عمل المرأة استجابة لواقع أم تقليد لصرعة!؟


عمل المرأة استجابة لواقع أم تقليد لصرعة!؟

ما الذي حدث عندنا وتطلّب توظيف المرأة في أعمال الرجال، هل عانينا نقصًا في الأيدي العاملة كما حدث في أوروبا؟ لم يحدث هذا! فنحن ما زلنا نصف شبابنا بعاطلون؟ إنه التقليد ليس أكثر، فكما تعمل المرأة الغربية لابد أن تعمل نساؤنا وإلا أصبحنا متخلفين، ولنفي هذه التهمة رأينا مهازل في ذلك، ففي بلد مسلم حقق قصب السبق بتخريج أول طيارة مقاتلة، وبلد آخر حقق سبقًا آخر بعمل النساء سائقات في سيارات الأجرة، وفي ثالث يعملن في قيادة الشاحنات..إلخ، وهكذا تحول عمل المرأة إلى (امتهان المرأة) وسط هذا التشويه والتشويش الذي تخلل عمل المرأة تزداد الحاجة إلى تحرير عمل المرأة بتخليصه من اغتصاب المفاهيم وإعادة ضبطه بالمرجعية الإسلامية. فيزداد عمل المرأة تشويهًا كلما ازداد معدل سير المجتمع في ركاب التغريب، ليس هذا فقط بل ينعكس ذلك في مجمل الحياة الاجتماعية، ففي (ذلك البلد العربي) المثال الأبرز للنموذج العلماني عمل المرأة بين المجتمعات العربية حيث يجري توظيف المرأة في أعمال تستغل جسدها وجمالها كالحقل الإعلامي، وعروض الأزياء وما يسمى بملكات الجمال، فهذه ملكة جمال الجنوب، وتلك ملكة جمال العنب، وهذه ملكة جمال العارضات..إلخ، وللأسف فإن هذا التشويه للمرأة، بل إهانة يجري الترويج لها في البلدان العربية وهذا ما انتشر في توظيف جمال وأنوثة المرأة في مكاتب الاستقبال والمستوصفات الخاصة وبعض شركات التسويق، حيث يتم تدريب الموظفات على الطريقة الأكثر إثارة للرد على الهاتف لقاء راتب مغرِ، حيث يقمن -فقط – بالرد على الهاتف في الفنادق لاستدراج رجل الأعمال المتصل للاشتراك في بطاقة خاصة بالفندق تقدم له تسهيلات وخدمات أخرى عن طريق توظيف الأنوثة في الإقناع والإغراء.

ففي إحصائية خاصة بإحدى المراكز الإسلامية تبين أن نسبة ظهور المرأة في الإعلانات لبعض المحطات الفضائية العربية تصل إلى 82%، ولو استثنينا الإعلانات الخاصة بالأطفال وإعلانات المؤتمرات والندوات، فإن استغلال المرأة يصل إلى نسبة 95% من الإعلانات الخاصة بمستحضرات الرجال وملابسهم. وهذا – كظاهرة جديدة- نتاج لتقليد الغرب في أفكارهم وطرقهم وأسلوبهم، حيث تتركز فلسفة الإعلان الغربي حول إشباع الغرائز والشهوات، حيث يلجأ الإعلان إلى أقرب الطرق لإثارة هذه العرائز وهي المرأة، فيباع على جسد المرأة كل شي بدءاً من السيارات وانتهاءً بأحذية الرجال، مرورنًا بمعجون الحلاقة والمشروبات وألعاب الأطفال ورحلات الطيران..إلخ، لدرجة جعلت رئيس الوزراء الكمبودي (هون سين) يعلن عن فرض حظر على ارتداء السيدات الملابس القصيرة أثناء ظهورهن على شاشة التلفزيون الكمبودي، لأن ذلك يتنافى مع العادات والتقاليد الكمبودية، وهي خطوة غابت عن عشرات البلدان الإسلامية!ترى أين عمل المرأة الحقيقي في وظيفة لا ترى فيها سوى أنثى تثير الغرائز والشهوات من أجل الحصول على أكبر تأثير للإعلان، وهل حققت المرأة هنا ذاتها وهي تقفز وتدور وتضحك وتتمايل من أجل الترويج لسلع استهلاكية.القضية هي التفريق بين خروج بعض النساء للعمل الحقيقي للضرورة كأن تنفق على أسرتها، وبين الخروج لمجرد العمل ومزاحمة الرجال وفتنتهم بملابس وماكياج وروائح فاتنة.

حينما يقرر بعض الكتٌّاب أن كافة الأعمال المنزلية للمرأة بما فيها تربية الأولاد إنما هي أعمال هامشية ولا تعد من الأعمال الإنتاجية لأنها لا تدخل في الحسابات القومية، ولا تسوق في الأسواق (لا تباع ولا تشترى)، وليس لها معيار تقاس بها قيمتها وليس لها عرض ولا طلب يمكن قياسهما بحيث يعرف من خلالها حجم ذلك الإنتاج. فهم يرون أن المرأة لكي تكون عضوًا منتجًا في المجتمع بمقياس علم الاقتصاد فلا بد أن تخرج خارج المنزل، وتشارك في الأنشطة الاقتصادية التي يدخل إنتاجها في حسابات الدخل القومي، وهذه وجهة نظر خاطئة؛ لأن الأمومة وتربية النشء لا تقيم بثمن ولا تقدر بمال.

ففي الآونة الأخيرة، بدأت تظهر في الغرب دراسات وأصوات تطالب بأن تعطى المرأة قدراً أكبر من اهتمامها لبيتها وأسرتها بعدما تفشت ظواهر خطيرة من عدم الترابط والتحلل والأمراض النفسية بسبب ابتعاد الأمهات عن أبنائهن طوال الوقت، مع أن الغرب الذي روج لمفهوم عمل المرأة بأجر خارج أسرتها! وإذا كانت النساء في مجتمعنا يندفعن للعمل مقتديات بالمرأة الغربية،فإن أوروبا لا تنسى المظاهرات النسائية الكبيرة التي اخترقت شوارع كوبنهاجن وشارك فيها أعداد كبيرة من الفتيات وطالبات الجامعات وحملن لافتات تقول:(سعادتنا لا تكون الإ في المطبخ).. (يجب أن تبقى المرأة في البيت) .. ( أعيدوا إلينا أنوثتنا).. وأعقب هذه المظاهرة مظاهرات أخرى على شاكلتها في عواصم أوروبية متفرقة.

إذا كان هذه هي الحال في المجتمعات الغربية، فإن الأمر يتطلب منا اليقظة تجاه مؤسسة الأسرة والانتباه إلى جميع محاولات التسلل إلى أمنها واستقرارها، وإن اتخذ في بعض الأحيان صوراً منمقة تحت شعارات مختلفة تبدو براقة وتستهوي مفرغي الذات والنفس وقاصري النظر، ذلك أننا أمة تملك أسباب الخيرية، ومن ثم يتعين علينا أن نؤكد هذا المعنى، حاملين مصابيح الخير والهداية إلى الناس، لا أن نكون مرمى لنفايات الماديين الفكرية والاجتماعية!!

أ. وفاء بنت ناصر العجمي 
أكاديمية بمدينة الملك عبدالله للطالبات واستشارية أسرية وتربوية.


شارك المحتوى: