الرد على مسلك مختار بدري وعمر الكنزي


بسم الله الرحمن الرحيم

فإن التعامل مع مسألة تقدير المصالح والمفاسد لاسيما في المسائل المتعلقة بعامة المسلمين تحتاج إلى دقة ولا يُقبل فيها كل ما يُدَّعى أنه مصلحة أو مفسدة، ومن ذلك مسألة الخروج عن أصل هجر أهل البدع لأجل المصالح أو المفاسد.

وترك هجر أهل البدع لمصلحة راجحة أو لدفع مفسدة أكبر… من جهة التأصيل لا يُنكره أحد، إلا أنه من جهة التنزيل في الواقع مزلّة أقدام والخطأ فيه عواقبه وخيمة، وإن كان المجتهد فيه ما بين أجر أو أجرين، ولكن “المفسدة التي تحصل بفعل واحد من العامة محرمًا لم يعلم تحريمه ولم يمكنه معرفة تحريمه أقلّ بكثير من المفسدة التي تنشأ من إحلال بعض الأئمة لما قد حرَّمه الشارع وهو لم يمكنه معرفة تحريمه، ولهذا قيل: احذروا زلّة العالم، فإنه إذا زلَّ زلَّ بزلته عالَمٌ” ([1]).

ومسائل الخروج عن الأصل يُتحرّى فيها مراد الله ورسوله ﷺ لا أن تصبح هذه القواعد والضوابط ذريعة لأشباه أصحاب السبت في مخالفة الشرع، أو أن تُتخذ كالـ(حصانة) ضد التضليل والتبديع للمجالسين والمروجين لأهل البدع.

وكلما تسلّط الزنادقة من العلمانيين وغيرهم على بلاد المسلمين اعتدنا رفع شعار التعاون ووحدة الصف بين الجماعات والفِرق الإسلامية بما فيهم المتصوفة والقبوريين.

ولا يُنكِر عاقل أن في بعض الظروف الضيقة قد يضطر أهل الحق -ضرورةً شرعية- ترك العمل ببعض الواجبات جلبًا لمصلحة راجحة أو دفعًا لمفسدة أعظم، مع الأخذ بالاعتبار أن مسألة هجر أهل البدع ليست فقط من باب العقوبات بل هي أيضًا من باب الوقاية للرؤوس وللأتباع.

فما أكثر الداخلين في هذا الباب من غير أهله والذين يرفعون شعار المصلحة، وحقيقة دعواهم مصلحة متوهَّمة ومفسدة متحققة، حتى أفسدوا شبابهم والمقتدين بهم بتساهلهم في مخالطة أهل البدع مع عدم تحقيق الكفاية في تحصين شبابهم بدعوى السكوت عن المخالف للتفرّغ للعلمانيين، إلا أن هؤلاء المخالفين المسكوتَ عنهم دائمًا ما يكونون أشد تمسكًا ببدعتهم من هؤلاء بالحق الذي عندهم، حتى تأثَّر بهم الأتباع وصرنا نراهم في ساحات المظاهرات والاعتصامات، إما على الأرض أو من وراء لوحة المفاتيح!

ومن السائرين على هذا الخط الحَرِف اليوم: مختار بدري وأتباعه كعمر الكنزي، ومع أن المنابر السلفية في السودان من أقوى المنابر الدعوية في العالم الإسلامي من جهة قوة الخطاب ضد المخالفين -ولله الحمد- ومع الانفتاح الإعلامي الذي صار يُوفّر سُبل النشر المرئي والصوتي والمكتوب بأدنى إمكانيات، ومع ما أنعم الله على السودان من مساحة كبيرة في الحرية الدعوية سواء في المساجد أو الجامعات أو الساحات العامة …، إلا أن مختار بدري وأتباعه كفروا بهذه النعمة ولم يكتفوا بما وسّع الله عليهم وأصرّوا ألا تكون الدعوة إلا باشتراك دراويش القبوريين ومبتدعة الإخوان المسلمين!

وليُنتبه إلى الخطأ والكيل بمكيالين عند بعض العاطفيين ممن يُعارض أمثال هذا النقد الموجه للداخل الإسلامي بدعوى عدم شق الصف …إلخ، فهؤلاء العاطفيون أنفسهم يُمارسون ذات النقد داخل الإطار السلفي لمن هو خارج تنظيمهم أو مع من لا يتفق مع شيخهم، كما فعل ذلك مختار بدري في محاضراته عن العلمانية، فلا يكتفي بالرد على العلمانيين بل يُسلط لسانه الطويل على دعاة السنة ويصفهم بأبشع الأوصاف، ومن ذلك موافقته لصاحب قناة (شؤون إسلامية) في إقصاء من يُلقبونهم بالـ (مدَاخِلة) نسبةً للشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وكأن المدَاخِلة هؤلاء خارج نطاق التعاون والوحدة الإسلامية ضد الهجوم العلماني! على الأقل اعتبروهم صوفية، فلو كان منهجهم يُمثّل خطرًا على حربكم على العلمانية، فهل هو أشد ضررًا من تعاونكم مع القبوريين؟! فعلى الأقل ما تنقمونه على تنبزونهم بالـ(مداخِلة) لم يصل لدرجة الشرك والكفر الموجود عند القبوريين! فمالكم كيف تحكمون؟! ([2]).

لذلك وجبَ الرد عليهم بيانًا للحق وتحذيرًا من مسلكهم الزائغ، “والذين يلوون ألسنتهم باستنكار نقد الباطل وإن كان في بعضهم صلاح وخير، لكنه الوهن وضعف العزائم حينًا، وضعف إدراك الحق ومناهج الصواب أحيانًا، بل في حقيقته من «التولي يوم الزحف» عن «مواقع الحراسة» لدين الله والذب عنه، وحينئذٍ يكون الساكت عن كلمة الحق كالناطق بالباطل في «الإثم».

قال أبو علي الدقاق: «الساكت عن الحق شيطان أخرس، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق».

… وما حجتهم إلا المقولات الباطلة:

لا تُصدِّعوا الصف من الداخل.

لا تُثيروا الغبار من الخارج.

لا تُحرِّكوا الخلاف بين المسلمين.

«نلتقي فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه» وهكذا.

وأضعف الإيمان أن يُقال لهؤلاء: هل سكت المبطلون لنسكت، أم أنهم يهاجمون الاعتقاد على مرأى ومسمع ويُطلَبُ السكوت؟ اللهم لا..” ([3]).

يقول عمر الكنزي: “لما قام بعض المشايخ بالدعوة إلى التعاون بين الجماعات الإسلامية لصد عدوان العالمانية توقّف البعض وأنكر البعض، كيف تتعاونوا مع الإخوان المسلمين؟ كيف تتعاونوا مع الصوفية؟ نتعاون معهم على البر والتقوى، ومن البر والتقوى صد عدوان العالمانية الذي يحل في هذه البلاد، فماذا يعني في كون المسلم السلفي يتعاون مع المسلمين حتى وإن كان فيهم انحراف من الصوفية ولا من الإخوان المسلمين ولا من السرورية ولا من غيرهم من التيارات الإسلامية لصد عدوان العالمانية؟ كما تفضل الشيخ يعني، فشيخ الإسلام رحمه الله يقول: (جهاد هؤلاء القوم مع كل أمير وطائفة هي أولى بالإسلام منهم إذا لم يمكن جهادهم إلا كذلك) يعني إذا كان مافي طريقة نُجاهدم إلا بأمير فيه بدعة، هذا الأمير مبتدع عنده انحراف أو عنده تقصير عنده فسق عنده فجور ” ([4]).

ينقل الكنزي عن ابن تيمية مشروعية الجهاد مع الأمير المبتدع أو الفاسق إذا لم يوجد إلا هو لأجل مقاتلة الكفار… والمنتَظَر من الكنزي بعد التقديم بهذا النقل أن يأتي بالصورة المقابلة في الواقع السوداني ليصحح قياسه، لكنه قال: “المشايخ اجتمعوا قبل ذلك ببعض رجالات التصوف المعروفين في هذه البلاد، واحد منهم قال: والله نحنا عندنا تحت أيدينا أكثر من خمسين مسجد، قال من الجمعة الجاية المساجد دي كلها حتتكلم في العالمانية، رجل صوفي معروف لديكم، قال عندنا أكتر من خمسين مسجد تحت أيدينا من الجمعة الجاية كل المساجد تتكلم في العالمانية، فإذا اجتمعنا على البر والتقوى ما الخطأ في ذلك؟” ([5]).

فيُبرر عمر الكنزي المشاركة الدعوية مع القبوريين بأن رجلًا صوفيًا قال: “عندنا أكتر من خمسين مسجد تحت أيدينا من الجمعة الجاية كل المساجد تتكلم في العالمانية “!

أولًا: ظاهر تأصيل عمر الكنزي أنه لا يُقر بأن الأصل هو هجر أهل البدع عند أهل السنة، بل يجعل الأصل في مشاركتهم ومخالطتهم في الدعوة الجواز مطلقًا، بل ويستغرب من الذين يمنعون من ذلك!

مع أنه قد “اشتد نكير السلف والأئمة لها -أي للبدعة- وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض وحذَّروا فتنتهم أشد التحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش، والظلم، والعدوان، إذ مضرة البدع، وهدمها للدين ومنافاتها له أشد” ([6]).

ويقول الله تعالى: “﴿وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا الْآيَةَ. ثُمَّ بَيَّنَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ عُقُوبَةَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَخَالَفَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ الْآيَةَ، فَأَلْحَقَ مَنْ جَالَسَهُمْ بِهِمْ. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي مَجَالِسِ أَهْلِ الْبِدَعِ عَلَى الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي رَجُلٍ شَأْنُهُ مُجَالَسَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ قَالُوا: يُنْهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ، فَإِنِ انْتَهَى وَإِلَّا أُلْحِقَ بِهِمْ، يَعْنُونَ فِي الْحُكْمِ” ([7]).

وقد دلَّ الإجماع والآثار وصنيع السلف على أن الأصل في أهل البدع هو الهجر، فلا يُنتقل عن هذا الأصل إلا لمصلحة راجحة، وهذه بعضها:

قال الإمام البغوي: “وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم” ([8]).

قال الفضيل بن عياض: ” آكل مع يهودي ونصراني، ولا آكل مع مبتدع ” ([9]). وقال: “أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وينهون عن أصحاب البدع ” ([10]).

وقال أبو عثمان الصابوني: “ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم …”، ثم قال: “واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم” ([11]).

وقال أبو إسحاق الهمداني: ” من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ” ([12]).

قال ابن عباس -رضي الله عنه-: ” لا تجالس أهل الأهواء، فإن مجالستهم ممرضة للقلوب” ([13]).

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ” اعتبروا الناس بأخدانهم، فإن المرء لا يخادن إلا من يعجبه” ([14]).

وقال مصعب بن سعد: “لا تجالس مفتونا، فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين، إما أن يفتنك فتتابعه، وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه” ([15]).

والآثار في الباب كثيرة جدًا، وليُراجع في ذلك كتب الاعتقاد المسندة وغير المسندة كـ (الإبانة الكبرى)، (السنة للإمام أحمد)، (السنة لأبي بكر بن الخلال) وغيرها.

ثانيًا: لنفرض أن عمر الكنزي وأصحابه لم يُخلقوا أصلًا، هل مساجد الصوفية كانت ستتوقف عن الكلام عن العلمانية إلى أن يأتي أحد السلفيين ويُعلن التعاون معهم؟ ما هو الأمر المُلحّ الذي لأجله اضطررتم إلى ترك أصل هجر أهل البدع والدخول في خطر المشاركة الدعوية معهم؟!

وأما فيما يتعلق بمختار بدري، فأؤكد قبل التعليق على كلامه: أنني هنا أُعلق على تأصيله فيما يتعلق بالحاكم المسلم عمومًا، حتى لا يُساق هذا المقال على غير وجهه ويُظن أنه دفاع عن القوى العلمانية المشاركة في الحكم الانتقالي الآن!

نقل مختار بدري حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال ﷺ: «ألا إني أوشك أن أدعى فأجيب، فيليكم عمال من بعدي …» الحديث. ثم قال معلقًا عليه: “ قال بيجي بعدهم حكام شغالين هبتلي ساكت، وهنا ما ذكر ليهم طاعة، لاحظ! ديل ما ذكر ليهم طاعة، والرسول ﷺ بيتكلم هنا عن حكام مسلمين …“.

ثم قال: “يبقى إنت عندك صنف كافر، وصنف مسلم صالح يُطاع، وصنف ما كُفّر والنبي ﷺ ذكر حكمه لكن ده ما جاب ليه طاعة وإن لم يُخرج عليه ما عنده طاعة، ما ذكر ليه طاعة، ما قال: وطاعة أولئك طاعة، قالها في الأوائل” ([16]).

فإذن مختار بدري قسَّم الحكام لصنفين، صنف كافر لا بيعة له ولا طاعة، وصنف مسلم على نوعين، الأول صالح وله بيعة وطاعة، والثاني غير صالح فله بيعة لكن ليس له طاعة؛ لأن النبي ﷺ لم ينص على طاعتهم في الحديث.

أما الاستدلال بحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- المتقدم وجعله نصًا في المسألة خطأ بيِّن في الاستدلال، فهو شبيه بمن أراد إنكار شرط الطهارة للصلاة اعتمادًا على ما في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- لما بعث النبي ﷺ معاذًا إلى اليمن وأخبره بأن الله أوجب عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فيقول: (لاحظ، ديل ما ذكر ليهم وضوء ولا طهارة!)

فإن قيل: لكن الطهارة للصلاة ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع، ولم تُذكر هنا لأنها بدهية.

فيقال له: وكذلك طاعة الحاكم المسلم الفاسق الظالم ثابتة بنصوص عامة في القرآن، وبأدلة خاصة صريحة من السنة والآثار والإجماع، فمن أراد التفريق يلزمه دليل صريح في التفريق بين الحاكم الفاسق والحاكم العدل.

وبعضهم يحاول أن يحصر الطاعة في الأمور الشرعية فقط استدلالًا بحديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «إنما الطاعة في المعروف»، وليس المراد بالمعروف هنا الواجب والمستحب فقط، بل كل ما هو ليس معصية فهو من المعروف، ويوضح ذلك عموم ما أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يُؤمر بمعصية الله؛ فإن أُمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة» ([17]) فهذا الحديث يدل على أن السمع والطاعة في كل شيء إلا ما حرَّم الله.

ثم إن مناسبة حديث عليّ -رضي الله عنه- تدل على أن المراد بالمعروف كل ما يُقابل المعصية، ففي قصة الحديث: أن أميرهم أمرَ بمعصية وهي دخولهم النار، فقال ﷺ: «لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف»، قال القرطبي في شرحه لصحيح مسلم: “قوله: «إنما الطاعة في المعروف» إنما هذه للتحقيق والحصر فكأنه قال: لا تكون الطاعة إلا في المعروف، ويعني بالمعروف هنا: ما ليس بمنكر ولا معصية، فتدخل فيه الطاعات الواجبة والمندوب إليها والأمور الجائزة شرعًا“.

ثم لو حُصر المعروف في المستحب والواجب وما عُرف أنه معروف في الدنيا فقط، لما كان لولي الأمر مزية على غيره في الطاعة التي قال الله عنها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59] وكتب الاعتقاد ذكرت السمع والطاعة للحاكم المسلم ولم تستثنِ إلا المعصية ([18]).

وبعضهم يتكئ على نقلٍ لابن تيمية في التفريق بين طاعة الحاكم الفاسق والعدل، وهو قوله كما في (مجموع الفتاوى): “والإمام العدل تجب طاعته فيما لم يُعلم أنه معصية، وغير العدل تجب طاعته فيما عُلم أنه طاعة كالجهاد([19]).

والجواب على هذا بأن يُقال:

أولًا: يُحمل كلام شيخ الإسلام على أن الحاكم الظالم لا يُطاع إلا بعد التأكُّد من أن فعله ليس ظلمًا، وهذا يرجع إلى عدم الطاعة في المعصية عمومًا، لا أنه قسم جديد في مسألة الطاعة.

ثانيًا: لو قيل تنزلًا أنه أراد عدم طاعة الحاكم الظالم إلا في الواجب والمستحب، فإن كلامه مردود؛ لأنه يتعارض مع نصوص القرآن والسنة والإجماع التي لم تُفرِّق في الطاعة بين الفاسق والعدل.

ثالثًا: أن لشيخ الإسلام ابن تيمية كلامٌ كثير يخالف ظاهر كلامه السابق، كقوله: “… عُلم أنه قتال فتنة فلا تجبُ طاعة الإمام فيه؛ إذ طاعته إنما تجب فيما لم يعلم المأمور أنه معصية بالنص([20]).

وقال أيضًا: “ويقولون -أي أهل السنة-: إنه يعاون على البر والتقوى دون الإثم والعدوان، ويطاع في طاعة الله دون معصيته([21]).

وهذه أوجه كافية جدًا لمن كان له قلب ([22]).

ويقول مختار بدري: “حديث برضو في صحيح مسلم، حذيفة بن اليمان قعد في المسجد وكان بيتكلم في أمير، وحذيفة برضو بيتكلم في زمن الخلافة الراشدة، فقام في واحد في زمن عثمان برضو، في واحد قال لحذيفة، قال ليه في قام راجل قعد معاهم في الحلقة في المسجد، قال ليه إن هذا ممن يرفع للسلطان. قال ليه الزول ده بيكتب تقارير، فقال حذيفة إرادة أن يُسمعهُ، قام حذيفة رفع صوته وقال: لا يدخل الجنة قتات. قتات معناه سوّاط ومشَّاطة وقوَّال وبينقَل الكلام، يعني ردّ عليه، يعني قال ليه داير تنقل الكلام؟ هاك الحديث ده، فده كلام السلف في أمراء والله لو قارنتهم بالعلما بتاعين هسي ما يكون في مقارنة مش السلاطين، لو قارنتهم بالعماء الآن مافي مقارنة، فده كلام السلف في أمراء مافي أحد يستطيع يقول ليك ما تتكلم في الأمير ولا بيتكم ولا كأنك بتتكلم عن رب العالمين، مافي كلام زي ده، السلف كانوا بيتكلموا عن الأمراء وأخطاؤهم” ([23]).

قوله: “ حذيفة بن اليمان قعد في المسجد وكان بيتكلم في أمير “، هذه كذبة صلعاء على حذيفة -رضي الله عنه- ولا وجود لها في صحيح مسلم ولا في غيره من الكتب المسندة! وإنما أُخبرَ حذيفة -رضي الله عنه- عن رجلٍ يرفع الكلام إلى السلطان على وجه النميمة والإفساد، فذكر الحديث.

فهذه القصة مجرد تأليف من مختار بدري ليُروّج للناس مذهبه في غيبة الحكام (المسلمين) وأنها جائزة ولا شيء فيها! وحتى يطعن ويُشوه صورة من اتبع الأحاديث والآثار الناهية عن ذلك، والله حسيبه.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله

وسلم وبارك على نبينا محمد

وعلى آله وصحبه

أجمعين

محمد عبدالحفيظ

28 / 8 / 1442هـ

10 / 4 / 2021م

([1]) رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص 243)

([2]) لقاء عبر قناة (شؤون إسلامية) بعنوان: (الثورة السودانية من البداية حتى السرقة). https://www.youtube.com/watch?v=MdIPi5CrVpM

([3]) الرد على المخالف لبكر أبو زيد (ص 77). ط. دار العاصمة 1414هـ.

([4]) محاضرة (جلسة علمية بعنوان: أحكام تتعلق بالحكام) الوقت: (00:39:25). https://www.youtube.com/watch?v=f25bYu_U6dY

([5]) محاضرة: (جلسة علمية بعنوان: أحكام تتعلق بالحكام) الوقت: (01:02:03). https://www.youtube.com/watch?v=f25bYu_U6dY

([6]) مدارج السالكين (1 / 372).

([7]) تفسير الطبري (7 / 142).

([8]) شرح السنة للبغوي (1 / 227).

([9]) شرح السنة للبربهاري.

([10]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/138).

([11]) عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص113).

([12]) الشريعة للآجري (2043).

([13]) الإبانة الكبرى لابن بطة (371).

([14]) الإبانة الكبرى لابن بطة (376).

([15]) الإبانة الكبرى لابن بطة (385).

([16]) محاضرة: صون الأمر من ابتذال مصطلح ولي الأمر (01:51:40). https://www.youtube.com/watch?v=41dt03Wc91A

([17]) البخاري (7144) مسلم (38).

([18]) هذه الأجوبة مستفادة بتصرف من كتاب: الإمامة العظمى تأصيلات أهل السنة السلفيين والرد على شبهات المخالفين (ص75).

([19]) مجموع الفتاوى (29 / 196).

([20]) مجموع الفتاوى (4 / 443).

([21]) منهاج السنة النبوية (1 / 556).

([22]) هذه الأوجه في توجيه كلام ابن تيمية مستفادة من كتاب: (الإمامة العظمى تأصيلات أهل السنة السلفيين والرد على شبهات المخالفين (ص 90). بتصرف يسير.

([23]) جلسة علمية بعنوان: أحكام تتعلق بالحكام (تعقيب) الدقيقة: (04:40) https://youtu.be/3Hm6fRrr9dA


شارك المحتوى:
0