ما هي الجامية ومن هم الجاميون؟


ما هي الجامية ومن هم الجاميون؟

(1)

أثار حديث الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ في أثناء تقديمه العزاء في وفاة الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي – رحمه الله – في جازان ردود فعل متباينة؛ ما بين موافقة مؤيدة وناقدة معارضة،

فما هي الجامية؟ ومن هو مؤسسها الذي تنسب إليه؟ وهل هي فرقة واضحة المعالم؟ ولم ووجه الشيخ عبد اللطيف بحملة عنيفة وواسعة من جماعة الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معها أو المتأثرين بأفكارها من قريب أو بعيد؟!

يعد الشيخ محمد بن أمان بن علي الجامي 1349هـ – 1416هـ والمولود بالحبشة أحد التلامذة المخلصين للمنهج السلفي؛ فقد تلقى العلم الشرعي على أبرز أعلام هذا المنهج بدءا بتلقيه دروساً في الفقه الشافعي على الشيخ محمد أمين الهرري، ثم رحيله إلى مكة والمدينة وتلقيه العلم على أبرز علمائهما؛ ومنهم المشايخ: عبد الرزاق حمزة وعبد الحق الهاشمي ومحمد عبد الله الصومالي، والتقى بالشيخ عبد العزيز بن باز، وطلب العلم على يديه وتأثر به وصاحبه ودرس في المعهد العلمي بالرياض سنة افتتاحه أوائل السبعينيات الهجرية من القرن الماضي، ثم التحق بكلية الشريعة انتسابا وحصل على شهادتها، ثم الماجستير من جامعة البنجاب، ثم الدكتوراه من كلية دار العلوم بالقاهرة. وممن تلقى العلم على يديهم من أعلام المنهج السلفي المشايخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وحماد الأنصاري، وعبد الرحمن الأفريقي، ومحمد الأمين الشنقيطي، ومحمد خليل هراس وعبد الله القرعاوي وغيرهم. بدأ الشيخ محمد أمان الجامي رحلته إلى بلادنا لطلب العلم الشرعي منذ عام 1369هـ وواصل طريق الدرس والتلقي ثم التعليم والمحاضرة والمشاركة في القضايا والشؤون العامة إلى أن توفي رحمه الله عام 1416هـ أي أنه قضى بيننا أكثر من سبعة وأربعين عاما بين متعلم ومعلم ووفد إلى ديارنا، وهو ابن السابعة عشرة من عمره!

وما دامت هذه سيرة الشيخ محمد أمان فلم هذه الحملة الشعواء على منهجه الفكري؟ ولم يحتد نفر ممن ينتمون إلى الإخوان المسلمين وغيرهم من مريدي الفوضى والانقلاب وإسقاط الدولة في الهجوم عليه وعلى منهجه؟!

الحق في هذه المسألة أن الشيخ محمد أمان الجامي ليس المقصود لذاته؛ بل إن المقصود المعني هو المنهج السلفي المعتدل نفسه الذي نهضت عليه هذه الدولة المباركة، وتستدعي هذه الخطة توجيه الهجوم الحزبي وتركيزه على من يتوقع أن يكون «المنقزة القصيرة» لهدم وتقويض الأسس التي قامت عليها الدولة بغية في إسقاطها؛ ومن أهم ما قامت عليه هذه الدولة إعلان الولاء لأئمتها وحكامها وطاعتهم في المنشط والمكره، والتعاون معهم بشتى الطرق والوسائل للحفاظ على الأمن والاستقرار ومعايش الناس وأرزاقهم ومصالحهم، ونبذ كل ما يدعو إلى الفرقة والشتات وفت عضد أبناء البلاد أو تكوين اتجاهات فكرية حزبية تضعف البناء الاجتماعي وتدك إسفين الخراب فيه. ولأن موقف الشيخ محمد أمان الجامي المؤيد للدولة في صحة اتخاذها ما تراه مناسبا للحفاظ على كيان الدولة وحماية البلاد إبان فتنة غزو العراق للكويت عام 1411-1412هـ وما صاحبها من ضجيج تيار الإخوان المسلمين وبدء ظهور خطابهم في فضائنا الفكري والسياسي بصورة واضحة جلية؛ شن عليه هذا التيار الحزبي حملة عنيفة؛ ليس هو المقصود لذاته – كما أسلفت – وإنما كل من يقف موقفه من المشايخ والعلماء الذين رأوا أن المصلحة تقتضي تأييد ما اتخذته الدولة من خطوات سياسية وعسكرية إبان تلك الأزمة.

لقد أمعن الإخوان في التعريض بمحمد أمان وصبوا عليه وعلى من آمن بمنهجه الويلات والشتائم ما كشف بجلاء عن نياتهم المبطنة الهادفة إلى إسقاط التأييد الشرعي للدولة بإشاعة عدم الاحترام والتقدير لموقف العلماء السلفيين الثقات، وإذا نجحوا في ذلك – كما يزعمون – سهل عليهم الالتفاف على الناس وإملاء أفكارهم الداعية إلى الفوضى! لقد قام منهج الإخوان على هدم مفهوم الوطنية في النفوس.. يتبع

(2)

إن الغاية الدنيئة السافلة التي يرمي إليها الحزبيون ومن لف لفهم من المتطلعين إلى التغيير لذاته ركوبا على الموجة واستجابة نفسية غبية لدواعي الأحداث السياسية التي تمر بها الأقطار العربية في مرحلة ما يسمى بالربيع العربي «وهو في حقيقته: الدمار العربي» قد انكشفت وأسفرت عن وجهها القبيح بما لا يدع أي مجال للشك في الأهداف الحمقاء التي يتطلعون إلى تحقيقها؛ لتُدخل بلادنا في حلبة الفوضى والتدمير العاصفة التي نتفرج عليها الآن بألم وحسرة؛ لما يعانيه إخواننا وأشقاؤنا في عدد من الدول العربية التي ابتليت بالخريف العربي الدموي الأحمر!

ولنأت الآن إلى ما يطنطن به الحزبيون في ذم وقدح منهج من ينعتونهم بالجاميين: فما يصف به الفوضويون وراغبو التغيير كل وطني أو مخلص لبلاده ومدافع عن قيادتها بأنه «منافق» أو «وصولي» أو « مرتزق» أو «مداهن» أو من «مشايخ السلطة» وما إلى ذلك من أوصاف انتحلوها وألصقوها بكل من لا يتفق معهم في منهجهم التقويضي الهدام؛ لم ينطلق من فراغ، ولم يأت هكذا وليد لحظة فكرية عابرة أو موقف نقدي مؤقت ساخط؛ بل هو موقف فكري سياسي مدروس يراد منه الضرب المستمر والمتوصل بدون كلل ولا ملل في بنية الدولة وفض العلاقة الوثيقة بين السياسي والشرعي ؛ ليظل الأول في العراء؛ فلا يجد من يمنحه التأييد الشرعي، وليكون الثاني وحيدا بدون حام سياسي ؛ فيسهل نهشه وافتراسه وإراقة دمه على رؤوس الأشهاد! هكذا يخطط التقويضيون والفوضويون لبلادنا، فأي حريص على وحدة الوطن وتلاحم أبنائه مع قيادته وصولي مرتزق مداهن طامع في منصب أو مال أو جاه!

وأي عالم دين يقول كلمة حق مخلصة صادقة لأهله يريد بها وجه الله وإبراء الذمة شيخ سلطة منافق منتفع، أو خائف لا يملك الشجاعة على إعلان موقفه الحقيقي من الأحداث والمستجدات!

يعمل الحزبيون من الإخوان وغيرهم على السعي إلى هدم هذا البنيان الصامد بين السياسي والشرعي لما يقرب من ثلاثة قرون بالفصل بينهما وإشاعة الضغينة والفرقة ، ودق إسفين الخلاف بين المنتمين إلى طبقة علماء الدين، وتكوين جماعة دخيلة على العلم الشرعي تتمسح به وتظهر في خطابها اتكاءها على بعض الرؤى الشرعية من هنا وهناك للتدليس على العامة واكتساب مصداقية لديهم ؛ بينما لا يخفى على ذي لب بصير تقلبهم وازدواجيتهم وموالاتهم أعداء الدين من العسكر الطغاة كالهالك القذافي الذي خطب أحدهم في مسجده بعد أن دعاه ليشد به عضده حين حاقت به الدوائر وأدخله إلى السجون والمعتقلات في طرابلس لمناصحة الثائرين عليه وردهم إلى منهج السلف كما كان يتوهم العقيد!

وهكذا فعل آخر حين رحل إلى مصر وخطب في مساجدها بعد أن اعتلت الجماعة هرم السلطة ؛ وما رحيله إلا موقف ضمني مؤيد بصورة أو بأخرى لتجربة الجماعة التي كانت في عز نشوتها بتكرارها في أقطار أخرى! هم حزبيون متلونون، لم يعد يخفى منهجهم ، وقد انكشفت أوراقهم موقفا إثر موقف ، وسنة بعد أخرى، من خلال اندفاعهم الأحمق مع اشتعال ما سمي بالربيع العربي وتضامنهم مع مقدماته التي يعلم بعضهم من الراسخين في علم الجماعة وصلاتها التنظيمية مع دول أجنبية كبرى ما توعد به المنطقة العربية من خطط تغيير، وكانوا يمهدون لذلك ويؤسسون له من خلال نشاطاتهم الفكرية المحمومة وأكاديمياتهم ورحلاتهم المشبوهة إلى الشرق والغرب وغيرها من التحركات التي لم تكن تخفى على المتابع الحصيف ؛ فكيف بأجهزة الدولة التي ترصد المشبوهين وذوي السوابق الفكرية؟!.

إن الاتهام بـ»الجامية» اعتراف مكشوف من المتهم إلى المتهَم بأن الأول حزبي تقويضي هدام وأن الثاني وطني مخلص صادق الولاء والانتماء! الاتهام بالجامية شرف كبير يعتز به كل من وجهت إليه تهمة «الجامية» لأنها تعني الصدق والإخلاص وحب الوطن والذود عن وحدته وأمنه واستقراره.

د. محمد بن عبد الله العوين

moh.alowain@gmail.com mALowein@


شارك المحتوى: