أبناؤنا بين اقتحام الأحراش … ومسامرة الوحوش!!


أبنائنا بين اقتحام الأحراش … ومسامرة الوحوش!!

 

إن أثر الرسوم المتحركة على الأطفال لا تأتي فقط من كونها تشكل النسبة الأعلى لما يشاهدونه، بل تأتي كذلك من أن قطاعاً كبيراً- من الآباء الملتزمين والأمهات الصالحات- لا ينتبه لخطورة أثرها على الأطفال، فيلجأ إلى شغل أوقات الصغار بها هرباً من عٌري الفضائيات وتفسخها والتماساً لملاذ أمين وحصن حصين، يجد فيه الأمن على أبنائه، وتأتي كذلك من سرعة تفاعل الأطفال مع ماديتها، وشدة حرصهم على متابعتها، وزيادة ولعهم بتقليد أبطالها.

 

إن حصيلة ما يتلقفه الطفل من معلومات ما بين ازدياده – أي بعد الفطام- إلى سن البلوغ تفوق كل ما يتلقها بعد ذلك من علم ومعرفة بقية عمره مهما امتد عشرات السنين، إذا وضعنا هذا في الحسبان، فلا عجب أن يعتبر كثيرٌ من علماء الاجتماع تجارب الطفولة محدداً أساسياً من محددات السلوك الإنساني.

 

ولا يمكن لأحد أن ينكر إيجابيات مشاهدة الرسوم المتحركة، فهي على سبيل المثال تنمي خيال الطفل، وتغذي قدراته، إذ تنتقل به إلى عوالم جديدة لم تكن لتخطر له ببال، وتجعله يتسلق الجبال، ويصعد الفضاء ويقتحم الأحراش ويسامر الوحوش، كما تعرفه بأساليب مبتكرة متعددة في التفكير والسلوك.

 

إن كون الرسوم المتحركة موجهة للأطفال لم يمنع دعاة الباطل أن يستخدموها في بث أفكارهم، وللتدليل على ذلك أذكر مثال الرسوم المتحركة الشهيرة التي تحمل اسم ” آل سبمسونز” The Simpsons لصاحبها “مات قرونينق”Matt Groening الذي صرح أنه يريد أن ينقل أفكاره عبر أعماله بطريقة تجعل الناس يتقبلونها وشرع في بث مفاهيم خطيرة منها، رفض الخضوع لسلطة الوالدين والحكومة، والأخلاق السيئة والعصيان هما الطريق للحصول على مركز مرموق، بيد أن أخطر ما قدمه هو تلك الحلقة التي ظهر فيها الأب، وقد أخذته مجموعة فانضم لهم الأب، ووجد أحد الأعضاء علامة في الأب رافقته منذ ميلاده، هذه العلامة جعلت المجموعة تقدسه، وتعلن أنه الفرد المختار، ولأجل ما امتلكه من قوة ومجد، فبدأ الأب يظن نفسه أنه الرب، حتى قال:” من يتساءل أن هناك رباً؟ الآن أنا أدرك أن هناك رباً، وأنه أنا”.

 

ربما يقول البعض أن هذه مجرد رسوم متحركة للأطفال فهي تسلية غير مؤذية، لكنها في الأساس تلقن المشاهد أموراً دون شعوره، وهذا ما أقره صانع هذه الرسوم المتحركة.

 

كما تعمل هذه الرسوم على تحريف القدوة، وذلك بإحلال الأبطال الأسطوريين محل القدوة بدلاً من الأئمة المصلحين والقادة الفاتحين، فنجد الأطفال يقلدون الرجل الوطواط، والرجل العنكبوتي، ونحو ذلك من الشخصيات الوهمية التي لا وجود لها، فتضيع القدوة في خضم القوة الخيالية المجردة من بعد إيماني.

 

إن تأثير الرسوم المتحركة على الأطفال خطر كبير، ذلك أن لها إيجابيات وسلبيات، تعمل كل واحدة منها عملها في الطفل، غير أن الوالدين والمربين إن أحسنوا استغلالها، وتكاملت أدوارهم يمكن أن يلعبوا دورا ًرائداً في التقليل من خطرها، والتبصير بأوجه ترشيد استخدامها؛ لتكون عنصر نماء وسلاح بناء، وسٌلم ارتقاء إلى كل ما يحبه الله ويرضاه من سبق وريادة وإدارة وقيادة ومنعة وسيادة.

 

ـــــــــــــــــــ

الأستاذة الأخصائية الاجتماعية/وفاء بنت ناصر العجمي.

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

كلية العلوم الاجتماعية/قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية


شارك المحتوى:
0