بدعة ختم العام بالأعمال الصالحة


بدعية ختم العام بالأعمال الصالحة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

أما بعد:

فإنه لم يمت رسولنا محمد ﷺ إلا وقد أدّى الرسالة، وبلّغ الأمانة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فقد أكمل الله به الدين، حتى نزل قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}، فكل زيادةٍ في الدين لم يفعلها رسول الله ﷺ ولا صحابته الكرام فهي زيادة مردودة، وبدعة محدث، وذنب عظيم مُغضب لله سبحانه وتعالى.

قال الإمام مالك –رحمه الله تعالى-: “من ابتدع في الدين بدعة، فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة، لأن الله تعالى يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

فكل دينٍ لم يفعله رسول الله ﷺ ولا صحابته الكرام فهو بدعة مُغضبة لله، قال سبحانه: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}.

وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة –رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، أي مردود غير مقبول.

وأخرج الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله –رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «وكل بدعةٍ ضلالة».

وأخرج الخمسة إلا النسائي عن العرباض بن سارية –رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة».

وروى ابن وضاح وابن خيثمة في كتابه (العلم) عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- أنه قال: «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم».

وروى البيهقي في كتابه (المدخل) عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أنه قال: ” كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة “.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى): دلت السنة والإجماع على أن المعاصي الشبهاتية –أي البدع- أشد إثمًا من المعاصي الشهوانية”

وهذا بخلاف أمور الدنيا، فإن الأصل فيها الإباحة، فاتخاذ المكيفات أو السيارات، أو الطائرات، أو غير ذلك، مباح؛ لأن الأصل في أمور الدنيا والمعاملات الإباحة، بخلاف الأصل في العبادات.

اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم أحينا على السنن، وأعذنا يا ربنا من البدع، اللهم أحينا على التوحيد والسنة، وأمتنا على ذلك يا رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن هناك بدعًا كثيرة شاعت بين المسلمين، ويرجع ذلك لأسباب منها الجهل، ومنها أنه يقلد بعضهم بعضًا ومنها أن البدع تكون شائعة فينشأ عليها الصغير ويهرم عليها الكبير.

ومن أسباب انتشار البدع الاستحسانُ، فكم استحسن أقوام عبادات بذوقهم، أو بعقلهم، فوقعوا في البدعة.

روى الدارمي أن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- دخل المسجد، فرأى الناس حِلقًا، يقول أحدهم في كل حلقة: كبروا الله مائة، هللوا الله مائة، احمدوا الله مائة، فيُكبرون ويحمدون ويعدون ذلك بالحصى، فلما رأى هذا عبد الله بن مسعود قال: “مَا هَذَا الَّذِى أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ، قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ – رضي الله عنهم – مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحِو  بَابِ ضَلاَلَةٍ، قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ، قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ

فالقسمة ثنائية لا ثالث لها، إما أنكم على خير لم يعرفه رسول الله ﷺ أم أنكم مفتتحو باب ضلالة.

ولا تكفي النية الحسنة، بل لابد مع النية الحسنة من عمل حسن، وهو متابعة الرسول الله ﷺ.

وقد حاول الشيطان وحزبه أن يُفسدوا هذا الأصل العظيم، فأحدثوا للناس شيئًا خطيرًا بمكرهم وخديعتهم سموه بالبدعة الحسنة، فإذا أُنكر على أحدهم وقوعه في بدعة، قال معتذرًا: بدعةٌ حسنة، وإن لم يفعلها رسول الله ﷺ ولا صحابته الكرام.

يا لله! أي حُسن في عبادة لم يفعلها رسول الله ﷺ ولا صحابته الكرام؟ لذا قال ابن عمر فيما تقدم: “كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة”.

ومن البدع التي تفعل آخر السنة الهجرية بدعةُ ختم العام بعمل صالح، فتتناقل الرسائل التي تدعو لختم السنة الهجرية بعمل صالح، باستغفار أو بصيام، أو بصدقة أو غير ذلك.

بزعم ختم صحيفة العام بعمل صالح.

وهذا مُنكر شرعًا لوجهين:

– الوجه الأول: أنه لو كان خيرًا لسبقنا إلى ذلك رسول الله ﷺ وصحابته الكرام.

– الوجه الثاني: أنه لا دليل على ختم صحيفة العام في نهاية السنة الهجرية وذلك أن الذي أرّخ التاريخ الهجري عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، لضبط الأيام وغير ذلك، لا لأن صحيفة العام تُختم في هذا التاريخ، بل ذهب جمع من العلماء إلى أن صحيفة العام تُختم في ليلة القدر وهو الذي اختاره الإمام ابن القيم في كتابه (شفاء العليل)، قال سبحانه: {فيها يُفرق كل أمر حكيم . أمرًا من عندنا}.

ومن البدع الاحتفال بالسنة الهجرية، فقد اعتاد بعض المسلمين أن يحتفلوا بالسنة الهجرية كما يحتفلون بمناسبة الإسراء والمعراج وكل هذا من البدع والمحرمات فإنه لو كان خيرًا لسبقنا إليه سلف الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان.

أيها المؤمنون: يجب أن نكون حذرين من البدع وألا نستسهلها، فإن الأمر يبدأ صغيرًا ثم يكون كبيرًا.

إن ذنب البدع عظيم، وهو مسخط للجبار العليم ، واعلموا أن من أجل أعمالكم وأزكاها أن تلقوا الله سالمين من البدع.

اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم يا رحمن يا رحيم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم يا مجيب الدعوات، ومحقق الرغبات، يا من لا إله إلا أنت، اللهم أحينا على التوحيد والسنة، وأمتنا على ذلك، اللهم اجعلنا نلقاك راضيًا عنا، اللهم أعذنا من البدع، ما ظهر منها وما بطن، اللهم أحينا على السنن، اللهم أحينا على السنن، وأمتنا عليها يا رب العالمين.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

 

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

بدعية ختم العام بالأعمال الصالحة


شارك المحتوى: