النَّقل المُختصَر لأحاديث وإجماعات ضَمَّة وضَغْطَة المَيِّت في القبر
الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فإنَّ ضَغْطَة أو ضَمَّة القبر للمَيِّت:
حق ثابت، لا يَسلم مِنها أحد، لا مسلم ولا كافر، ولا صغير ولا كبير، ولا ذَكر ولا أُنْثَى.
فالكافر: يُضغط حتى تَختلف أضلاعه.
وهي في حقه: ضَمَّة بُغض وعذاب.
وأمَّا المؤمن:
فقد قال الحافظ شمس الدِّين الذهبي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “سِيَر أعلام النُّبلاء” (1/ 290):
«هذه الضَّمَّة ليست مِن عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يَجده المؤمن، كما يَجد ألَمَ فقد ولده وحَميمه في الدنيا، وكما يَجد مِن ألَمِ مرضه، وألَمِ خروج نفسه».اهـ
وقد دلَّ على ثبوت هذه الضَّمَّة أو الضَّغْطَة:
النص، والإجماع.
أمَّا النص:
فقد جاء في إثبات هذه الضَّمَّة أو الضَّغْطَة عدَّة أحاديث نبوية.
بعضها قد صحَّحه جمْع مِن العلماء، وبعضها ضعيف، وبعضها يَصلح في باب الشواهد.
ودونكم ــ سدَّدكم الله ــ بعض هذه الأحاديث والآثار:
الحديث الأوَّل:
ما أخرجه ابن سعد في كتابه “الطبقات” (3/ 430)، والنسائي (2055)، وغيرهم، عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن سعد بن معاذ ــ رضي الله عنه ــ:
(( هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ )).
وصحَّحه: النَّووي، والألباني، ومحمد علي آدم الإتيوبي.
وقال الحافظ ابن حجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ: «رجاله ثقات مُحتَج بِهم في “الصَّحيح”».اهـ
قلت:
ولِهذا الحديث طُرق أُخْرى عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ.
الحديث الثاني:
ما أخرجه سعيد بن منصور في “سُننه” (1032)، عن مُجاهد بن جبَر، أنَّه قال: لم أسمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا أشد مِن هذا، وحديث سعد بن معاذ:
(( لقد ضُمَّ ضَمَّة ))».اهـ
وقال الحافظ ابن حجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ: «إسناده صحيح».اهـ
يَعني: إلى مُجاهد بن جَبر.
ومجاهد ــ رحمه الله ــ ساق الحديث على سبيل الاحتجاج.
وهو يَصلح كشاهد.
الحديث الثالث:
ما أخرجه أحمد (24663 و 24283)، والحارث في “مُسنده” (279)، وابن الجَعد في “المُسند” (1548)، والطبري في كتابه “تهذيب الآثار” (897)، وابن حِبَّان (3112)، وغيرهم، عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا لَنَجَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ )).
وصحَّحه: ابن حِبَّان، والألباني.
وجوَّد إسناده: ابن حجَر العسقلاني، وزَين الدِّين العراقي، والمُناوي.
وقال الحافظ الذهبي ــ رحمه الله ــ : «إسناده قوي».اهـ
وصوَّب وصْلّه الإمام الدارقطني ــ رحمه الله ــ في كتاب “العِلل” (1695)، فقال:
«والصواب قول مَن قال: عن صفية، عن عائشة».اهـ
قلت:
وفي ضغطة القبر لِسعد بن معاذ ــ رضي الله عنه ــ أحاديث أُخْرى عديدة ما بين مرفوعة، ومُرسلة.
وقال المُحدِّث السيوطي ــ رحمه الله ــ في كتابه “اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة” (2/ 362):
«أصل الحديث في ضغطة سعد بن معاذ صحيح ثابت في عدَّة أحاديث».اهـ
الحديث الرابع:
ما أخرجه عبد الله بن أحمد في “السُّنة” ( 1434)، والطبراني في “المُعجم الكبير” ( 3858)، عن أبي أيوب الأنصاري ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:
(( لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ أَفْلَتَ هَذَا الصَّبِيُّ )).
وصحَّحه: المُناوي، والألباني.
وقال المُحدِّث الهيثمي ــ رحمه الله ــ: «رجاله رجال “الصَّحيح”».اهـ
ــــ وأخرجه أيضًا:
عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب “السُّنة” ( 1435)، فقال:
حدثنا إبراهيم بن الحَجَّاج النَّاجي، نا حمَّاد بن سلَمة، عن ثُمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على صَبِيٍّ أو صَبيَّة، فقال:
(( لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ لَنَجَا هَذَا الصَّبِيُّ )).
ــــ وجاء في كتاب “المطالب العالية” (4532):
وقال أبو يَعلى: حدثنا إبراهيم السامي، حدثنا حمَّاد، عن ثُمامة بن عبد الله، عن أنس بن مالك، بِه.
وقال الإمام الطبراني ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُعجم الأوسط” (2753)، عقبه:
«لم يَرو هذا الحديث عن ثُمامة إلا حمَّاد».اهـ
وقال الحافظ ابن حجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ عقبه: «إسناده صحيح».اهـ
وقال المُحدِّث البُوصيري ــ رحمه الله ــ: « رواه أبو يَعلى المُوصلي، ورجاله ثقات».اهـ
وقال المُحدِّث أبو بكر الهيثمي ــ رحمه الله ــ: «رجاله موثقون».اهـ
وذِكره الحافظ ضياء الدِّين المقدسي ــ رحمه الله ــ في كتابه:
“الأحاديث المُختارة أو المُستخرَج مِن الأحاديث المُختارة مِمَّا لم يُخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما” (1823 و 1824).
وصحَّحه: الألباني.
وقال ابن طاهر المقدسي ــ رحمه الله ــ: « رَواه ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، عَن جدِّه، وهذا أحد ما أُنكِر عليه».اهـ
وقال الحافظ ابن المُلقِّن ــ رحمه الله ــ: «مُنكر».اهـ
قلت:
وقد اختُلِف على حمَّاد بن سلمة في هذا الحديث.
1 ــ فَرُوي عنه مِن حديث أبي أيوب الأنصاري ــ رضي الله عنه ــ.
2 ــ ورُوي عنه مِن حديث أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ.
3 ــ ورُوي عنه مُرسلًا عن ثمامة بن عبد الله.
وصحَّح إرساله: الدارقطني.
الحديث الخامس:
ما جاء في حديث البَراء بن عازب ــ رضي الله عنه ــ الصَّحيح المشهور أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن ضَمَّة الكافر:
(( وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ )).
وصحَّحه: البُوصيري، والألباني.
وحسَّنه: مُقبل الوادعي.
وله شاهد: مِن حديث أبي هريرة، وحديث أنس بن مالك ــ رضي الله عنهما ــ.
ــــ وفي ضغطة القبر أيضًا:
أحاديث أُخْرى عن جماعة آخَرين مِن الصحابة.
وقال الفقيه السفاريني الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “لوامع الأنهار البهية” (2/15):
«والأحاديث في هذا: كثيرة مشهورة».اهـ
وأمَّا الإجماع على ضمَّة وضَغْطَتة القبر:
1 ــ فقد قال الإمام إسماعيل المُزَنِي ــ رحمه الله ــ في رسالته “شرح السُّنة” (ص:80-81)، والتي نَقل الإجماع على ما جاء فيها:
«ثم هُم بعد الضَّغطة في القبور مُسَاءَلون، وبعد البِلَى منشورون، ويوم القيامة إلى ربِّهم مَحشورون، ولَدَى العرض عليه مُحاسبون».اهـ
2 ــ وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي ــ رحمه الله ــ في عقيدته أوَّل كتابه “الجامع في السُّنن والآداب والمغازي والتاريخ” (ص:112)، والتي نَقل الإجماع على ما جاء فيها في أوَّلها وآخِرها:
«وأنَّ عذاب القبر حق، وأنَّ المؤمنين يُفتنون في قبورهم، ويُضغَطون ويَبلون، ويُثبِّت الله مَنطِق مَن أحَبَّ تثبيتَه.».اهـ
3 ــ وقال الفقيه عَدي بن مُسافر ــ رحمه الله ــ في رسالة له في “اعتقاد أهل السُّنة والجماعة” (ص:39 – رقم:30):
«وأنَّ ضغطة القبر: حق».اهـ
4 ــ وقال الإمام ابن بطة العُكبري الحنبلي ــ رحمه الله ــ في “الإبانة الصغري” (ص:125)، وقد نقل الإجماع قبل ذلك:
«ثم مِن بعد ذلك: الإيمان بالصَّيحة للنشور بصوت إسرافيل للقيام مِن القبور.
فيَلزم القلب أنَّك مَيِّتٌ، ومَضغُوطٌ في القبر، ومُساءَلٌ في قبرك، ومَبعوثٌ مِن بعد الموت فريضة لازِمة، مَن أنكَر ذلك كان بِه كافرًا».اهـ
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.