من آداب المنفق والآخذ للمال


 

 

💡[الأول]: ينبغي لمَن أغناهُ الله وأراد أن يُنفِق على إخوانِه المحتاجين أن يتحلَّى ببعض الآداب:

 

🔹الأدب الأول: أن يُخلِص النية لله تعالى، وأن يبتغي بإعانتِه المحتاجين الله والدار والآخرة، ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: 9] لا رياءً ولا سمعةً، ولا لمجرد “الإنسانية” كما يُردد بعضهم  ، وأيضًا مما يدخل في حُسن النية تمني العمل وعزم النية على فعله في حال لم يكن في استطاعته، فإنه يُؤجَر على ذلك، كما أخرج البخاري عن ابن عباس أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «… فَمَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً».

 

🔹الأدب الثاني: الحذر مِن المَنِّ والأذى، أي أن يفعل مع مَن أحسن إليه مكروهًا حسيًّا أو معنويًّا، فهذا مِن الأمور التي تُحبط الأعمال، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 262-264].

 

🔹الأدب الثالث: أن يُنظِر المُعسرين إذا أدانهم، أو أن يتجاوَز عن شيء مِن الدَّين، أو أن يعفو عنه كله، روى الإمام مسلم عن عبادة بن الصامت أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ»، وروَى البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ».

 

🔹الأدب الرابع: أن يتحرَّى إلى مَن يُعطي المال، فإذا عرف أن السائل يريد بالمال شراء أمر محرم فلا يعطه، فهذا من التعاون على الإثم والعدوان، وإذا عرف أن السائل قد أدمن التسول واتخذه مهنة مع استطاعته على العمل والتكسُّب فلا يعطه، فهو بهذا يعينه على الاستمرار على السؤال دون حاجة بل والإدمان عليه! ولو كان السائل امرأة أو رجلًا صاحب عاهة تعيقه عن العمل لهان الأمر، فينبغي التحرِّي وعدم التساهل.

 

💡[الثاني]: ينبغي للمحتاج الذي يأخذ مِن إخوانِه الأغنياء التحلِّي ببعض الآداب، منها:

 

🔸الأدب الأول: أن يُعلِّق قلبه بالله سبحانه، وأن يوقن بأن الخير والرزق منه وحده سبحانه، وأن يجعل مساعدة الأغنياء مجرد أسباب لا أقل ولا أكثر، قال سبحانه: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ [الملك: 21] قال العلامة السعدي: ” الرزق كله من الله، فلو أمسك عنكم رزقه، فمن الذي يرسله لكم؟ فإن الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم، فكيف بغيرهم؟ ”  .

 

🔸الأدب الثاني: أن يحذر أشد الحذر من سؤال الناس إلا للحاجة القصوى، وأن يتعفف ويطلب الرزق من الله ويسعى بنفسه قدر الاستطاعة، فإن استسهال سؤال الناس بغير حاجة يُضعف التوحيد والتوكل وتعلق القلب بالله تعالى، ثم هو خزيٌ له في الدنيا ويوم القيامة، أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال ﷺ: «ما يزال الرجل ‌يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه ‌مزعة ‌لحم».

وقد كان النبيُّ ﷺ ينهى الصحابة عن سؤال غير الله حتى في السؤال المباح؛ لتكون قلوبهم متعلقة بالله وحده، وقد بايَع بعض الصحابة الكرام على ألا يسألوا الناس شيئًا، كأبي بكر، وأبي ذر، وثوبان -رضي الله عنهم-، وكان أحدهم يسقط سوطه أو خِطام ناقتِه، فلا يسأل أحدًا أن يناوله إياه. رواه مسلم.

فالشريعة تدعو المسلم أن يكون عزيز النفس، وألا يفتقر ولا يتذلل إلا لله وحده.

 

🔸الأدب الثالث: الدَّين ليس فيه مِنَّة كالسؤال، إلا أنه ينبغي ألا يتساهل في طلب الدَّين إلا في الضروريات، ثم المسارعة في السداد وألا يماطل، فالتساهل فيه مِن أخطر الأمور التي تُدخل المرء في دوامة الديون التي لا تنتهي، لاسيما في وقتنا المعاصر الذي توسَّع فيه كثيرٌ مِن الناس في المباحات، وتنفخ شركات التقسيط في هذه الرغبات، فصار البعض يستدين فوق طاقتِه لأتفه الأسباب، كتغيير هاتفه الذي اشتراه العام الماضي ليُواكب جوال السنة!

روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «من سأل الناس أموالهم تكثُّرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقل أو ليستكثر».

 

🔸الأدب الرابع: ألا يأخذ شيئًا مما علم أنه مالٌ حرام، كأن يعطيه مالًا وهو يعلم أنه مسروق، أو يعطيه طعامًا يعلم أنه سرقه من فلان، وهذا هو عين التعاون على الإثم والعدوان، وأكلُ الحرام مِن أعظم أسباب منع إجابة الدعاء ومحق البركة، والتعرُّض لعقوبة الله وسخطه في الدنيا والآخرة.

 

اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.


شارك المحتوى:
1