تعقيب على زيارة المساجد السبعة والفتوى الخاطئة للداعية صالح المغامسي


تعقيب على زيارة المساجد السبعة والفتوى الخاطئة للداعية صالح المغامسي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد

فقد قرأت في صحيفة الرياض في يوم الخميس 1437/10/2 خبرا عن المساجد السبعة الموجودة في المدينة النبوية وفيه المطالبة بفتحها للزوار ؛ وقد استند كاتب الخبر إلى فتوى خاطئة من الداعية الواعظ صالح المغامسي وفقه الله لهداه الذي أكد – كما جاء في الخبر – أن زيارتها للعبرة وتذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليست محظورة ، وإنما الحظر هنا للتبرك والتوسل وهذا غير موجود في ثقافة المواطن أو حتى الزائر؛ حيث إن الدين واضح ولله الحمد ولا لبس فيه!!!

وأقول هذا كلام مردود للوجوه التالية :

الوجه الأول :

عدم ورود الدليل الشرعي على تخصيص تلك المساجد بالزيارة كما هو الحال بالنسبة لمسجد قباء , والعبادات كما هو معلوم مبناها على الاتباع لا على الابتداع .

الوجه الثاني :

أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على اقتفاء سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يعرف عنهم زيارة تلك المساجد أو الأماكن الأثرية ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ( كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجا وعمارا ومسافرين ولم يقل أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبا لكانوا إليه أسبق فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم ) ( اقتضاء الصراط المستقيم 2/748 ) .

الوجه الثالث :

المنع من زيارتها سدا للذريعة ، وهذا المنع يدل عليه عمل السلف الصالح وعلى رأسهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فعن المعرور بن سويد رحمه الله قال : ” خرجنا مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه فقال عمر : ما شأنهم ؟ فقالوا : هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعا فمن عرضت له فيه صلاة فليصل ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض “

( أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها وصححه ابن تيمية في المجموع 1/281 )

قال شيخ الإسلام – رحمه الله – معلقا على هذه القصة : ( لما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه ، بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة ، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها ، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك ، ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة ، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب ، وهذا هو الأصل فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل”

(مجموع الفتاوى 1/281 )

وورد في قصة أخرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقطعت ” ( أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها ، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/375 ، وصحح إسناده ابن حجر في فتح الباري 7/448 ، وقال الألباني رحمه الله : رجال إسناده ثقات ) ، قال ابن وضاح القرطبي رحمه الله : ( وكان مالك ابن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قباء وأحدا ) ( البدع والنهي عنها ص43 ) والمراد بقوله أحدا : زيارة قبور شهداء أحد .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله – : ( ولهذا لم يستحب علماء السلف من أهل المدينة وغيرها قصد شيء من المزارات التي بالمدينة وما حولها بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد مسجدا بعينه يذهب إليه إلا هو)

(مجموع الفتاوى 17/469 ) .

وقال سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله – بعد أن ذكر المواضع التي يشرع زيارتها في المدينة:

)أما المساجد السبعة ومسجد القبلتين وغيرها من المواضع التي يذكر بعض المؤلفين في المناسك زيارتها فلا أصل لذلك ولا دليل عليه والمشروع للمؤمن دائما هو الاتباع دون الابتداع (

)فتاوى إسلامية 2/313 )

وقال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله:(ليس هناك شيء يزار في المدينة سوى هذه : زيارة المسجد النبوي ، زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، زيارة البقيع ، زيارة شهداء احد ، زيارة مسجد قباء ، وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل له )

( فقه العبادات ص 405 )

وقد يظن بعضهم أن اشتراط عدم اعتقاد فضلها كاف في تسويغ الذهاب إليها أو إلى غيرها من الأماكن الأثرية وهذا مردود للأسباب التالية :

أولا : السلف الصالح – رحمهم الله – منعوا الذهاب إليها مطلقا دون تفصيل .

ثانيا : أن الذهاب إليها وتخصيصها بالزيارة لكونها على أرض المدينة التي شهدت ظهور الدعوة وبها مواقع بعض الغزوات دليل اعتقاد فضلها إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في القلب لما انبعث القلب لتخصيصها بالزيارة .

ثالثا : لو سلمنا جدلا عدم وجود اعتقاد فضيلتها عند زيارتها فإن زيارتها ذريعة إلى ذلك وإلى حدوث ما لا يشرع ، وسد الذرائع مما جاءت به الشريعة كما لا يخفى بل إن العلامة ابن القيم – رحمه الله – ذكر تسعة وتسعين وجها يدل على هذه القاعدة ثم بعد أن ذكر الوجه التاسع والتسعين قال : ” وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف ، فإنه أمر ونهي ، والأمر نوعان أحدهما : مقصود لنفسه ، والثاني : وسيلة إلى المقصود ، والنهي نوعان أحدهما : ما يكون النهي عنه مفسدة في نفسه ، والثاني : ما يكون وسيلة إلى المفسدة ، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين “

(إعلام الموقعين 3/143 )

رابعا : التغرير بالجهال عندما يشاهدون كثرة من يزور تلك المساجد أو الأماكن الأثرية فيعتقدون أنه عمل مشروع .

خامسا : أن التوسع في ذلك والدعوة إلى زيارة الأماكن الأثرية كجبل أحد وجبل النور بقصد السياحة والترفيه ذريعة من ذرائع الشرك ، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم ( 5303) المنع من صعود غار حراء لهذا الأمر ؛حيث جاء في الفتوى:

“الصعود إلى الغار المذكور ليس من شعائر الحج ، ولا من سنن الإسلام ، بل إنه بدعة ، وذريعة من ذرائع الشرك بالله ، وعليه ؛ ينبغي أن يمنع الناس من الصعود له ، ولا يوضع له درج ولا يسهل الصعود له ؛ عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق على صحته . وقد مضى على بدء نزول الوحي وظهور الإسلام أكثر من أربعة عشر قرنا ، ولم نعلم أن أحدا من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا صحابته ، ولا أئمة المسلمين الذين ولوا أمر المشاعر خلال حقب التاريخ الماضية أنه فعل ذلك ، والخير كل الخير في اتباعهم والسير على نهجهم ؛ حسبة لله تعالى ، ووفق منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسدا لذرائع الشرك ” انتهى .

“فتاوى اللجنة الدائمة” (11/359 )

وأما قوله : أن الحظر هنا للتبرك والتوسل وهذا غير موجود في ثقافة المواطن أو حتى الزائر؛ حيث إن الدين واضح ولله الحمد ولا لبس فيه!! فهذا كلام عجيب لأنني أعمل عضوا في التوعية الإسلامية في الحج والعمرة منذ سنوات عدة وكثيرا ما أرى ويرى غيري من زملائي المشايخ الجهل من بعض الحجاج والزوار ووقوعهم في التبرك الممنوع الذي هو أحد أسباب منع العلماء من زيارة تلك المساجد السبعة ؛ وأما قوله: إن الدين واضح فأقول نعم هو واضح لمن وفقه الله لوضوحه ؛ ولأنه واضح فقد جاء بعشرات النصوص من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة بسد الذرائع المفضية إلى الشركيات والبدع والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وختاما آمل من الداعية صالح المغامسي وفقه الله لهداه أن يستدرك ما نسب إليه وأن يحيل أمر الفتوى إلى أهلها لاسيما ولدينا ولله الحمد سماحة المفتي العام حفظه الله تعالى وأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث والفتوى وبقية العلماء المصرح لهم بالفتوى.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى

والله الهادي إلى سواء السبيل؛؛؛

وكتبه/ د. عمر بن عبد الرحمن العمر

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام

المعهد العالي للقضاء


شارك المحتوى: