مناقشة الدكتور سلمان العودة –هداه الله- ومن معه في خطابهم الموجه إلى خادم الحرمين بزعم الإصلاح


بسم الله الرحمن الرحيم

مناقشة الدكتور سلمان العودة –هداه الله- ومن معه في خطابهم الموجه إلى خادم الحرمين بزعم الإصلاح

قال الإمام أبو محمد الحسن ابن علي البربهاري رحمه الله تعالى: (مثل أصحاب البدع مثل العقارب يدفنون رؤوسهم و أبدانهم في التراب ويخرجون أذنابهم فإذا تمكنوا لدغوا وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكنوا بلغوا ما يريدون). طبقات الحنابلة(3/77)

لقد ابتليت هذه البلاد المباركة -بلاد التوحيد والسنة- بطائفة من أبنائها كانوا في الماضي قد حملوا شعار الثورة والخروج على ولي أمر المسلمين حقبة من الزمان، بل تعدوا ذلك إلى الطعن في علماء هذه البلاد المباركة وأئمة الدين.

ومنهم –أي الذين كانوا يحملون فكر الثورة ويظهرونه- الدكتور سلمان بن فهد العودة.

فمن كلامه عن حكام المملكة –حفظها الله من شره- قوله في شريط : ( يالجراحات المسلمين ): (الرايات المرفوعة اليوم في طول العالم الإسلامي وعرضه إنما هي رايات علمانية)، ولم يستثن شيئاً منها.

ومن كلامه عن العلماء قوله في شريطه “حقيقة التطرف”:( إن المناصب الرسمية الدينية أصبحت حكراً على فئات معلومة ، ممن يجيدون فن المداهنة والتلبيس ، وأصبح هؤلاء في زعم الأنظمة هم الناطقين الرسميين باسم الإسلام المسلمين ، مع أنه لا دور لهم إلا في مسألتين: إعلان دخول رمضان وخروجه ، و الهجوم على من تسميهم بالمتطرفين)

ومن كلامه عن العلماء قوله في مجلة الإصلاح الإماراتيّة في عددها (223 عام 1992 ص11): أن فتنة العراق والكويت كشفت عن (عدم وجود مرجعيّة علميّة صحيحة وموثوقة للمسلمين بحيث أنها تحصر نطاق الخلاف وتستطيع أن تقدّم لها حلاً جاهزاً صحيحاً وتحليلاً ناضجاً).

وهذا الكلام كان في وقت الإمام عبدالعزيز ابن باز رحمه الله تعالى والإمام محمد بن صالح ابن عثيمين رحمه الله تعالى.

ثم تطور به الأمر وتجاوز الحدود حتى أصدر فيه وأقرانه الشيخ عبدالعزيز بن باز بياناً بالإيقاف.

قال الشيخ ابن باز من عبدالعزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير المكرم نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية وفقه الله

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :

فأشير إلى كتاب سموكم الكريم رقم (م/ب/4/192/م ص) وتاريخ 21– 22 / 3/1414 هـ المتضمن توجيه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بعرض تجاوزات كل من / سفر بن عبد الرحمن وسلمان بن فهد العودة في بعض المحاضرات والدروس على مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الحادية والأربعين المنعقدة بالطائف ابتداء من تاريخ 18/3/1414 هـ ضمن ما هو مدرج في جدول أعماله…وأفيد سموكم أن مجلس هيئة كبار العلماء اطلع على كتاب سموكم المشار إليه ومشفوعة ملخص لمجالس ودروس المذكورين من أول محرم 1414 هـ ونسخة من كتاب / سفر الحوالي ( وعد كيسنجر ) وناقش الموضوع من جميع جوانبه واطلع كذلك على بعض التسجيلات لهما وبعد الدراسة والمناقشة رأى المجلس بالإجماع : ( مواجهة المذكورين بالأخطاء التي عرضت على المجلس – وغيرها من الأخطاء التي تقدمها الحكومة- بواسطة لجنة تشكلها الحكومة ويشترك فيها شخصان من أهل العلم يختارهما معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد فإن اعتذرا عن تلك التجاوزات والتزما بعدم العودة إلى شيء منها وأمثالها فالحمد لله ويكفي وإن لم يمتثلا منعا من المحاضرات والندوات والخطب والدروس العامة والتسجيلات حماية للمجتمع من أخطائهما هداهما الله وألهمهما رشدهما).ا.هـ

وقد طلب إلي المجلس إبلاغ سموكم رأيه هذا وأعيد لسموكم برفقه كتابكم المشار إليه ومشفوعاته، وأسأل الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين وسموكم لما يحبه ويرضاه وأن يعين الجميع على كل خير إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته). ا.هـ من كتاب مدارك النظر. وانظر صورة الخطاب في الرابط التالي:

http://islamancient.com/blutooth/138.jpg

وحذر الشيخ ابن عثيمين من سماع أشرطتهم، فقد سأله سائل: وأيضا يسمعون أشرطة سلمان بن فهد العودة وسفر الحوالي هل ننصحهم بعدم سماع ذلك.

فأجاب الشيخ: بارك الله فيك الخير الذي في أشرطتهم موجود في غيرها وأشرطتهم عليها مؤاخذات بعض أشرطتهم ما هي كلها ولا اقدر أميز لك – أنا – بين هذا وهذا .

فقال السائل : إذن تنصحنا بعدم سماع أشرطتهم؟!

فأجاب الشيخ: أنصحك بأن تسمع أشرطة الشيخ ابن باز وأشرطة الشيخ الألباني أشرطة العلماء المعروفين بالاعتدال وعدم الثورة الفكرية).ا.هـ موجود بصوته في موقع الاسلام العتيق.

http://islamancient.com/blutooth/133.rm

ثم تجاوز الحد بعد ذلك فقام الولاة وفقهم الله بسجنه وأقرانه حمايةً للمسلمين من شرهم، وطاعة للعلماء في ما حكموا به عليهم.

ثم أظهر التغير في السجن وخرج منه وصار مفتياً للقناة التي كان يحذر منها ويعدها من قنوات العهر والفجور –إم بي سي- وصار يخرج في كل جمعة –عبر برنامج الحياة كلمة- وحمل لواء ما يسمى بالتغيير في شهر رمضان الماضي عبر برنامجه اليومي –حجر الزاوية- نعم إنه التغيير!

لكنه تغيير الدين، كما قال عبد الله بن مسعود: (ليس عام إلا الذي بعده شر منه لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام ولا أمير خير من أمير ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فيهدم الإسلام ويثلم). رواه الدارمي وابن عبد البر في جامع بيان العلم.

لقد ظن كثير من الناس أنه تغير وأنه خلع ثوب الثورة والخروج على ولاة الأمر فهل حدث ذلك حقا؟

نعم لقد تلون، لكن لم يتغير.

كما في مقابلته مع تركي الدخيل في برنامج إضاءات.

سأله الدخيل: أودّ أن أسألك تحديداً هناك من يقول بأن هذا التغيّر لدى الشيخ سلمان العودة هو تغيّر استراتيجي من أجل المرحلة، وإلا فهو لم يغيّر تلك الأفكار لنقل القوية التي كانت في التسعينات، لا أريد أن أصفها بوصف غير هذا.

فأجاب العودة: (يعني أقول أنه أصلاً من هو الذي قال إنه والله نحن مثلاً كنا نطرح أفكاراً مثلاً منحرفة وتراجعنا عنها، كما ذكرت لك نحن ربما واجهنا من يكفّرنا في تلك المرحلة، وواجهنا من يفسّقنا ومن يبدّعنا وظهرت الأشرطة، وأحياناً تُدعم من أطراف.. بعض الأطراف الرسمية وتُقام المحاضرات وكُتب في الصحف أشياء كثيرة جداً، بينما من جانبنا للحوار يعني نحن مثلاً مكثنا في السجن خمس سنوات سُئلنا عن كل شيء، لم يكن هناك أي ملاحظة أنه كان هناك نوع من تبنّي أفكار يصدق عليها أنها مثلاً أفكار منحرفة أبداً، لكن في ظل الانقطاع خمس سنوات تمّ تطوير خطابات معينة).ا.هـ.

وكما في صحيفة سبق مع لسان العودة الإعلاني المذيع: فهد السعوي مقدم برنامج الحياة كلمة ونشر في موقع الإسلام اليوم بتاريخ 5/9/2009 حيث سئل: يوجه كثيرون اتهاماً للبرنامج وللشيخ سلمان العودة خاصة بالانقلاب على الخطاب الديني التقليدي؟

فأجاب السعوي: الشيخ سلمان العودة جاءه الكثير من هذه الانتقادات، وأنا شخصياً سألته هل أنبك ضميرك لأنك غيرت نهجك؟ فأجاب أنا لم أغير نهجي وباقٍ عليه).

إذن لم يتغير بل لبس فوق ثوبه الثوري، ثوبه الانفتاحي على جميع الأطياف.

صار يداهن الرافضة من أمثال حسن الصفار.

ويداهن القبوريين من أمثال علي الجفري.

ويداهن العلمانيين من خلال التلطف برموزهم من أمثال محمد عابد الجابري –على حد وصف الكاتب أنور الجندي-.

ويداهن اللبراليين من خلال زيارتهم واستقبالهم كالمنسوب إلى اللبراليين عبدالرحمن الراشد وجمال خاشقجي.

ويخرج معهم جميعاً في القنوات والصحف والمجلات.

حتى صرح عبدالرحمن الراشد في مكاشفاته بقوله: الشيخ سلمان العودة أكثر ليبرالية مني وفق مشاهدتي في هذه الأيام لبرنامجه الناجح على الام بي سي وكتاباته. فهو – جزاه الله عنا كل خير- قدّم صورة حديثة ومنفتحة للمتدين بعيدًا عن التطرف.

وفي حوار سبق مع جمال خاشقجي السبت بتاريخ 19/8/1431

* هل لك أصدقاء من التيار الديني؟ ومن يعجبك من المشايخ؟

-يعجبني الشيوخ الذين يفكرون، منهم الشيخ سلمان العودة والشيخ الطريري…

حتى إنه من شدة ما يُظهر من التغيير مدح نظام زين العابدين بن علي في تونس قبل أن يسقط، بتاريخ {السبت 11 ابريل 2009 } بعد زيارة قام بها لتونس وقال فيه العودة مستغرباً الصورة الذهنية التي يحملها هو وغيره عن تونس وحكومتها: (زرت بلداً إسلامياً, كنت أحمل عنه انطباعاً غير جيد، وسمعت غير مرّة أنه يضطهد الحجاب، ويُحاكم صورياً، ويسجن ويقتل، وذات مؤتمر أهداني أخ كريم كتاباً ضخماً عن الإسلام المضطهد في ذلك البلد العريق في عروبته وإسلاميته. ولست أجد غرابة في أن شيئاً من هذا القيل حدث ذات حين؛ في مدرسة أو جامعة, أو بتصرف شخصي, أو إيعاز أمني, أو ما شابه… وأضاف العودة يروي ما شاهده: (بيد أني وجدت أن مجريات الواقع الذي شاهدته مختلفاً شيئاً ما ؛ فالحجاب شائع جداً دون اعتراض، ومظاهر التديّن قائمة، والمساجد تزدحم بروّادها من أهل البر والإيمان، وزرت إذاعة مخصصة للقرآن؛ تُسمع المؤمنين آيات الكتاب المنزل بأصوات عذبة نديّة، ولقيت بعض أولئك القرّاء الصُّلحاء؛ بل وسمعت لغة الخطاب السياسي؛ فرأيتها تتكئ الآن على أبعاد عروبية وإسلامية، وهي في الوقت ذاته ترفض العنف والتطرف والغلو، وهذا معنى صحيح، ومبدأ مشترك لا نختلف عليه) ا.هـ

ومثل هذا المديح كاله لمن هو أشد وأطغى، فكاله للحكومة الليبية.

كما في حلقة من برنامجه الحياة كلمة بعنوان (جولة) وكانت يوم الجمعة 6/7/1431هـ

وانظر مقالاً بعنوان: سلمان العودة يشيد بالتوافق الحكومي والشعبي في ليبيا

الكاتب: أيمن بريك الاثنين 09 رجب 1431الموافق 21 يونيو 2010

نشر في موقع (الإسلام اليوم)، ثم حذف بعد الأحداث الأخيرة في ليبيا!!!

ثم ما لبث أن أظهر ما يخفيه ويبطنه، لما نزلت الفتن، كما قال البربهاري عن أهل البدع: (أنهم كالعقارب إذا تمكنوا لدغوا).

فلما قامت الثروة في تونس وليبيا ومصر قام يمجد هذه الثورة ويثني عليها.

حتى إن الناس تساءلوا: بالأمس يا سلمان تمدح النظام التونسي والليبي، واليوم تذمه وتدعو للثورة عليه!!

أليس هذا من التناقض؟!

والجواب: كلا.

بل هو تبدل الأدوار وفقه الحركة المرحلية.

إنها طريقة أهل البدع في التلون، حتى يبلغوا ما أرادوا.

وقبل أحداث تونس ومصر وليبيا نزلت فاجعة جدة فاستغلها وصار يثير الناس على ولاة الأمور وصار ينفخ فيها، وقبلها حادثة السيول التي وقعت في الرياض.

ولما طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، أُوقف برنامجه –الحياة كلمة- الذي يذاع في كل جمعة، فجن جنونه، ثم ما لبث أن ظهر بثوبه الثوري القديم، فأخرج قبل أيام مع زمرة –غير مأسوف عليها- بياناً موجهاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله. حفظه الله تعالى.

فبماذا يطالب العودة ووزمرته؟

إنهم يطالبون بعدة أمور منها :

*الديمقراطية، فقد طالبوا بإنشاء مؤسسات المجتمع المدني، ولمن لا يعرف ما مؤسسات المجتمع المدني فليعرف أنها: السماح للأحزاب والجماعات أن تتحزب على أي عقيدة أو فلسفة دينية أو غير دينية شرعية أو محرمة أو كفرية ولها مطلق الحرية أن تظهرها وتدعوا إليها. .

*وطالبوا بانتخاب أعضاء مجلس الشورى جميعا.

*وطالبوا بفصل مجلس الوزراء عن الملك حتى تكون المملكة العربية السعودية كالمملكة البريطانية، ففي بريطانيا يكون حكم الملك أو الملكة شرفي صوري، والحكم الحقيقي لرئيس مجلس الوزراء ووزراؤه الذين ينتخبهم الشعب.

*وطالبوا بالإسراع في حل مشكلة الفقر والبطالة.

*وطالبوا بالإفراج عن المساجين.

*وطالبوا بإطلاق الحرية و التعبير وفتح المشاركة العامة وإبداء الرأي.

فأين الدين في خطاب العودة هذا؟! فإن سلمان العودة إنما ظهر للناس وتبعوه وعرفوه باسم الإصلاح الديني.

لماذا لم يطالب مثلاً بتعزيز الاقتصاد الإسلامي في مقابل تحجيم النظام الرأس مالي المبني على الربا؟!

ولماذا لم يطالب بضبط وسائل الإعلام الرسمية، وتنقيتها من المنكرات كصور النساء؟!

ولماذا لم يطالب بالحزم في وجه الرافضة في الشرقية، والإسماعيلية في الجنوب، والصوفية في الغربية والإحساء؟!

وأين مطالباته السابقة عن مقاومة التبشير، والمد التنصيري عبر بعض الشركات والمؤسسات؟!

وأين المطالبة بدعم الدعوة الإسلامية في داخل البلاد وخارجها؟!

وأين المطالبة بدعم رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!

لماذا لم يتكلم هو وزمرته عن إصلاح الدين وعن المنكرات؟!

بل كل خطابهم عن الدنيا.

وكل مبتغاهم الملك والرئاسة. لماذا؟

الجواب: أن ذلك لسببين:

الأول: أن جدهم (ذو الخويصرة) الذي خرج على النبي صلى الله عليه وسلم طالبه بالمال والدنيا، فقال يا محمد: اعدل، والله ما هذه قسمة أريد بها وجه الله.

قال ابن تيمية -في منهاج السنة النبوية- بعد إيراده نصوصاً في الصبر على الأئمة وحاكياً حال سلمان وأمثاله الذين خرجوا لأجل الدنيا، قال –رحمه الله-: (وبالجملة العادة المعروفة أن الخروج على ولاة الأمور يكون لطلب ما في أيديهم من المال والإمارة وهذا قتال على الدنيا).ا.هـ

السبب الثاني: لعدم ذكر الدين في خطاب العودة: لأنه يريد بذلك أن يجيش خلفه جميع الطوائف الدينية، والسياسية، والقبلية، هذا في الداخل.

وأما الخارج فإنه يريد أن يقدم نفسه للغرب الأوروبي والأمريكي كمصلح سياسي أو وطني لا ديني حتى يضيفهم إلى رصيده الموهوم.

فخطابه ومطالبه سيوافق عليها ولن يخالفها أحد من البشر.!

وأولهم جميع الطوائف والأحزاب الدينية في داخل المملكة كالرافضة والصوفية والإخوانية والتبليغية والتحريرية.

ومثلهم الحركات السياسية اللبرالية والعلمانية والقومية وغيرها.

ومثلهم جيل الفيس بوك وتويتر واليوتيوب: الشباب والشابات الذين يحلم كل واحد منهم بالثروة، والمال.

بل سيوافق على خطابه: أيهود باراك اليهودي، وباراك أوباما الأمريكي.

فكل واحد من هؤلاء يتمنى: ما يطالب به العودة من قيام مؤسسات المجتمع المدني، وهي الأحزاب والجماعات التي لها حق الترشح والانتخاب، والوصول إلى الحكم بأقصر طريق، كما يظنون.

وهذا الذي قصده وهو جمع أكبر عدد من الموافقين والمشاركين له، صار يسعى إليه عبر الدعوة للانضمام إلى موقع جعله لهذا الغرض.

ولو أنه طالب بالإصلاح الديني المتقدم، الذي أمر الله به –وبالطريقة الشرعية التي بينها رسول الله- لنفض هؤلاء جميعاً أيديهم منه، لأنه سيكون بذلك خصماً لهم، فكيف يؤيدونه، وينتخبونه؟!

إن سلمان العودة وزمرته وأمثالهم يحاولون أن يصوروا للناس أن هذا البلد مثل البلاد التي قامت فيها الثورات!

ولكن ليعلم كل عاقل مؤمن يرجو الله والدار الآخرة أن هذه البلد وولاته ليست كأي بلد، فضلا أن تكون كالبلاد التي قامت فيها الثورات الأخيرة.

لا أقولها والله لأني صاحب حميَه أو مواطن. كلا.

بل أقولها والله لأني أحب هذا البلد لله تعالى.

أحب هذا البلد لأنه البلد الوحيد الذي يدعو للتوحيد وينهى عن الشرك، ويطبع كتب التوحيد ويوزعها للعالم، وغيرهم ربما حارب التوحيد ونصر الشرك والكفر.

أحب هذه البلد لأنه البلد الوحيد الذي يدعو للسنة وينهى عن البدع، وغيرهم ربما حارب السنة ونصر البدعة.

أحب هذا البلد لأن ملوكه وأمراءه يصرحون بأنهم يحكمون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيرهم يتبرؤون من الحكم بالشريعة.

أحب هذه البلد لأنه البلد الوحيد الذي يوجد فيه مؤسسة حكومية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيره ربما حارب أهل الحسبة ورمى بهم في السجون.

أحب هذا البلد لأنني أدعوا فيه إلى الله دون أن يمنعني أحد، وغيره يشرد بهم ويطاردهم.

أحب هذا البلد لأن زوجتي تلبس الحجاب فيه دون أن يؤذيها أحد، بل ينكر على المتبرجة والسافرة عبر المؤسسة الحكومية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرهم ربما خلع حجاب المرأة المسلمة، وحرمها من التعلم والعمل إذا لبسته.

أحب هذا البلد لأن أولادي يتعلمون القرآن بدعم الولاة في بيوت الله تعالى، وغيرهم ربما أغلق دور القرآن.

وأحب هذا البلد وأحبه و أحبه رضي من رضي وسخط من سخط.

أفهذا من العدل أفهذا من الإنصاف أن يصوروا للناس أن هذا البلد مثل البلاد التي قامت فيها الثورات!

وليس معنى ذلك أو من لازمه: أن هذا البلد وولاته وشعبه معصومون. كلا والله.

فنحن نخطئ ونذنب وولاتنا يذنبون ويخطئون.

لكن ما طريقة الإصلاح التي أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟!

لماذا لم يناد هؤلاء وعلى رأسهم الدكتور سلمان العودة، لماذا لم يناد بتكميل الخير الموجود واستثماره وزيادته؟

وتقليل الخطأ وإنكاره ومحاولة محاصرته.

لا أن ينادي وزمرته بزوال الحكومة تماما ليبقى الملك ملكاً صورياً.

لتأتي بعد ذلك الأحزاب الدينية كالرافضة والقبورية والإخوانية والتبليغية والسرورية والتحريرية، أو الأحزاب المادية كاللبرالية والعلمانية والقومية والاشتراكية وغيرها.

هل غاب عنه وزمرته أن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة.

إن المصلحة التي ينادون بها لا تعدو المصالح الدنيوية كإزالة الفساد المادي والإداري، وغيره مما تقدم.

أما المفسدة بل المفاسد فحدث ولا حرج، ومنها:

*تحويل المجتمع الواحد، الذي جمع الله فيه الناس على عقيدة السلف الصالح حول ملوكه وأمرائه إما رغبة وإما رهبة، تحويله إلى مجتمع متفكك، متفرق إلى شيعٍ وأحزاب كل حزب بما لديهم فرحون.

*ظهور أهل الكفر كالعلمانيين، وظهور أهل الشرك كالقبوريين والرافضة، وظهور أهل البدع كالإخوان المسلمين والتبليغيين، بعد أن كان الجميع مقموعين، تحت راية التوحيد والسنة، ومختفين بين الناس، فسوف يصير لكل واحد من هؤلاء في المجتمع المدني حزبه الذي يدعو إليه، بل يأمل الوصول به إلى الحكم.

فكيف إذا كانت المفسدة المتوقعة مفسدة دينية متحققة، والمصلحة مصلحة دنيوية مظنونة.

فأيهما أولى الصبر على فوات شيء من الدنيا مع بقاء الدين شامخاً عزيزاً.

أم الفرح بشيء من الدنيا مع فوات التوحيد والسنة؟ مالهم كيف يحكمون.

ثم لننظر قبل ذلك كله ما الذي أمرنا الله ورسوله به إذا رأينا من ولاتنا ما نكرهه؟!

ولن أحدث إلا عن من نتفق وإياهم على فتواه، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في الصحيحين قال عبادة رضي الله عنه:(بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرةٍ علينا) أي:إن السمع والطاعة ولو أستأثر ولي الأمر بالأموال والدنيا.

ثم قال: (وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) وسلمان وزمرته يريدون أن ينازعوا ولاة الأمر من أجل الدنيا.

وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة قال صلى الله عليه وسلم:(يكون بعدي أئمة من بعدي لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي)

لاحظ أن الكلام عن ولاةٍ لا يهتدون بهدي رسول الله ولا يستنون بسنة رسول الله

ثم قال: وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس) فقال حذيفة: كيف أصنع يارسول الله إن أدركت ذلك؟!

فقال صلى الله عليه وسلم (تسمع وتطيع للأمير وأن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع).

فكيف إذا كان الولاة يحكمون بالشريعة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويعلمون التوحيد والسنة وينهون عن الشرك والبدعة؟!!

وأشهد الله شهادة وملائكته، سيسألني الله عنها: أن ولاتنا يحكمون بالشريعة، ويأمرون بالتوحيد وينهون عن الشرك ويدعون إلى السنة وينهون عن البدعة، وهم مع ذلك غير معصومين. وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم: (سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا) ومعنى الأثرة: أي أمراء يأخذون أكثر الدنيا.

ثم قال: (وأمور تنكرونها) أي: يأتي الأمراء بمنكرات تنكرونها ويعصون الله بها (قالوا يا رسول الله ماذا تأمرنا، قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم).

هذا هو الحل من رسول الله في البخاري ومسلم وهما أصح كتابين عند أهل السنة بعد كتاب الله

قال: (تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم) لماذا أمرنا الله إذا جار الحكام أن نؤدي حق الله وحق الناس؟!

لأن الولاة يسلطهم الله على من ظلم وجار.

كما قال سبحانه: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون)

فالله يولي الظالم على الظالمين بما كانوا يكسبون.

فإن من حكمة الله تعالى أن يولي الظالم على الظلمة وأن يولي العادل على أهل العدل.

قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: (وتأمل حكمته تعالى في تسليط العدو على العباد إذا جار قويهم على ضعيفهم ولم يؤخذ للمظلوم حقه من ظالمه كيف يسلط عليهم من يفعل بهم كفعلهم برعاياهم وضعفائهم سواء وهذه سنة الله تعالى منذ قامت الدنيا إلى أن تطوى الأرض ويعيدها كما بدأها وتأمل حكمته تعالى في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم فإن استقاموا استقامت ملوكهم وإن عدلوا عدلت عليهم وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم وإن ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك وإن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق وبـخلوا بها عليهم وإن اخذوا ممن يستضعفونه مالا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك مالا يستحقونه وضربت عليهم المكوس والوظائف وكل ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة فعمالهم ظهرت في صور أعمالهم وليس في الحكمة الإلهية أن يولى على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم ولما كان الصدر الأول خيار القرون وأبرها كانت ولاتهم كذلك فلما شابوا شابت لهم الولاة فحكمه الله تأبى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبدالعزيز فضلا عن مثل أبي بكر وعمر بل ولاتنا على قدرنا وولاة من قبلنا على قدرهم وكل من الأمرين موجب الحكمة ومقتضاها ومن له فطنه إذا سافر بفكره في هذا الباب رأى الحكمة الإلهية سائرة في القضاء والقدر ظاهرة وباطنة فيه كما في الخلق والأمر سواء).ا.هـ

وقال الحسن البصري: هؤلاء – يعني الملوك – وإن رقصت بهم الهماليج ووطئ الناس أعقابهم فإن ذل المعصية في قلوبهم إلا أن الحق ألزمنا طاعتهم ومنعنا من الخروج عليهم وأمرنا بأن نستدفع بالتوبة والدعاء مضرتهم، فمن أراد به خيراً لزم ذلك وعمل به ولم يخالفه ا.هـ (آداب الحسن البصري لابن الجوزي )

وقال رحمه الله: اعلم – عافاك الله – أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تتقى وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لقيت بالسيف كانت هي أقطع ا.هـ (آداب الحسن البصري لابن الجوزي )

وأخرج الآجري في الشريعة: عن عمر بن يزيد قال: سمعت الحسن أيام يزيد بن المهلب قال: وأتاه رهط فأمرهم أن يلزموا بيوتهم، ويغلقوا عليهم أبوابهم، ثم قال: والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبَل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلوا إليه، ووالله ما جاءوا بيوم خير قط، ثم تلا: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) ا.هـ

وقال الطرطوشي -رحمه الله في سراج الملوك-: (لم أزل أسمع الناس يقولون: (أعمالكم عمالكم، كما تكونوا يولى عليكم) إلى أن ظفرت به في قوله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).

وقال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: (فتنة كل زمان بحسب رجاله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وفتن ما بعد ذلك الزمان بحسب أهله وقد روي أنه قال: كما تكونوا يولى عليكم وفي أثر آخر يقول الله تعالى أنا الله عز وجل ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي من أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة فلا تشتغلوا بسب الملوك وأطيعوني أعطف قلوبهم عليكم… والذنوب ترفع عقوبتها بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة).

وقال شيخنا الشيخ ابن عثيمين –كما في موقعه عبر الشبكة-: أيها الناس فإننا إنما نتلوا عليكم ما سبق من سيرة الخلفاء الراشدين لا لمجرد القصص والتسلية ولا لأنها أساطير تنشر ولكن نقصها عليكم للاعتبار بها وبيان ما كان عليه سلف الأمة من الأئمة الصالحين والرعاة المجتهدين إنكم قد تقولون إن هذا الطراز من الخلفاء قد أنقضى واندثر ومضى عليه قرون لم يأت مثله وهذا هو الأمر الواقع وذلك لأن الله سبحانه وتعالى بحكمته ربط الأمور بأسبابها وجعل الرعية والرعاة جعلهم متناسبين متكافئين وكما سمعتم في الأثر:كما تكونون يولى عليكم إن هذا الخليفة الراشد الذي تلونا عليكم شيئا من نير حياته إنه رضي الله عنه كان خليفة على قوم هم من أنصح الناس لرعاتهم ومن أنصح الناس لدينهم ومن أشد الناس أمانة لما فتحت المدائن وكانت عاصمة الفرس جيء بتاج كسرى من المدائن في أقصى العراق إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ليلقى بين يدي الخليفة هذا التاج العظيم الذي ذكروا بأنه قد حمله بعيران من العراق إلى المدينة لأنه تاج عظيم مرصع بالذهب والآلي والجواهر فلما ألقي بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتأمله وتأمل هذا التاج وما فيه من خرز اللؤلؤ ومرصع بالذهب وإذا هو لم يسحب منه خرزة واحدة فقال رضي الله عنه إن قوما أدوا هذا لأمناء،فقال له: أمنت فأمنوا يعني أنك لما كنت قائماً بالأمانة خير قيام كانوا كذلك هم أمناء وكذلك نقول لما كانوا أمناء ولى الله عليهم أمناء “فكما تكونون يولى عليكم “أما الآن وفي وقتنا فإن الخيانة ومع الأسف موجودة في المسئولين تحت الخلفاء وموجودة في الرعية بعامة الناس فما تكاد ترى إنسانا مسئولاً إلا إذا تدبرت أمره وجدت فيه خيانة أما بأكل المال بالباطل وإما بالتخلف عن الحضور وإما بالتعجل بالخروج قبل أن ينتهي الدوام وإما بغير ذلك من أسباب الخيانة التي لا تكاد تجد موظفاً كبيرا أم صغيراً إلا وجدته متصفاً بها فكيف يكون هؤلاء الرعية كيف تكون حالهم وكيف يريدون أن يولي الله عليهم مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنهم إذا حاولوا ذلك أو فكروا فيه فإنهم في الحقيقة سفهاء لأن ذلك ينافي حكمة الله عز وجل.ا.هـ

فالحل الذي يحبه الله ويرضاه: أن يرجع الناس إلى ربهم، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، فطريق الإصلاح الذي رسمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يبدأ كل واحد منا بنفسه وأسرته ومجتمعه، فإذا أصلحنا أنفسنا ومن حولنا أصلح الله ولاتنا قال الله تعالى: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا)، وقال سبحانه :(فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهاراً) وقال سبحانه: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) فهذا طريق النجاح والفوز والسعادة في الدنيا والأخرة التوبة إلى الله، لا أن نخالف أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ننازع الأمر أهله، كما يريد الدكتور سلمان العودة وزمرته أسأل الله أن يهديهم إلى الحق والصواب، وأن يكفينا شرهم وفتنتهم.

كتبه

مدير المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات

بحي العزيزية بمدينة الرياض

حمد بن عبدالعزيز العتيق

25 – 3 – 1432هـ


شارك المحتوى: