اللآلئ المتناثرة ( 1 )


بسم الله الرحمن الرحيم

اللآلئ المتناثرة
1- العلم الممدوح هو الذي ورثته الأنبياء ثلاثة أقسام:
القسم الأول: العلم بالله وأسمائه وصفاته وما يتبع ذلك وفي مثله أنزل الله سورة الإخلاص وآية الكرسي ونحوهما
والقسم الثاني: العلم بما أخبر الله تعالى به مما كان من الأمور الماضية ومما يكون من المستقبلة وما هو كائن من الأمور الحاضرة وفي مثله أنزل الله القصص والوعد والوعيد وصفة الجنة والنار
والقسم الثالث: العلم بما أمر الله به من الأمور المتعلقة بالقلوب والجوارح من الإيمان بالله ومن معارف القلوب وأحوالها الجوارح وأعمالها وهذا يندرج فيه العلم بأصول الإيمان وقواعد الإسلام والعلم بالأقوال والأفعال الظاهرة .
2- لفظ الشرع يطلق على ثلاثة معان شرع منزل وشرع مؤول وشرع مبدل:فالمنزل الكتاب والسنة فهذا الذي يجب إتباعه علي كل أحد
والمؤول هو رد الاجتهاد الذي تنازع فيه الفقهاء فإتباع المجتهدين جائز لمن اعتقد حجة متبوعة هي القوية أو لمن ساغ له تقليده
والمبدل مثل الأحاديث الموضوعة والتأويلات الفاسدة والفتيا الباطلة والتقليد المحرم فهذا يحرم أتباعه ,” الروح ج1/ص267
وأما الحكم المبدل وهو الحكم بغير ما أنزل الله فلا يحل تنفيذه ولا العمل به ولا يسوغ إتباعه وصاحبه بين الكفر والفسوق والظلم ”
3- مختصر الفتاوى المصرية ج1/ص268:والإله هو الذي تألهه القلوب بكمال المحبة والتعظيم والإجلال والرجاء والخوف ومع علم المؤمن أن الله رب كل شيء ومليكه فلا ينكر ما خلقه الله من الأسباب فينبغي أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور :
أحدها : أن السبب المعين لا يستقل بالمطلوب بل لا بد معه من أسباب أخر ومع هذا فلها موانع
الثاني لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب لا يعلم فمن أثبت سببا بلا علم أو بخلاف الشرع كان مبطلا كمن يظن أن النذر سبب في رفع البلاء
الثالث أن الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ شيء منها سببا للدنيا إلا أن تكون مشروعة فإن العبادة مبناها على الإذان من الشارع فلا يجوز أن يشرك بالله فيدعو غيره وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض أغراضه
وكذلك لا يعبد الله بالبدع وإن ظن في ذلك ثوابا فإن الشيطان قد يعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك وقد يحصل له بالكفر والفسق والعصيان بعض أغراضه فلا يجوز له ذلك.
4- مختصر الفتاوى المصرية ج1/ص441:
والألفاظ التي يتكلم بها الناس في الطلاق ثلاثة أنواع صيغة التنجيز والإرسال كقوله أنت طالق فهذا يقع به الطلاق وليس بحلف ولا كفارة فيه اتفاقا
الثاني صيغة قسم كقوله الطلاق يلزمني لأفعلن كذا فهذا يمين باتفاق أهل اللغة واتفاق طوائف الفقهاء واتفاق العامة
الثالث صيغة تعليق كقوله إن فعلت كذا فامرأتي طالق فهذا إن قصد به اليمين وهو يكره وقوع الطلاق كما يكره الانتقال عن دينه فهو يمين حكمه حكم الأول الذي هو صيغة القسم باتفاق الفقهاء وإن كان يريد وقوع الجزاء عند الشرط لم يكن حالفا كقوله إن أعطيتني ألفا فأنت طالق وإذا زنيت فأنت طالق وقصد إيقاع الطلاق عند وقوع الفاحشة لا مجرد الحلف عليها فهذا ليس بيمين ولا كفارة في هذا عند أحد من الفقهاء فيما علمناه بل يقع به الطلاق وأما ما يقصد به الحض أو المنع أو التصديق أو التكذيب بالتزامه عند المخالفة ما يكره وقوعه سواء كان بصيغة القسم أو الجزاء فهو يمين عند جميع الخلق من العرب وغيرهم.
5- مجموع الفتاوى ج1/ص95:إعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة المحبة والخوف والرجاء وأقواها المحبة وهى مقصودة تراد لذاتها لأنها تراد في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة قال الله تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والخوف المقصود منه الزجر والمنع من الخروج عن الطريق فالمحبة تلقى العبد في السير إلى محبوبه وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب والرجاء يقوده فهذا أصل عظيم يجب على كل عبد أن يتنبه له فإنه لا تحصل له العبودية بدونه وكل أحد يجب أن يكون عبدا لله لا لغيره.
6- مجموع الفتاوى ج1/ص126:فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس يكونون على أحد وجوه ثلاثة :-
إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه ومن قال إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بتلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر بل هو سبحانه يعلم السر وأخفى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير يسمع ضجيج الأصوات بإختلاف اللغات على تفنن الحاجات لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين .
الوجه الثاني أن يكون الملك عاجزا عن تدبير رعيته ودفع أعدائه إلا بأعوان يعينونه فلا بد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه والله سبحانه ليس له ظهير ولا ولى من الذل قال تعالى (( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير )) وقال تعالى (( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا )) وكل ما في الوجود من الأسباب فهو خالقه وربه ومليكه فهو الغنى عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم في الحقيقة شركاؤهم في الملك،
والله تعالى ليس له شريك في الملك بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
والوجه الثالث أن يكون الملك ليس مريدا لنفع رعيته والإحسان إليهم ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعظمه أو من يدل عليه بحيث يكون يرجوه ويخافه تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته إما لما حصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير وإما لما يحصل من الرغبة أو الرهبة من كلام المدل عليه
والله تعالى هو رب كل شيء ومليكه وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو إذا أجرى نفع العباد بعضهم على بعض فجعل هذا يحسن إلى هذا ويدعو له ويشفع فيه ونحو ذلك فهو الذي خلق ذلك كله وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن الداعي الشافع إرادة الإحسان والدعاء والشفاعة ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لم يكن يعلم أو من يرجوه الرب ويخافه
ولهذا قال النبي ( لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ولكن ليعزم المسألة فإنه لا مكره له ) والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا بإذنه كما قال (( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )) وقال تعالى (( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )) وقال تعالى (( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له )) فبين أن كل من دعي من دونه ليس له ملك ولا شرك في الملك ولا هو ظهير وأن شفاعتهم لا تنفع إلا لمن أذن له وهذا بخلاف الملوك فإن الشافع عندهم قد يكون له ملك وقد يكون شريكا لهم في الملك وقد يكون مظاهرا لهم معاونا لهم على ملكهم وهؤلاء يشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك هم وغيرهم والملك يقبل شفاعتهم تارة بحاجته إليهم وتارة لخوفه منهم وتارة لجزاء إحسانهم إليه ومكافأتهم ولإنعامهم عليه حتى أنه يقبل شفاعة ولده وزوجته لذلك فإنه محتاج إلى الزوجة والى الولد حتى لو أعرض عنه ولده وزوجته لتضرر بذلك ويقبل شفاعة مملوكه فإذا لم يقبل شفاعته يخاف أن لا يطيعه أو أن يسعى في ضرره وشفاعة العباد بعضهم عند بعض كلها من هذا الجنس فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة والله تعالى لا يرجو أحدا ولا يخافه ولا يحتاج إلى أحد بل هو الغنى قال تعالى ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون إلى قوله قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض , مجموع الفتاوى ج1/ص370
ولما كان الشيخ في قاعة الترسيم دخل إلى عنده ثلاثة رهبان من الصعيد فناظرهم وأقام عليهم الحجة بأنهم كفار وما هم على الذي كان عليه إبراهيم والمسيح فقالوا له نحن نعمل مثل ما تعملون أنتم تقولون بالسيدة نفيسة ونحن نقول بالسيدة مريم وقد أجمعنا نحن وأنتم على أن المسيح ومريم أفضل من الحسين ومن نفيسة وأنتم تستغيثون بالصالحين الذين قبلكم ونحن كذلك فقال لهم وأي من فعل ذلك ففيه شبه منكم وهذا ما هو دين إبراهيم الذي كان عليه فإن الدين الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام أن لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له ولا ند له ولا صاحبة له ولا ولد له ولا نشرك معه ملكا ولا شمسا ولا قمرا ولا كوكبا ولا نشرك معه نبيا من الأنبياء ولا صالحا (( إن كل من في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدا )) وأن الأمور التي لا يقدر عليها غير الله لا تطلب من غيره مثل إنزال المطر وإنبات النبات وتفريج الكربات والهدى من الضلالات وغفران الذنوب فإنه لا يقدر أحد من جميع الخلق على ذلك ولا يقدر عليه إلا الله والأنبياء عليهم الصلاة والسلام نؤمن بهم ونعظمهم ونوقرهم ونتبعهم ونصدقهم في جميع ما جاؤوا به ونطيعهم كما قال نوح وصالح وهود وشعيب (( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون )) فجعلوا العبادة والتقوى لله وحده والطاعة لهم فإن طاعتهم من طاعة الله فلو كفر أحد بنبي من الأنبياء وآمن بالجميع ما ينفعه إيمانه حتى يؤمن بذلك النبي وكذلك لو آمن بجميع الكتب وكفر بكتاب كان كافرا حتى يؤمن بذلك الكتاب وكذلك الملائكة واليوم الآخر فلما سمعوا ذلك منه قالوا الدين الذي ذكرته خير من الدين الذي نحن وهؤلاء عليه ثم انصرفوا من عنده.
7- مجموع الفتاوى ج2/ص369 وما يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام:فناء عن عبادة السوى وفناء عن شهود السوى وفناء عن وجود السوى .
فالأول: أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وبرجائه عن رجاء ما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه وبمحبته عن محبة ما سواه وهذا هو حقيقة التوحيد والإخلاص الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وهو تحقيق لا إله إلا الله فإنه يفنى من قلبه كل تأله لغير الله ولا يبقى في قلبه تأله لغير الله وكل من كان أكمل في هذا التوحيد كان أفضل عند الله
والثاني : أن يفنى عن شهود ما سوى الله وهذا الذي يسميه كثير من الصوفية حال الإصطلام والفناء والجمع ونحو ذلك ..
وهذا فيه فضيلة من جهة إقبال القلب على الله وفيه نقص من جهة عدم شهوده للأمر على ما هو عليه فانه إذا شهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وأنه المعبود لا إله إلا هو الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب وأمر بطاعته وطاعة رسله ونهى عن معصيته ومعصية رسله فشهد حقائق أسمائه وصفاته وأحكامه خلقا وأمرا كان أتم معرفة وشهودا وإيمانا وتحقيقا من أن يفنى بشهود معنى عن شهود معنى آخر وشهود التفرقة في الجمع والكثرة في الوحدة وهو الشهود الصحيح المطابق لكن إذا كان قد ورد على الإنسان ما يعجز معه عن شهود هذا وهذا كان معذورا للعجز لا محمودا على النقص والجهل
والثالث : الفناء عن وجود السوى وهو قول الملاحدة أهل الوحدة كصاحب الفصوص وأتباعه الذين يقولون وجود الخالق هو وجود المخلوق وما ثم غير ولا سوى في نفس الأمر فهؤلاء قولهم أعظم كفرا من قول اليهود والنصارى وعباد الأصنام.
8- مجموع الفتاوى ج3/ص55:لفظ التأويل قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملا في ثلاثة معان :-
أحدها : وهو اصطلاح كثير من المتأخرين من المتكلمين في الفقه وأصوله أن التأويل هو صرف اللفظ عن الإحتمال الراجح إلى الإحتمال المرجوح لدليل يقترن به وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات وترك تأويلها وهل ذلك محمود أو مذموم أو حق أو باطل .
الثانى : أن التأويل بمعنى التفسير وهذا هو الغالب على إصطلاح المفسرين للقرآن كما يقول إبن جرير وأمثاله من المصنفين في التفسير واختلف علماء التأويل ومجاهد إمام المفسرين قال الثوري إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به وعلى تفسيره يعتمد الشافعي وأحمد والبخاري وغيرهما فإذا ذكر انه يعلم تأويل المتشابه فالمراد به معرفة تفسيره .
الثالث : من معاني التأويل هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كما قال الله تعالى (( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق )) فتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد هو ما اخبر الله به فيه مما يكون من القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار ونحو ذلك كما قال الله تعالى في قصة يوسف لما سجد أبواه وإخوته قال (( يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل )) فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا .
الثاني هو تفسير الكلام وهو الكلام الذي يفسر به اللفظ حتى يفهم معناه أو تعرف علته أو دليله .
وهذا التأويل الثالث هو عين ما هو موجود في الخارج ومنه قول عائشة كان النبي يقول في ركوعه وسجوده (( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي )) يتأول القرآن يعنى قوله (( فسبح بحمد ربك واستغفره )) .
9- مجموع الفتاوى ج9/ص294:
النفوس ثلاثة أنواع وهى النفس الأمارة بالسوء التي يغلب عليها إتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي .
والنفس اللوامة وهى التي تذنب وتتوب فعنها خير وشر لكن إذا فعلت الشر تابت وأنابت فتسمى لوامة لأنها تلوم صاحبها على الذنوب ولأنها تتلوم أي تتردد بين الخير والشر .
والنفس المطمئنة وهى التي تحب الخير والحسنات وتريده وتبغض الشر والسيئات وتكره ذلك وقد صار ذلك لها خلقا وعاده وملكه فهذه صفات وأحوال لذات واحده وإلا فالنفس التي لكل إنسان هي نفس واحدة وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه.
10- حاشية ابن القيم على سنن أبي داود ج6/ص176:
الأحكام المترتبة على الحيض نوعان منها ما يزول بنفس انقطاعه كصحة الغسل والصوم ووجوب الصلاة في ذمتها .
ومنها ما لا يزول إلا بالغسل كحل الوطء وصحة الصلاة وجواز الليث في المسجد وصحة الطواف.
11- حاشية ابن القيم على سنن أبي داود ج6/ص223:
وقد ذكر الله تعالى في آية الطلاق ثلاثة أحكام أحدها أن التربص فيه ثلاثة قروء الثاني أنه مرتان الثالث أن الزوج أحق برد امرأته في المرتين
فالخلع ليس بداخل في الحكم الثالث اتفاقا وقد دلت السنة أنه ليس داخلا في الحكم الأول وذلك يدل على عدم دخوله في حكم العدد فيكون فسخا.
12- حاشية ابن القيم على سنن أبي داود ج7/ص126:روى الترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم )) قالوا بلى قال (( ذكر الله )) قد رواه مالك في الموطأ موقوفا على أبي الدرداء قال الترمذي ورواه بعضهم فأرسله
والتحقيق في ذلك أن المراتب ثلاثة المرتبة الأولى ذكر وجهاد وهي أعلى المراتب قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون )) المرتبة الثانية ذكر بلا جهاد فهذه دون الأولى
المرتبة الثالثة جهاد بلا ذكر فهي دونهما والذاكر أفضل من هذا
وإنما وضع الجهاد لأجل ذكر الله فالمقصود من الجهاد أن يذكر الله ويعبد وحده فتوحيده وذكره وعبادته هو غاية الخلق التي خلقوا لها.
13- حاشية ابن القيم على سنن أبي داود ج13/ص91:حسن الخلق مع الناس :
وجماعة أمران بذل المعروف قولا وفعلا وكف الأذى قولا وفعلا
وهذا إنما يقوم على أركان خمسة العلم والجود والصبر وطيب العود وصحة الإسلام أما العلم فلأنه يعرف معاني الأخلاق وسفسافها فيمكنه أن يتصف بهذا ويتحلى به ويترك هذا ويتخلى عنه
وأما الجود فسماحة نفسه وبذلها وانقيادها لذلك إذا أراده منها
وأما الصبر فلأنه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائها لم يتهيأ له
وأما طيب العود فأن يكون الله تعالى خلقه على طبيعة منقادة سهلة القياد وسريعة الاستجابة لداعي الخيرات
والطبائع ثلاثة طبيعة حجرية صلبة قاسية لا تلين ولا تنقاد وطبيعة مائية هوائية سريعة الانقياد مستجيبة لكل داع كالغصن أي نسيم مر يعصفه وهاتان منحرفتان
الأولى لا تقبل والثانية لا تحفظ وطبيعة قد جمعت اللين والصلابة والصفاء فهي تقبل بلينها وتحفظ بصلابتها وتدرك حقائق الأمور بصفائها فهذه الطبيعة الكاملة التي ينشأ عنها كل خلق صحيح
شفاء العليل ج1/ص192
والله سبحانه جعل القلوب على ثلاثة أقسام مريضة وقاسية ومخبتة وذلك لأنها إما أن تكون يابسة جامدة لا تلين للحق اعترافا وإذعانا أو لا تكون كذلك فالأول حال القلوب القاسية الحجرية التي لا تقبل ما يبث فيها ولا ينطبع فيها الحق ولا ترتسم فيها العلوم النافعة ولا تلين لإعطاء الأعمال الصالحة وأما النوع الثاني فلا يخلوا إما أن يكون الحق ثابتا فيه لا يزول عنه لقوته مع لينه أو يكون ثابتا مع ضعف وانحلال والثاني هو القلب المريض والأول هو الصحيح المخبت وهو جمع الصلابة والصفاء واللين فيبصر الحق بصفائه ويشتد فيه بصلابته ويرحم الخلق بلينه كما في أثر مروي القلوب آنية الله في أرضه فأحبها إلى الله أصلبها وأرقها وأصفاها كما قال تعالى في أصحاب هذه القلوب أشداء على الكفار رحماء بينهم فهذا وصف منه للمؤمنين الذين عرفوا الإيمان بصفاء قلوبهم واشتدوا على الكفار بصلابتها وتراحموا فيما بينهم بلينها.
13- أحكام أهل الذمة ج1/ص400:
المسجد الحرام يراد به في كتاب الله تعالى ثلاثة أشياء نفس البيت والمسجد الذي حوله والحرم كله
فالأول كقوله تعالى (( فول وجهك شطر المسجد الحرام ))
والثاني كقوله تعالى (( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد )) على أنه قد قيل إن المراد به ها هنا الحرم كله والناس سواء فيه
والثالث كقوله (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام )) وإنما أسرى به من داره من بيت أم هانىء وجميع الصحابة والأئمة فهموا من قوله تعالى (( فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) أن المراد مكة كلها والحرم ولم يخص ذلك أحد منهم بنفس المسجد الذي يطاف فيه ولما نزلت هذه الآية كانت اليهود بخيبر وما حولها ولم يكونوا يمنعون من المدينة كما في الصحيح
14 – أحكام أهل الذمة ج2/ص873:
الكفار إما أهل حرب وإما أهل عهد وأهل العهد ثلاثة أصناف
– 1 أهل ذمة – 2 وأهل هدنة – 3 وأهل أمان
وقد عقد الفقهاء لكل صنف بابا فقالوا باب الهدنة باب الأمان باب عقد الذمة
ولفظ الذمة والعهد يتناول هؤلاء كلهم في الأصل.
15- أحكام أهل الذمة ج2/ص882:والمقصود أن الله سبحانه قسم المشركين في هذه السورة إلى ثلاثة أقسام
الأول أهل عهد مؤقت لهم مدة وهم مقيمون على الوفاء بعهدهم لم ينقصوا المسلمين شيئا مما شرطوا لهم ولم يظاهروا عليهم أحدا فأمرهم بأن يوفوا لهم بعهدهم ما داموا كذلك
الثاني قوم لهم عهود مطلقة غير مؤقتة فأمرهم أن ينبذوا إليهم عهدهم وأن يؤجلوهم أربعة أشهر فإذا انقضت الأشهر المذكورة حلت أحكام
لهم دماؤهم وأموالهم
القسم الثالث قوم لا عهود لهم فمن استأمن منهم حتى يسمع كلام الله أمنه ثم رده إلى مأمنه فهؤلاء يقاتلون من غير تأجيل.
16- أحكام أهل الذمة ج3/ص1317:الأسماء ثلاثة أقسام الأول قسم يختص المسلمين والثاني قسم يختص الكفار والثالث قسم مشترك
فالأول كمحمد وأحمد وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فهذا النوع لا يمكنون من التسمي به والمنع منه أولى من المنع من التكني بكناية المسلمين فصيانة هذه الأسماء عن أخابث خلق الله أمر جسيم
والثاني كجرجس وبطرس ويوحنا ومتى ونحوها فلا يمنعون منه ولا يجوز للمسلمين أن يتسموا بذلك لما فيه من المشابهة فيما يختصون به
والنوع الثالث كيحيى وعيسى وأيوب وداود وسليمان وزيد وعمر وعبدالله وعطية وموهوب وسلام ونحوها فهذا لا يمنع منه أهل الذمة ولا المسلمون.
17- أحكام أهل الذمة ج2/ص871:وهذه المسائل الثلاث من محاسن الشريعة وهي
الأولى توريث من أسلم على ميراث قبل قسمته
الثانية وتوريث المعتق عبده الكافر بالولاء
الثالثة وتوريث المسلم قريبه الذمي وهي مسألة نزاع بين الصحابة والتابعين وأما المسألتان الأخيرتان فلم يعلم عن الصحابة فيهما نزاع بل المنقول عنهم التوريث قال شيخنا والتوريث في هذه المسائل على وفق أصول الشرع فإن المسلمين لهم إنعام وحق على أهل الذمة بحقن دمائهم والقتال عنهم وحفظ دمائهم وأموالهم وفداء أسراهم فالمسلمون يمنعونهم وينصرونهم ويدفعون عنهم فهم أولى بميراثهم من الكفار
والذين منعوا الميراث قالوا مبناه على الموالاة وهي منقطعة بين المسلم والكافر فأجابهم الآخرون بأنه ليس مبناه على الموالاة الباطنة التي توجب الثواب في الآخرة فإنه ثابت بين المسلمين وبين أعظم أعدائهم وهم المنافقون الذين قال الله فيهم هم العدو فاحذرهم
فولاية القلوب ليست هي المشروطة في الميراث وإنما هو بالتناصر والمسلمون ينصرون أهل الذمة فيرثونهم ولا ينصرهم أهل الذمة فلا يرثونهم والله أعلم.
18- طلاق الغضبان ج1/ص38:الغضب ثلاثة اقسام
احدها ان يحصل للانسان مبادئه واوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه ويعلم ما يقول وما يقصده فهذا لا اشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده ولا سيما اذا وقع منه ذلك بعد تردده فكره
القسم الثاني ان يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والارادة فلا يعلم ما يقول ولا يريده فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه كما تقدم والغضب غول العقل فاذا اغتال الغضب عقله حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب انه لا ينفذ شىء من اقواله في هذه الحالة فإن اقوال المكلف انما مع علم القائل بصدورها منه ومعناها وارادته للتكلم بها
فالاول يخرج النائم والمجنون والمبرسم والسكران وهذا الغضبان والثاني يخرج من تكلم باللفظ وهو لا يعلم معناه البتة فإنه لا يلزم مقتضاه والثالث يخرج من تكلم به مكرها وان كان عالما بمعناه
القسم الثالث من توسط في الغضب بين المرتبتين فتعدى مبادئه ولم ينته الى اخره بحيث صار كالمجنون فهذا موضع الخلاف ومحل النظر والادلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا وهو فرع من الاغلاق كما فسره به الائمة وقد ذكرنا دلالة الكتاب على ذلك من وجوه.
19- الفروسية ج1/ص156:والفروسية تظهر في ثلاثة أشياء
– ركوب الخيل والمسابقة عليها
– ورمي النشاب
– واللعب بالرمح وهو بنود كثيرة ومبناه التبطيل والنقل والتسريح والنثل والطعن والدخول والخروج ومداره على أصلين الطعن والتبطيل فالشجاع الخبير الذي لا يطعن في موطن التبطيل ولا يبطل في موضع الطعن بل يعطي كل حال ما يليق به ويعرف حكم ملازقة القرن ومفارقته ومخارجته ومضايقته وهزله وجده وأخذه ورده وطلوعه ونزوله وكره وفره ويعطي كل حال من هذه الأحوال كفوها وما يليق بها ويكون عارفا بالدخول والخروج ومواضع الطعن والضرب والإقدام والإحجام واستعمال الطعن الكاذب في موضعه والصادق في موضعه والاستدارة عند المجاولة يمينا وشمالا وإعمال الفكر حال دخول القرن على قرنه في الخروج منه والدخول عليه فلا يشغله أحدهما عن الآخر.
20- الفروسية ج1/ص169:
المغالبات في الشرع تنقسم ثلاثة أقسام أحدها ما فيه مفسدة راجحة على منفعته كالنرد والشطرنج فهذا يحرمه الشارع لا يبيحه إذ مفسدته راجحة على مصلحته وهي من جنس مفسدة السكر ولهذا قرن الله سبحانه وتعالى بين الخمر والقمار في الحكم وجعلهما فريني الأنصاب والأزلام وأخبر أنها كلها رجس وأنها من عمل الشيطان وأمر باجتنابها وعلق الفلاح باجتنابها وأخبر أنها تصد عن ذكره وعن الصلاة وتهدد من لم ينته عنها ومعلوم أن شارب الخمر إذا سكر كان ذلك مما يصده عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء بسببه
وكذلك المغالبات التي تلهي بلا منفعة كالنرد والشطرنج وأمثالهما مما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة لشدة التهاء النفس بها واشتغال القلب فيها أبدا بالفكر
القسم الثاني عكس هذا وهو ما فيه مصلحة راجحة وهو متضمن لما يحبه الله ورسوله معين عليه ومفض إليه فهذا شرعه الله تعالى لعباده وشرع لهم الأسباب التي تعين عليه وترشد إيه وهو كالمسابقة على الخيل والإبل والنضال التي تتضمن الاشتغال بأسباب الجهاد وتعلم الفروسية والاستعداد للقاء أعدائه وإعلاء كلمته ونصر دينه وكتابه ورسوله فهذه المغالبة تطلب من جهة العمل ومن جهة أكل المال بهذا العمل الذي يحبه الله تعالى ورسوله ومن الجهتين معا
وأما القسم الثالث وهو ما ليس فيه مضرة راجحة ولا هو أيضا متضمن لمصلحة راجحة يأمر الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يحرم ولا يؤمر به كالصراع العدو والسباحة وشيل الأثقال ونحوها
فهذا القسم رخص فيه الشارع بلا عوض إذ ليس فيه مفسدة راجحة وللنفوس فيه استراحة وإجمام وقد يكون مع القصد الحسن عملا صالحا كسائر المباحات التي تصير بالنية طاعات فاقتضت حكمة الشرع الترخيص فيه لما يحصل فيه من إجمام النفس وراحتها واقتضت تحريم العوض فيه إذ لو أباحته بعوض لاتخذته النفوس صناعة ومكسبا فالتهت به عن كثير من مصالح دينها ودنياها
فأما إذا كان لعبا محضا ولا مكسب فيه فإن النفس لا تؤثره على مصالح دنياها ودينها ولا تؤثره عليها إلا النفوس التي خلقت للبطالة
21- الروح ج1/ص253:والفرق بين الحب في الله والحب مع الله وهذا من أهم الفروق
وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا فالحب في الله هو من كمال الإيمان والحب مع الله هو عين الشرك والفرق بينهما أن المحب في الحب تابع لمحبة الله فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة ان يحب ما يحبه الله فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه كما يحب رسله وأنبياءه وملائكته وأوليائه لكونه تعالى يحبهم ويبغض من يبغضهم لكونه تعالى ببغضهم وعلامة هذا الحب والبغض في الله أنه لا ينقلب بغضه لبغيض الله حبا لإحسانه إليه وخدمته له وقضاء حوائجه ولا ينقلب حبه لحبيب الله بغضا إذا وصل إليه من جهته من يكرهه ويؤلمه إما خطأ وإما عمدا مطيعا لله فيه أو متأولا أو مجتهدا أو باغيا نازعا تائبا والدين كله يدور على أربع قواعد حب وبغض ويترتب عليهما فعل وترك فمن كان حبه وبغضه وفعله وتركه لله فقد استكمل الإيمان بحيث إذا أحب أحب لله وإذا أبغض أبغض لله وإذا فعل فعل لله وإذا ترك ترك لله وما نقص من أصنافه هذه الأربعة نقص من إيمانه ودينه بحسبه وهذا بخلاف الحب مع الله فهو نوعان يقدح في أصل التوحيد وهو شرك ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة الله ولا يخرج من الإسلام فالأول كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مع الله كما يحبون الله فهذه محبة تأله وموالاة يتبعها الخوف والرجاء والعبادة والدعاء وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره الله ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد وشدة بغضها وبغض أهلها ومعاداتهم ومحاربتهم وبذلك أرسل الله جميع رسله وأنزل جميع كتبه وخلق النار لأهل هذه المحبة الشركية وخلق الجنة لمن حارب أهلها وعاداهم فيه وفي مرضاته فكل من عبد شيئا من لدن عرشه إلى قرار أرضه فقد اتخذ من دون الله إلها ووليا وأشرك به كائنا ذلك المعبود ما كان ولا بد أن يتبرأ منه أحوج ما كان إليه
والنوع الثاني محبة ما زينه الله للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث فيحبها محبة شهوة كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء فهذه المحبة ثلاثة أنواع فإن أحبها لله توصلا بها إليه واستعانة على مرضاته وطاعته أثيب عليها وكانت من قسم الحب لله توصلا بها إليه ويلتذ بالتمتع بها وهذا حاله أكمل الخلق الذي حبب إليه من الدنيا النساء والطيب وكانت محبته لهما عونا له على محبة الله وتبليغ رسالته والقيام بأمره وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإرادته ولم يؤثرها على ما يحبه الله ويرضاه بل نالها بحكم الميل الطبيعي كانت من قسم المباحات ولم يعاقب على ذلك ولكن ينقص من كمال محبته لله والمحبة فيه وإن كانت هي مقصودة ومراده وسعيه في تحصيلها والظفر بها وقدمها على ما يحبه الله ويرضاه منه كان ظالما لنفسه متبعا لهواه
فالأولى محبة السابقين
والثانية محبة المقتصدين
والثالثة محبة الظالمين
فتأمل هذا الموضع وما فيه من الجمع والفرق فإنه معترك النفس الأمارة والمطمئنة والمهدي من هداه الله .
22- الروح ج1/ص265:فأولياء الرحمن المتلبسون بما يحبه وليهم الداعون إليه المحاربون لمن خرج عنه وأولياء الشيطان المتلبسون بما يحبه وليهم قولا وعملا يدعون إليه ويحاربون من نهاهم عنه فإذا رأيت الرجل يحب السماع الشيطاني ومؤذن الشيطان وإخوان الشياطين ويدعو إلى ما يبحه الشيطان من الشرك والبدع والفجور علمت أنه من أولياءه فإن اشتبه عليك فاكشفه في ثلاثة مواطن في صلاته ومحبته للسنة وأهلها ونفرته عنهم ودعوته إلى الله ورسله وتجريد التوحيد والمتابعة وتحكيم السنة فزنه بذلك لا تزنه يحال ولا كشف ولا خارق ولو مشى على الماء وطار في الهواء.
23 – شفاء العليل ج1/ص120:والكسب قد وقع في القرآن على ثلاثة أوجه أحدها عقد القلب وعزمه كقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم أي بما عزمتم عليه وقصدتموه وقال الزجاج أي يؤاخذكم بعزمكم على أن لا تبروا وأن لا تتقوا وأن تعتلوا في ذلك بأنكم حلفتم وكأنه التفت إلى لفظ المؤاخذة وأنها تقتضي تعذيبا فجعل كسب قلوبهم عزمهم على ترك البر والتقوى لمكان اليمين والقول الأول أصح وهو قول جمهور أهل التفسير فإنه قابل به لغو اليمين وهو أن لا يقصد اليمين فكسب القلب المقابل للغو اليمين هو عقده وعزمه كما قال في الآية الأخرى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فتعقيد الإيمان هو كسب القلب الوجه الثاني من الكسب كسب المال من التجارة قال تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض فالأول للتجار والثاني للزراع والوجه الثالث من الكسب السعي والعمل كقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقوله بما كنتم تكسبون وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت فهذا كله للعمل.
24- شفاء العليل ج1/ص121:فالجبار في صفة الرب سبحانه ترجع إلى ثلاثة معان الملك والقهر والعلو فإن النخلة إذا طالت وارتفعت وفاتت الأيدي سميت جبارة ولهذا جعل سبحانه اسمه الجبار مقرونا بالعزيز والمتكبر وكل واحد من هذه الأسماء الثلاثة تضمن الاسمين الآخرين وهذه الأسماء الثلاثة نظير الأسماء الثلاثة وهي الخالق البارئ المصور فالجبار المتكبر يجريان مجرى التفصيل لمعنى اسم العزيز كما أن البارئ المصور تفصيل لمعنى اسم الخالق فالجبار من أوصافه يرجع إلى كمال القدرة والعزة والملك ولهذا كان من أسمائه الحسنى وأما المخلوق فاتصافه بالجبار ذم له ونقص كما قال تعالى كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وما أنت عليهم بجبار أي مسلط تقهرهم وتكرههم على الإيمان وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطأهم الناس
25- شفاء العليل ج1/ص170:فالترك ثلاثة أقسام قسم يثاب عليه وقسم يعاقب عليه وقسم لا يثاب لا يعاقب عليه فالأول ترك العالم بتحريمها الكاف نفسه عنها لله مع قدرته عليها والثاني كترك من يتركها لغير الله لا لله فهذا يعاقب على تركه لغير الله كما يعاقب على فعله لغير الله فإن ذلك الترك والامتناع فعل من أفعال القلب فإذا عبد به غير الله استحق العقوبة
والثالث كترك من لم يخطر على قلبه علما ولا محبة ولا كراهة بل بمنزلة ترك النائم والطفل
فإن قيل كيف يعاقب على ترك المعصية حياء من الخلق وإبقاء على جاهه بينهم وخوفا منهم أن يتسلطوا عليه والله سبحانه لا يذم على ذلك ولا يمنع منه
قيل لا ريب أنه لا يعاقب على ذلك وإنما يعاقب على تقربه إلى الناس بالترك ومرآتهم به وأنه تركها خوفا من الله ومراقبة وهو في الباطن بخلاف ذلك فالفرق بين ترك يتقرب به إليهم ومرآتهم به وترك يكون مصدره الحياء منهم وخوف أذاهم له وسقوطه من أعينهم فهذا لا يعاقب عليه بل قد يثاب عليه إذا كان له فيه غرض يحبه الله من حفظ مقام الدعوة إلى الله وقبولهم منه ونحو ذلك.
26- شفاء العليل ج1/ص193:والإحكام له ثلاثة معان
أحدها الإحكام الذي في مقابلة المتشابه كقوله (( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات )) والثاني الأحكام في مقابلة نسخ ما يلقي الشيطان كقوله فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته وهذه الأحكام يعم جميع آياته وهو إثباتها وتقريرها وبيانها ومنه قوله (( كتاب أحكمت آياته ))
الثالث أحكام في مقابلة الآيات المنسوخة كما يقوله السلف كثيرا هذه الآية محكمة غير منسوخة وذلك لأن الأحكام تارة يكون في التنزيل فيكون في مقابلة ما يلقيه الشيطان في أمنيته ما يلقيه المبلغ أو في سمع المبلغ فالحكم هنا هو المنزل من عند الله أحكمه الله أي فصله من اشتباهه بغير المنزل وفصل منه ما ليس منه بإبطاله وتارة يكون في إبقاء المنزل واستمراره فلا ينسخ بعد ثبوته وتارة يكون في معنى المنزل وتأويله وهو تمييز المعنى المقصود من غيره حتى لا يشتبه به
27- شفاء العليل ج1/ص243:ولهذا جعل الله سبحانه الدور ثلاثة دارا أخلصها للنعيم واللذة والبهجة والسرور ودارا أخلصها للألم والنصب وأنواع البلاء والشرور ودارا خلط خيرها بشرها ومزج نعيمها بشقائها ومزج لذتها بألمها يلتقيان ويطالبان وجعل عمارة تينك الدارين من هذه الدار وأجرى أحكامه على خلقه في الدور الثلاثة بمقتضى ربوبيته وإلهيته وعزته وحكمته وعدله ورحمته فلو أسكنهم كلهم دار البقاء من حين أوجدهم لتعطلت أحكام هذه الصفات ولم يترتب عليها آثارها يوضحه.
28- اجتماع الجيوش الإسلامية ج1/ص3
والنعمة نعمتان نعمة مطلقة ونعمة مقيدة فالنعمة المطلقة هي المتصلة بسعادة الأبد وهي نعمة الإسلام والسنة وهي التي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نسأله في صلواتنا أن يهدينا صراط أهلها ومن خصهم بها وجعلهم أهل الرفيق الأعلى حيث يقول تعالى ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فهؤلاء الأصناف الأربعة هم أهل هذه النعمة المطلقة وأصحابها أيضا هم المعنيون بقول الله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا
والنعمة الثانية النعمة المقيدة كنعمة الصحة والغنى وعافية الجسد وتبسط الجاه وكثرة الولد والزوجة الحسنة وأمثال هذه فهذه النعمة مشتركة بين البر والفاجر والمؤمن والكافر.
29- الصواعق المرسلة ج1/ص382:لما كان وضع الكلام للدلالة على مراد المتكلم وكان مراده لا يعلم إلا بكلامه انقسم كلامه ثلاثة أقسام
أحدها ما هو نص في مراده لا يحتمل غيره
الثاني ما هو ظاهر في مراده وإن احتمل أن يريد غيره
الثالث ما ليس بنص ولا ظاهر في المراد بل هو مجمل يحتاج إلى البيان
فالأول يستحيل دخول التأويل فيه وتحميله التأويل كذب ظاهر على المتكلم وهذا شأن عامة نصوص القرآن الصريحة في معناها كنصوص آيات الصفات والتوحيد.
30- الصواعق المرسلة ج2/ص463:وقال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون المؤمنون 91
فتأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز البين فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل وحينئذ فلا يرضى بشركة الإله الآخر معه بل إن قدر على قهره وتفرده بالإلهية دونه فعل وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب به كما ينفرد ملوك الدنيا عن بعضهم بعضا بممالكهم
إذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر والعلو عليه فلا بد من أحد أمور ثلاثة :
الصواعق المرسلة ج2/ص464
إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه
وإما أن يعلو بعضهم على بعض
وإما أن يكون كلهم تحت قهر إله واحد وملك واحد يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه ويمتنع من حكمهم عليه ولا يمتنعون من حكمه عليهم فيكون وحده هو الإله الحق وهم العبيد المربوبون المقهورون
وانتظام أمر العالم العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض وجريانه على نظام محكم لا يختلف ولا يفسد من أدل دليل على أن مدبره واحد لا إله غيره كما دل دليل التمانع على أن خالقه واحد لا رب له غيره فذاك تمانع في الفعل والإيجاد وهذا تمانع في العبادة والإلهية فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان يستحيل أن يكون له إلهان معبودان

نشر بتاريخ 27-08-2008


شارك المحتوى: