فصل الخطاب في كفر من لم يكفر أهل الكتاب


بسم الله الرحمن الرحيم

 

فصل الخطاب في كفر من لم يكفر أهل الكتاب

 

سلام عليكم ورحمه الله وبركاته اما بعد ………

 

فقد بعث الله جل جلاله محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة قال الله تعالى : (( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيرا ))

 

بعثه الله للبشرية جميعًا من مشركين وأهل كتاب – يهود ونصارى – وكذلك كل كافر من مجوس وبوذيين وهندوس وكل الطوائف بل بعثه للجن أيضًا.

 

فبعد أن أشركت العرب الذين كانوا على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبعد أن حرفت وبدلت التوراة والإنجيل من قبل اليهود والنصارى أرسل الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالحق والكتاب المبين للناس كافة ؛ وبذلك نسخ كل الأديان والكتب السابقة فلا يقبل من أحد إلا الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ))

 

فالعرب كانت تؤمن بالله سبحانه وتعالى وأنه الخالق الرازق البارئ المصور قال الله تعالى ((ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله )) فهم يؤمنون بتوحيد الربوبية بل ويصفون الله بأسمائه وصفاته عدا اسم الرحمن ولم يقبل منهم ذلك وسماهم مشركين وقاتلهم على ذلك .

 

وكذلك أهل الكتاب من  اليهود والنصارى فقد كانوا يؤمنون بالله ولكنهم لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه و سلم ولا بالقرآن الكريم لذا حكم عليهم في آيات كثيرة بأنهم كفار ولذلك دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- للإسلام ولم يقبل منهم إيمانهم بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت وقاتلهم على ذلك .

 

ولا شك أن من لم يكفر الكفار من يهود أو نصارى أو مجوس أو بوذيين أو هندوس ونحوهم أو شك في كفرهم أو ادعى أنهم على حق فهو كافر؛ لأنه يكذب القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأمة .

قال الله تعالى : (( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ))

(( وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ))

فالذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى والأميون هم مشركو العرب .

 

والمعنى : أي قل يا محمد لليهود والنصارى ولمشركي العرب أسلموا ، ولو كان اليهود والنصارى مسلمين لما احتاج أن يدعوهم للإسلام .

 

وقال تعالى : (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ))

هذه الآية تدل على أن اليهود والنصارى كفار وإلا لما دعاهم الله على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئاً.

وقال تعالى : (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ))

أي: لم تكفرون بالقرآن الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنتم تعلمون أنه حق .

 

وقال جل جلاله : (( وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ )) فدل أنهم غير مؤمنين بل كفار .

 

قال تعالى : (( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ))

وقال تعالى : (( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ))

(( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ))

 

في كلتا الآيتين سمى سبحانه وتعالى اليهود والنصارى كفارًا .

 

قال الله تعالى: (( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ))

 

هذه آية عظيمة تدل على أنه لا دين غير دين محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث ؛ فإنه قد أخذ الله العهد والميثاق من النبيين وأشهدهم وشهد معهم الجبار سبحانه وتعالى أنه إذا أرسل رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يجب عليهم الإيمان به ونصرته ؛ وإذا كان الميثاق في حق الأنبياء فأتباعهم من باب أولى وأولى .

 

قال تعالى : (( لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ   ((

وقال تعالى (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ((و (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ))  و ((لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ))

في هذه الآيات يسب أهل الكتاب الله سبحانه وتعالى وينسبون له العيوب وهذا من أقبح الكفر ، وقد رد عليهم سبحانه وتعالى في نسبتهم له الولد برد تقشعر منه جلود الذين آمنوا فقال : ((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا. تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ))

وأما السنة فقد خرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار ) .

 

قال النووي رحمه الله في  شرحه على صحيح مسلم : “وأما الحديث ففيه نسخ الملل كلها برسالة نبينا -صلى الله عليه وسلم-… وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة) أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما؛ وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى .

 

وقال ابن تيمية رحمه الله في كتابه الجواب الصحيح على من بدل دين المسيح : فدل ذلك على أنه من أدرك محمدًا من الأنبياء وأتباعهم وإن كان معه كتاب وحكمة فعليه أن يؤمن بمحمد وينصره .

 

وخرج الامام البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة).

 

فلو كانوا مسلمين لما احتاج أن يدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، فدل على كفرهم إن لم يؤمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

وقد أجمع أهل العلم على كفر اليهود والنصارى كما نقل الإجماع ابن حزم في مراتب الإجماع

نقل ابن حزم إجماع الأمة على أن : محمدًا بن عبد الله القرشي الهاشمي المبعوث بمكة المهاجر إلى المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة، وأن دين الإسلام هو الدين الذي لا دين لله في الأرض سواه، وأنه ناسخ لجميع الأديان قبله، وأنه لا ينسخه دين بعده أبدًا، وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدًا.

فهم كفار بنص القرآن والسنة والاجماع ؛ فمن لم يكفرهم أو يشك في كفرهم أو اعتقد أن دينهم حق فهو يكذب القرآن وصريح صحيح السنة فهو كافر مثلهم بالإجماع ؛ نقل الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية و القاضي عياض وغيره .

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (27/464) : وَمَنْ لَمْ يُحَرِّمْ التَّدَيُّنَ – بَعْدَ مَبْعَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ بَلْ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ وَيُبْغِضْهُمْ ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

وقال القاضي عياض في الشفاء : وقائل هذا كله كافر بالإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك  .

قال القاضي أبو بكر: لأن التوقيف والإجماع اتفقا على كفرهم فمن توقف في ذلك فقد كذّب النص والتوقيف أو شك فيه، والتكذيب أو الشك فيه لا يقع إلا من كافر.

وقال الحجاوي رحمه الله تعالى:  من لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم فهو كافر. كشاف القناع

وهذا الذي عليه أئمة الهدى من سابق العصر وحديثه من تكفير من لم يدن بدين محمد  -صلى الله عليه وسلم- .

وحتى السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده على هذا ؛ وإلا لما راسل النبي صلى الله عليه أهل الكتاب يدعوهم للإسلام ؛ فلو كانوا على حق فلا يستقيم دعوتهم للدخول في الإسلام ؛ كما أرسل إلى هرقل عظيم الروم وكسرى فارس والمقوقس في مصر ؛ وكما دعا صلوات الله وسلامه عليه يهود المدينة ونحو ذلك.

كذلك قتال المسلمين للروم والفرس واليهود وغيرهم للدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو القتال ؛ فلو صح دينهم وأنهم على حق لما جاز قتالهم .

وقد أجمع العلماء على على كفر من قال بأن القرآن مخلوق ؛ وإن كان الأصل فيه الإسلام ومع ذلك كفروه وأخرجوه من الملة ، فما بالك بالكفرة من يهود ونصارى وغيرهم الذين لم يؤمنوا بالقرآن كله ويرونه باطلا بزعمهم .

وكذلك كفر من وقع في ناقض من نواقض الإسلام ، فمن لم يدخل في الإسلام أولى بتكفيره من ذلك .

ثم هم هؤلاء اليهود والنصارى ونحوهم يكفرون المسلمين ولا يرونهم على شي

فكيف بمسلم موحد لا يكفرهم ؟

وقد كان السلف إلى يومنا هذا وأهل العلم على كفر اليهود والنصارى وكفر من لم يكفرهم أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم ؛ وقد ذكرنا شيئا من كلام الأولين ، ومن المتأخرين ممن أفتوا بكفر من شك في كفر غير المسلمين اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية برئاسة الإمام ابن باز -رحمه الله- ، وابن باز في فتاويه ، والعلامة ابن عثيمين ، والعلامة الألباني -رحمهم الله- وغيرهم كثير .

ولا شك أن هذه المسألة من مسائل العقيدة التي لا يشك فيها ولا ينبغي أن يخوض فيها الجهلة وصغار العقول ، وخاصة أن النصوص فيها واضحة من القرآن والسنة وإجماع الأمة .

وبذلك يعلم خطأ من لم يكفر الكفار أو شك في كفرهم أو قال هم على دين سماوي ونحو ذلك من هذه الكفريات التي تردد في مواقع التواصل الإجتماعي وفي بعض الجلسات وغير ذلك .

نسال الله أن يرد ضال المسلمين وأن يجمعهم على علمائهم الربانيين إنه سميع مجيب .

 

وكتبه

سالم العباسي

الرياض : 19/9/1441هـ

 

 


Tags:

شارك المحتوى: