قاعدة سد الذرائع حمى الله بها الديار السعودية من الشرك والبدع ، وليس في القرآن دليل على إحياء الآثار


قاعدة سد الذرائع حمى الله بها الديار السعودية من الشرك والبدع ، وليس في القرآن دليل على إحياء الآثار

الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد ؛ ففي العدد (16705 ) المنشور في 19 / 4/ 1335 من صحيفة الرياض نشر تقرير بعنوان ( قاعدة سد الذرائع حولت آثار المدينة إلى أنقاض ) ، وقد اشتمل على بعض الأخطاء الشرعية في تقرير جواز العناية بالآثار؛ حتى لو آل الآمر إلى تعطيل المصالح الشرعية العامة .

ومما وقع فيه من الأخطاء التي رأيت أنه من الضروري الكشف عنها ، وبيان وجه الخطأ فيها :
أولا : ورد في التقرير على لسان بعض المشاركين مصادرة ( قاعدة سد الذرائع ) التي دل عليها أكثر من مائة دليل ، وتطبيقات العلماء لها أكثر من أن تحصر ، بل إعمالها حتى في المصالح الدنيوية ذائع لا يخفى ، ولا نكارة فيه . فالهجوم على هذه القاعدة ، وإلغاؤها ، بمجرد الرأي المحض ، أو العاطفة المجردة، غير مقبول مطلقا .
ولا ريب أن حماية التوحيد ، وسد الطرق المفضية إلى الشرك والبدع من أعظم الواجبات في دين الله ، وتعظيم الآثار كان سببا في أول شرك وقع في الأرض ، كما هو معلوم من قصة قوم نوح ـ عليه السلام ـ في قوله تعالى : ( وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ) جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنها أسماء رجال صالحين من قوم نوح ـ عليه السلام ـ فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ؛ ففعلوا، فلم تعبد ؛ حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عُبِدت ) .
ولهذا لما هجرت هذه القاعدة آل الأمر في بعض البلاد ـ مما هو واقع مشهور ـ إلى تعظيم المشاهد والأضرحة والمزارات والآثار بأنواع البدع ؛ حتى عبد بعضها من دون الله ، ولما أُعملت في المملكة العربية السعودية تطهرت من هذه البدع والخرافات والمحدثات ، بفضل الله ورحمته .

ثانيا : الاستدلال بقوله تعالى : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} على تتبع الآثار ، والاحتفاء بها ـ كما هو شأن المطالبين بذلك ـ : خطأ بين لأمور :
أحدها : أن هذه الآية في جميع مواردها لم ترد إلا في شأن المكذبين للرسل ، المعاندين لهم ، كما قال سبحانه : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } وقال: { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } وقال : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ } ، فكيف يستشهد بها على تتبع الآثار عموما ؟! وكيف يستدل بتتبع آثار الظالمين على تتبع آثار الموحدين المحسنين ؟ فهذا فهم خاطئ ، وقياس باطل ، يستوجب رد الاستدلال أصلا .
وثانيها : أن هذه الآيات لا دلالة فيها بوجه من الوجوه على إعمار الآثار ، وصيانتها ، والمحافظة عليها، وإنما فيها الأمر بالنظر في آثارهم التي كانت في طرق أسفارهم ، ولم يؤمروا بترميمها وتشييدها والتنقيب عنها في باطن الأرض ، يوضح ذلك قوله تعالى : { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ( وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } بل الدليل الشرعي يفيد المنع من ذلك ، فروى البخاري ومسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : «لما مَرَّ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم- بالحِجْر قال : لا تدْخُلُوا مساكنَ الذين ظلموا أنْفُسهم : أَن يُصِيبَكم ما أَصابَهُمْ ، إِلا أن تكونوا باكين، ثم قَنَّعَ رَأسَه، وأسرع السَّيْرَ ، حتى جاز الوادي» فإذا كان هذا في مجرد الدخول فما الظن بما هو أوسع من ذلك من تشييدها وترميمها والاحتفاء بها ؟! نسأل الله السلامة والعافية .
وثالثها : أنه إذا بطل الاستدلال بالآية فأين الدليل على جواز تتبع هذه الآثار والتنقيب عنها ؟ ولو كان ذلك مقصودا للشارع لحث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يترك خيرا يقرب إلى الله إلا دل أمته عليه ، وأين الصحابة والتابعون عن ذلك وهم خير القرون ، وأحق بالاتباع ؟ لا شك أن تجاوز ذلك بأثر لا يصح ، أو تأويل خاطئ ، أو تصورات بعيدة عن مقاصد الشريعة ؛ مما يجر الأمة إلى ما لا تحمد عقباه .
وأخيرا : أنبه إلى أمرين ، أحدهما أن الآثار التي علق الشارع عليها أحكاما كالمواقيت وحدود الحرمين وغيرها محفوظة ، والمحافظة عليها من دين الله ، والآمر الآخر : أن إشغال الناس بهذه الآثار ـ إن ثبتت، وكثير منها لايثبت ـ سبب من أسباب صرفهم عن الاتباع الحق للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما شرعه لأمته ، الذي هو أصل الرسالة ، ومحل الاقتداء ، والناس يحتاجون إليه ؛ لقيام دينهم عليه .

أسأل الله للجميع التوفيق والسداد ، والهداية إلى الحق ، والثبات عليه ، والحمد لله رب العالمين .

عبدالعزيز بن محمد السعيد 
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 
20/ 5/ 1435هـ


شارك المحتوى: