آيات الله الكونية وموقف المسلم منها


الخطبة الأولى

الحمد لله العليم القدير خلق الخلق بقدرته، وقضى فيهم بعلمِه وحكمتِه؛ فهداهُم لما ينفعُهُم، وحذَّرهم مما يضرُّهُم، ويوم القيامة يجزيهم بأعمالهم، نحمده على السرَّاء، ونلوذ به في الضرَّاء، فهو رافع العذاب، وكاشف البلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرسل الرياح مبشراتٍ ويخوفُ عباده بالآيات؛ ليدفعَهُم إلى الخيرات، ويَحْجِزَهُم عن الموبقات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ امتلأ قلبه لله تعالى محبة وتعظيمًا ورجاءً وخوفًا، فكان إذا تغيرت أحوال الكون خرج مذعورًا، وهرع إلى ربه سبحانه داعيًا ومستغفرًا ومصليًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى؛ فإنها نِعمَ العُدَّة لوقت الشدَّة، وخير الزاد ليوم المعاد: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ).

أيها الناس: اسمعوا لقول ربكم جل جلالُه: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) قال ابن سعدي: “أي: لم يكن القصد بإرسال الآيات أن تكون داعيةً وموجبةً للإيمان الذي لا يحصل إلا بها، بل المقصود منها التخويفُ والترهيبُ لِيَرتَدِعُوا عمّا هم عليه” وقال ابن كثير “قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ خَوَّفَ النَّاسَ بِمَا يَشَاءُ مِنْ آيَاتِهِ لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ وَيَذَّكَّرُونَ وَيَرْجِعُون” واسمعوا لقول النبي ﷺ لما انكَسَفَت الشمسُ قال ﷺ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ» قال ابن تيمية: (ذَكَرَ ﷺ أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ كُسُوفِهِمَا تَخْوِيف الْعِبَادِ؛ كَمَا يَكُونُ تَخْوِيفُهُمْ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ: كَالرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلَازِلِ وَالْجَدْبِ وَالْأَمْطَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ عَذَابًا كَمَا عَذَّبَ اللَّهُ أُمَمًا بِالرِّيحِ وَالصَّيْحَةِ وَالطُّوفَانِ).

عباد الله: إنَّ آياتِ الله الكونية كالفَيَضَاناتِ والزلازلِ وغيرها كثيرةٌ لا تُحصى، وهي دالةٌ على عظيم قدرةِ الله وقوّتِه جلّ جلاله، يرسلها سبحانه على العباد ابتلاءً واختباراً، وتخويفاً وإنذاراً، وإنَّ من أعظم أسباب حصولها: ظلمُ الناس وفسادُهم وكثرةُ ذنوبهم ومعاصيهم قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) وقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وإن أشدَّ الظلمِ وأعظمَه؛ الشركُ بالله تعالى كما قال سبحانه على لسان العبد الصالح لقمان: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، فالشرك والذنوب كلُّها من أعظم أسباب حصول الآيات وتكرارِها واستمرارِها، والسبيل إلى رفعها بالرجوع إلى الله جل جلاله بالتوبة والاستغفار، وبالعمل الصالح آناء الليل وأطراف النهار، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لَمَّا رُجِفَتْ الْكُوفَةَ عَلَى عَهْدِه: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَأَعْتِبُوهُ” قال ابن القيم: “وإعتابه تعالى إزالة عتبة بالتوبة والعمل الصالح”، فاحذروا الذنوب كلها، وبادروا بالأعمال الصالحة، وداوموا عليها ولو قَلَّتْ، وتوبوا إلى ربكم وأنيبوا إليه ولا تقنطوا من رَوحِه بسبب ذنوبكم ولو كَثُرَتْ، واحمدوا الله الذي عافاكم ودفع عنكم ما حلَّ بغيركم، واتعظوا بما حلَّ بهم من النكبات، ولا تنسوهم من صالح الدعوات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

قال أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي قريب مجيب.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فإنَّ كثيراً من الناس يخطئ في نسبة آيات الله الكونية إلى أنَّها أحداثٌ كونيَّةٌ طبيعيَّةٌ، وليسَ للذنوبِ أثرٌ وسَبَبٌ فيها، وهذا خطأ مردود بكتاب الله، قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) فلا تعارُضَ بينَ أنْ تكونَ الآيات بأسبابٍ كونيَّةٍ، وهذهِ الأسبابُ الكونيَّةُ بسببِ الذنوبِ والمعاصي، ومما ينبغي التنبيه عليه أنه لا يصِحُّ لأحدٍ أن يجزِمَ بأنَّ وقوع الآيات الكونية دليلُ عقوبةٍ عَلَى مَن أصابَتهُ، فقَدْ تكونُ عقوبةً وقد تكونُ ابتلاءً، وقد تكونُ لبعضِهِم عقوبةً ولبعضِهِم ابتلاءً، وموقف المؤمن منها حال حصولها الالتجاء إلى الله تعالى والضراعة إليه، والتوبة الصادقة والإكثار من الأعمال الصالحة لأن الله تعالى يقول: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

عباد الله: إن مما يذكر فيشكر ما تقدمه المملكة أعزها الله بالتوحيد والسنة من سرعة مساندة الدول الإسلامية من آثار الزلازل والفيضانات، وتنظيم الحملات والمُسيّرات، وفتح المنصات الموثوقة لمثل هذه الحالات، ويأتي هذا امتداداً لمواقف المملكة في إغاثة المنكوبين، والجهود العظيمة التي تبذلها في خدمة الإسلام والمسلمين، فجزى الله مملكتنا خير الجزاء وأوفاه، وأجزله وأعلاه.

اللهم أحييِ قلوبنا، واغفر ذنوبنا، واقبل توباتِنا، وامحُ حَوباتِنا، وأجب دعواتنا، واغفر لإخواننا المنكوبين، وارفع عنهم يا كريم.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ / اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم بإحسان إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ /  أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين / اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين / اللهم إنا نعوذ بك من الغلاء والوباء والربا والزنا والزلال والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين / اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم أجمعين اللهم أجزهم عنا خير الجزاء يا كريم اللهم اجمعنا بهم وبأحبابنا في الفردوس الأعلى يا رب العالمين / سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ….


شارك المحتوى:
1