرْحَمَ مِنْكَ وَلَا أَكْرَمَ، اِهْدِنَا للتوحيدِ والسنةِ، وثَبِّتْنَا على ذلكَ،

اللهُمَّ زِدْنَا مِنْ نِعَمِكَ وأعِنَّا على شُكْرِهَا.

وقومُوا إلى صلاتِكُمْ يَرْحَمْكُمْ اللهُ.

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

خطر الإسراف في النعم


شارك المحتوى:
0