إرشاد الأنام إلى حكم الكلام في الحكام


إرشاد الأنام إلى حكم الكلام في الحكام

بسم اللّه الرحمن الرحيم

سلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته

أما بعد،،،

فإن مما ينبغي أن يعلم أمور :

الأمر الأول : أنه يجب أن يعتقد المسلم في عنقه بيعة لحاكمه الذي هو تحت حكمه ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.

ففي صحيح مسلم عن عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية»

ولا يجوز للمسلم أن يعتقد في عنقه أكثر من بيعة بل بيعة واحدة لحاكم واحد وهو حاكمه الذي هو تحت حكمه.

فالسعودي يبايع ويعتقد في عنقه بيعة لحكام السعودية .

والإماراتي يبايع ويعتقد في عنقه بيعة لحكام الإمارات .

والتركي يبايع ويعتقد في عنقه بيعة لحكام تركيا.

والمصري يبايع ويعتقد في عنقه بيعة لحكام مصر …وهكذا.

الأمر الثاني : إن الدعوة للخروج على أي حاكم مسلم محرم ولا يجوز ؛فإن الخروج محرم بإجماع أهل العلم وقد تكاثرت الأدلة وإجماعات أهل السنة في بيان حرمة الخروج.

فلا يجوزُ الخروجُ على حاكم مسلم سواء كان حاكمه فلا يجوز للمسلم الخروج على حاكمه- ولا أن يحرض الناس أن يخرجوا على حاكمهم ؛ لأن الخروج محرم.

فلا يجوز للكويتي أن يخرج على حاكمه الكويتي ، وكذلك لا يجوز للكويتي أن يحرض البحرانيين أن يخرجوا على حاكمهم البحريني ، أو أن يحرض الأتراك أن يخرجوا على حاكمهم التركي …إلخ ؛ لأن الخروج محرم.

فإذا تبين هذان الأمران فيقال بعد هذا :

إنه لا يجوز أن يُتكلَّم في حاكم البلد ؛ لأنه محرم ومؤدٍّ للخروج الذي هو محرم على شخص المتكلم نفسه ؛ لأنه الخروج على حاكمه محرم وكذلك ما أدى إلى ذلك.

وكذلك لا يجوز للمسلم أن يحرضوا المسلمين أن يخرجوا على حاكم بلادهم كما تقدم ، فلو ذكر معايب حكام البلدان الأخرى فإن هذا محرم ؛ لأنه يؤدي إلى إيغار الصدور على حاكمهم مما يكون سببًا للخروج عليه.

لكن حرمة خروج الشخص على حاكمه محرم لذاته بالنصوص الكثيرة، أما دعوة الناس للخروج على حاكمهم محرم لغيره وهو من باب الوسائل حتى لا يقع أولئك الناس الذين تحت حكمه في الخروج المحرم وحتى لا توغر صدورهم فيقعوا في الخروج المحرم.

ومما هو معروف عن السلفيين ولله الحمد- أنهم لا يتكلمون لا في حكامهم ولا في غير حكامهم من الحكام المسلمين ، بل يدعون للسمع والطاعة ولو كان الحاكم مبتدعا أو كان ضالا أو فاسقا أو مجاهرا بفسقه بما أنه مسلم وهذا هديهم المعروف والواقع خير شاهد.

لكن أحيانًا يكثر الإخوانُ المسلمونَ من ذكرِ محاسنِ حاكمٍ معينٍ لأجلِ تهييج شعوب الحكام الأخرى للخروج ولإيغار صدورهم للخروج على حاكمهم كما ترى أن الإخوان المسلمين كثيرًا ما يظهرون محاسن حاكم مصر سابقًا محمد مرسي ، وكذلك يظهرون محاسن أردوغان الحاكم التركي ؛ لأجل تهييج الشعوب في الدول الأخرى على حكامهم وأنهم مقصرون بخلاف أردوغان فإنه ليس مقصرا …إلى غير ذلك .

فبهذه الطرق وهي : إبراز ما عند أردوغان من محاسن أو اختلاق محاسن أيضا لإبرازها لإيغار صدور الناس فهذا الفعل محرم شرعا.

ولما كان كذلك انبرى طائفة من أهل السنة وبينوا أن مثل هذا لا يجوز ؛ لأنه دعوة للخروج على الحكام المسلمين الآخرين سواء كانوا من حكامهم أو غيرهم.

ثم بينوا أنه لا مزية لحاكم مصر أو حاكم تركيا حتى تبزر محاسنه فيهيج الشعوب في الدول الأخرى للخروج على حكامهم أو توغر صدورهم على حكامهم.

بل قالوا : إن كل ما تقولون من أنه موجود من سيئات عند حكام المسلمين هي موجودة عند إردوغان وعند مرسي وقد تكون أزيد.

لأجل هذا انبرى أهل السنة لبيان الأخطاء عند أردوغان ومن يحاول الإخوان المسلمون إظهار محاسنهم لأجل إيغار الشعوب للخروج على حكامهم في بلادهم وغير بلادهم.

ومثل هذا جائز ويتضح بما يلي :

الأمر الأول : أن ما منع سدا للذريعة وهو الكلام في الحكام الآخرين فإنه يجوز للمصلحة الراجحة قرر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية كما في « مجموع الفتاوى » وغيره وقرره الإمام ابن القيم في « أعلام الموقعين» و« زاد المعاد »

والأدلة على ذلك كثيرة.

ولما كانت المصلحة راجحة في بيان ما عند الحكام الآخرين الذين تُبرز محاسنهم لدعوة الناس للخروج على حكامهم في بلدانهم كانَ واجبًا بيان هذه الأخطاء ؛ لئلا يخرجَ الناس على حكامهم أو توغر صدورهم.

الأمر الثاني : فإن قيل : إن مثل هذا قد يوغر صدور الأتراك مثلا للخروج على حاكمهم إردوغان؟

ج: هذه المفسدة متوقعة لكن هناك قاعدة شرعية عظيمة : (يغتفر تبعًا ما لا يغتفر استقلالا ) وقد بين هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية في « الفتاوى الكبرى »و كما في « مجموع الفتاوى » وبينها السيوطي في « الأشباه والنظائر » وغيره ممن تكلموا في القواعد الفقهية .

فإذا كان كذلك فلو قدر أنه ستحصل مفسدة من إيغار صدور الأتراك على حاكمهم أردوغان فهذه المفسدة لو قدر حصولها- فإنه (يُغتفر تبعًا ما لا يغتفر استقلالا ).

الأمر الثالث : ثم يؤكد ذلك القاعدة الثالثة الأخرى : (أن الدين مبني على جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها) ، وأنه إذا تعارضت مفسدتان فإنه تدرأ الكبرى بالمفسدة الصغرى )

فإن احتمال إيغار صدور الأتراك قليل للغاية بالنسبة إلى دفع الفتن التي يدعو إليها الحركيون في بلاد المسلمين بإظهار محاسن أردوغان لا سيما والسلفيون وأهل السنة يكررون ما بين حين وآخر أن خروج الأتراك أو المصريين أيام مرسي على حاكمهم محرم فهم بهذا يقللون المفسدة المتوقعة مع تحصيل المصلحة الأكبر وهو عدم خروج الناس على حكامهم في بلادهم.

إذا تبين هذا فإن كلام بعض أهل السنة في أمثال هؤلاء الحكام ليس عادة لهم كما تقدم- وإنما هو لشيء عارض والأصل حرمته كما تقدم وإنما صح فعله لمصلحة راجحة ولتُدفع مفسدة كبرى بمفسدة صغرى.

وبعض الناس يشدد ويقول : لا يجوز الكلام في حكام الآخرين كما لا يجوز الكلام في حاكم الرجل نفسه في بلده وهذا خطأ وينبغي أن يعيد النظرَ قائلُه ؛ وذلك لأن المسلم إنما يبايع حاكمًا واحدا لا حاكمين فلا يستويان.

وأقرب هذا بمثال : لو قدر جدلا أن حاكما مسلما في دولة أخرى بغى على دولة وأراد قتالها وكان في المقدمة فإنه يجب على من كان في البلد الذي بغي عليه فيها أن يواجه ذاك الحاكم ومن معه من جيشه وأن يرد بغيهم ولو استدعى الأمر ولو أن يُقتَل ذاك الحاكم-الباغي- وهو في مقدم الجيش ؛

لقول الله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9].

فلو قدر جدلا أن رجلا قال : لا يجوز أن تقاتل ذاك الحاكم الباغي ؛ لأنه حاكم ويجب السمع والطاعة له ؟

فيقال : إن مثل هذا لا يصح وإنما يجب السمع والطاعة له لمن هو تحت حكمه.

هذا أذكره تأصيلاً وتوضيحًا مع الإشارة إلى أمرين وبهما أختم:

الأمر الأول وقد ذكرته قبل لكن أؤكده : أن كلام بعض أهل السنة على بعض الحكام هو خلاف الأصل وهم يحرمونه من باب سد الذرائع وليست طريقةً لهم وإنما فعلوه لمصلحة راجحة كما تقدم، بل ومما يقرره أهل السنة كثيرا أن خروج المسلمين على حاكمهم في بلدانهم الأخرى غير جائز ،

وهذا ما فعله أهل السنة في فتنة الانقلاب على أردوغان ،

ثم إن أهل السنة لا يتكلمون في أردوغان لذاته ، وإنما اضطروا للكلام الذي سبق ذكره عرضًا لما تقدم وإلا فهم في الأصل لا يتقصدون السبَّ والشتم والانتقاص لأردوغان كما تقدم بيانه وإنما لدفع المفسدة التي أتى بها الحركيون وأرداوا بها إثارة الشعوب على حكامهم .

الأمر الثاني : الذي أظنه وأعتقده أنه إذا كان الكلام في أردوغان سيترتب عليه مفسدة بين أهل السنة فالأحسن الإمساك عن ذلك ؛ فإن حفظ رأس المال مقدم على الربح.

لكني أدعو إخواني أهل السنة ممن لا يرون الكلام في الحكام الآخرين لمصلحة راجحة أن يأخذوا الأمر بلطف وأن لا يشدوا على إخوانهم، وكذلك من يرى الكلام أن لا يشد على إخوانه ممن لا يرون الكلام ؛فإن أمثال هذه المسائل مما يسوغ فيها الاجتهاد.

أسأل أن يجمع القلوب على الهدى وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يلطف بتركيا وجميع بلاد المسلمين إنه هو الرحمن الرحيم وأن يوفق أردوغان وجميع حكام المسلمين للقيام بالتوحيد والسنة وأن يكونوا رحمة على شعوبهم.

وجزاكم الله خيرا.

د / عبد العزيز بن ريس الريس.

)أصلها مادة صوتية في إجابة الأسئلة بقناة التليرام للشيخ عبد العزيز الريس )


شارك المحتوى: