ورحل رمضان


ورحل رمضان

إن الحمد لله، نحمده، و نستعينه، و نستغفره، ونعوذ بالله، من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.(يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَتَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ )

( يَآأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً )

( يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.)

فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد:

فأوصيكم -عباد الله- بتقوى الله في السر والعلن ينجيكم من هلاك الهالكين، ويتولاكم فيما يتولى به عباده الصالحين.

أمة الاسلام :ها قد رحل عنا شهر رمضان ومضى مع الراحلين، مضى هذا الشهرُ الكريم وقد أحسن فيه أناسٌ وأساء آخرون، وهو شاهدٌ لنا أو علينا،

لكن السؤال المطروح الآن بإلحاح: هل أخذنا بأسباب القبول بعد رمضان، وعزمنا على مواصلة الأعمال الصالحة، أو أنَّ واقعَ كثير من الناس على خلاف ذلك؟! هل تأسينا بـالسلف الصالح رحمهم الله، الذين تَوْجَل قلوبهم وتحزن نفوسهم عندما ينتهي رمضان؟ لأنهم يخافون أن لا يُتَقَبَّل منهم عملهم، لذا فقد كانوا يكثرون الدعاء بعد رمضان بالقبول.

ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله عن معلى بن الفضل ، أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، كما كانوا رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل، وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من ردِّه.

سألت عائشة رضي الله عنها الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ {أهم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: لا. ( أي ليس الخائفون من لقاء الله هم من وقعوا في المعصية ) لا ، يا ابنة الصديق ؛ ولكنهم الذين يصلُّون ويصومون ويتصدقون ويخافون أن لا يُتَقَبَّل منهم } .

ويقـول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [ كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ

وعن فَضالة بن عبيد قال: [ لو أني أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة خردل أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .

أمة الإسلام : إن مما يعين على الاستمرار على الطاعات بعد رمضان التعلق بالله وطلب العون منه – عز وجل – على الهداية والثبات .

ومما يعين كذلك الإكثار من مُجالسة الصالحين والحرص على مجالس الذكر العامة .

والبعد كل البعد عن مفسدات القلب من أصحاب السوء وأجهزة الفساد المرئية والمسموعة .

ومما يعين على الاستمرار على العمل الصالح التعرف على سير الصالحين من خلال القراءة للكتب أو استماع للصوتيات وخاصة سير الصحابة فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة .

ومما يساعدك في الاستمرار الحرص على النوافل ولو القليل المُحبب للنفس فان أحب الأعمال إلى الله « أدومه وإن قل » كما قال صلى الله عليه وسلم .

عباد الله : يقول الحسن البصري رحمه الله: [ لا يكون لعمل المؤمن أجل دون الموت، وقرأ قوله سبحانه: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ

ولمَّا سُئِل بشر الحافي رحمه الله عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!

والآن وبعد أنتهاء صيام رمضان ليكن من علامات قبوله وسد نقصه اتباعه بصيام الست من شوال فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {مَن صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر } .

ويجوز لمن أراد صيامها أن يتابعها، أو يفرقها في هذا الشهر، ويشترط أن ينوي صومها قبل الفجر كما افتى بذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله؛ تَتِمُّ الصالحات بنعمته، وتُكََفَّر السيئات وتُقال العثرات بِمِنَّته، وتُضاعَف الحسنات وتُرفَع الدرجات برحمته، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بارئ النسمات، وأشهد أن نبينا محمداً عبده المصطفى ورسوله المجتبى أفضل البريَّات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والمَكْرُمات، ومن اقتفى أثرهم ما تجددت المواسم ودامت الأرض والسماوات.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واشكروه جل وعلا أن هداكم للإسلام، ووفقكم للصيام والقيام .

عباد الله : لنتذكر -ونحن نعايش فرحة العيد بالأمن والأمان- إخواناً لنا في العقيدة حل بهم العيد وهم يعانون الحروب الطاحنة، والمآسي المستمرة، فبأي حال يعيش المسلمون في الأرض المباركة فلسطين ، وكذا إخوانكم في بقاع أخرى؟! كيف كانت فرحتهم بالعيد مع حياة القتل والتشريد، والملاجئ والتهجير والتهديد. فلا تنسوهم رحمكم الله، في دعمكم ودعائكم .

اخوة الدين والعقيدة : ومع اشتداد الحرب الضروس الظالمة اليهودية على إخواننا المستضعفين في بلاد غزة الفلسطينية ، ومع تزايد أعداد القتلى الذين أسأل الله أن يتقبلهم شهداء إذا بنا نفجع بمن يتلاعب بعواطف المسلمين بالتصفيق والتطبيل لمزيد من شلالات الدماء بدعوى النصر وطي ستار التخاذل والهزيمة زعموا.

ألسنا مسلمين موردنا واحد ، فعلام ذا التهييج ؟

فلننظر سيرة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم وحاله كحالنا ، يطعن أبوجهل سمية أم عمار بحربة بيده في

قُبلها فتموت على إثرها ، ويقتل ياسر ، ويؤذى عمار ، فماذا عمل.

يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة والرسول الله يمر بهم فيقول: صبراً آل ياسر .

ويذوق بلال وصهيب أصناف العذاب ويلبسون أدرع الحديد ويصهرون تحت لهيب الشمس الحارقة.

وهذا خباب بن الأرت كانوا يذيقونه أشد ألوان العذاب، فقد حولوا الحديد الذي بمنزله إلى سلاسل وقيود يحمونها بالنار ويلفون جسده بها، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكيا وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فيقول : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ؟ فيجيبه صلى الله عليه وسلم مصبرا ومسليا : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، ما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ) فبالله عليكم هل كان تخاذل منه صلى الله عليه وسلم !!.

وهل كان هذا كما يقول مبتدعة فقه الجهاد مما ينتهي إلى تحويل المسلمين إلى نعاجٍ خاضعةٍ يقودها الراعي بعصاه.

أم أنه حقن لدماء المسلمين ودفع لأعظم المفسدتين .

ثم ماذا كانت عاقبة ذلك الصبر والتأسيس الديني والعقدي أليس قيام دولة النبوة التي ذلت لها كل الدول الكبرى آن ذاك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذى الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين ، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الذين ، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوه الجزية عن يد وهم صاغرون )

وهذا لا يعني تسويغ تخاذل حكام المسلمين عن مناصرتهم إلا أنه ليس بأيدينا، ولا نملك الا الدعاء لهم ومساعدتهم الإغاثية .

عباد الله : ان الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل وعلا:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً). اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وأمامنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وخلفائه الراشدين وسائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أرضى عن أصحاب نبيك وأرضهم، اللهم العن من لعنهم وعادي من عادهم وخص بذلك الرافضة أعداء أصحاب نبيك.

اللهم عليك بالرافضة فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك بإخوان القردة والخنازير.

اللهم عليك باليهود، اللهم أقر أعين المسلمين بفتح بيت المقدس وإقامة دولة إسلامية لا اشتراكية ولا علمانية ولا بدعية.

اللهم أبر لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائلها في الله لومة لائم.

ربنا آتتا في الدنيا حسن وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

أحمد آل عبد الله


شارك المحتوى: