صلاح النية


صلاح النية

كتب:د.حمد بن إبراهيم العثمان

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فالنية هي شرط العمل الصالح الاول، وشرطه الثاني هو المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى «وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء»، والجنة انما يدخلها المؤمنون بالعمل الصالح كما قال تعالى «ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون»، وبهذا يتبين عظم موقع النية والمتابعة في الدين، وفي عاقبة الانسان في دنياه وآخرته، قال داود الطائي “رأيت الخير كله انما يجمعه حسن النية ”

والمؤمن الذي عمر الله قلبه بالايمان والتوحيد والاخلاص لا شك انه يتهم نفسه ويخشى على نفسه من كل ما يضاد اصل الايمان والتوحيد والاخلاص أو كماله، والجاهل أوفاسد العقيدة المبتدع لا يرى بالمؤمنين حاجة الى نصح الناس في ذلك، وانه يجب صرف الناس الى طلب الفقه والاحكام العملية فقط، قال الحسن البصري رحمه الله وهو سيد التابعين ديانة وتقوى وورعا في النفاق: «لا يخافه الا مؤمن، ولا يأمنه الا منافق»، وقال ابن أبي مليكة رحمه الله: «ادركت ثلاثين من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى على نفسه النفاق» ذكرهما البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به. وسلفنا الصالح رحمهم الله مع أنهم كانوا في القرون المفضلة لما رأوا امارات قد يستدل بها على فساد النية صاحوا بأهلها، وذلك من باب نصحهم وحملهم على الانتهاء عما يفسد اعمالهم، والنصيحة من مقتضى الاخوة، من ذلك ما ذكره الربيع بن صبيح رحمه الله قال: «كنا عند الحسن فوعظ، فانتحب رجل، فقال الحسن: اما والله ليسألنك الله يوم القيامة ما اردت بهذا» رموز الكنوز (588/1) وكذلك رأى سفيان الثوري رحمه الله حال الناس في طاعاتهم، وبكائهم في بعض المقامات فقال: «البكاء عشرة اجزاء، جزء لله، وتسعة لغير الله، فإذا جاء الذي لله في العام مرة فهو كثير» سير اعلام النبلاء (258/7)

وكذلك تكلم العلماء في حقيقة اصطناع البعض للخشوع في الصلاة، وتكلف الخشوع ظاهرا مع خلوه منه باطنا وحذروا من ذلك غاية التحذير، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «ومتى تكلف الانسان تعاطي الخشوع في جوارحه واطرافه مع فراغ قلبه من الخشوع وخلوه منه، كان ذلك خشوع النفاق، وهو الذي كان السلف يستعيذون منه كما قال بعضهم «استعيذوا بالله من خشوع النفاق، قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: ان ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع، فمن اظهر خشوعا غير ما في قلبه فإنما هو نفاق على نفاق» الخشوع في الصلاة ص 13 – 14 ولذلك كان السلف يعالجون نياتهم خشية ان ترد أعمالهم في وجوههم، قال سفيان الثوري رحمه الله: «ما عالجت شيئا اشد عليَّ من نيتي لأنها تتقلب عليَّ»، وقال يوسف بن اسباط رحمه الله: «تخليص النية من فسادها اشد على العاملين من طول الاجتهاد». جامع العلوم والحكم (70/1)

ولا يعارض هذا ما جاء عن بعض السلف ان تجريد الاخلاص لله وحده ايسر من مصانعة المخلوقين، قال أبو حازم سلمة بن دينار رحمه الله: «لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله، الا احسن الله ما بينه وبين العباد، ولا يعور ما بينه وبين الله، الا عوّر فيما بينه وبين العباد.

لمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها، انك اذا صانعته مالت الوجوه كلها، اليك، واذا استفسدت ما بينه، شنئتك الوجوه كلها» سير اعلام النبلاء (100/6)

فتجريد التوحيد لله وحده يسير على من يسره الله، واما المشقة في ذلك فهي ظاهرة لمجاهدة الخواطر الشيطانية التي ترد على القلب، واما مراءاة الناس فهو اشق لأن الناس لا يرضيهم شيء، وما يرضيهم اليوم يسخطهم غدا، واهواؤهم كثيرة متقلبة، فمن جعل قصده ونيته تبعا لأهواء الخلق اصابه الشقاء الدنيوي والأخروي، فهذا المراد بالمشقة، وضده اليسر في ارضاء الواحد الاحد الذي لا شريك، والعبد يعينه الله على الاخلاص.

اذا اردنا ان نعرف حقيقة ما تنطوي عليه بواطننا من ارادات فاسدة فلنزنها بالميزان الذي يكشف حقيقة ما نحن عليه وما ينبغي ان نصير اليه، قال مطرف رحمه الله: «ان العبد اذا استوت سريرته وعلانيته، قال الله: هذا عبدي حقا» الزهد لوكيع (848/2)

وتحدث السلف عن بواطنهم، فقال القحطاني رحمه الله في نونيته:

والله لو علموا خبيء سريرتي

لأبى السلام عليَّ من يلقاني

وتكلم العلماء رحمهم عن حقيقة ما يعتري البواطن من تقلب وفساد تحتاج معه الى معالجة وتصحيح وتعاهد مستمر حتى يفارق العبد هذه الدار الفانية وهو مقيم على التوحيد كما قال تعالى (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له )

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: «واما الشرك في الارادات والنيات، فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقلَّ من ينجو منه، فمن اراد بعمله غير وجه الله، ونوى شيئا غير التقرب اليه وطلب الجزاء منه، فقد اشرك في نيته وارادته، والاخلاص: ان يخلص لله في افعاله واقواله، وارادته ونيته.

وهذه هي الحنيفية ملة ابراهيم التي امر الله بها عباده كلهم، ولا يقبل من احد غيرها، وهي حقيقة الاسلام، كما قال تعالى «ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين»، وهي ملة ابراهيم عليه السلام التي من رغب عنها فهو من اسفه السفهاء» الجواب الكافي ص110 بواسطة عقيدة التوحيد للعلامة الفوزان حفظه الله.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين.

 

تاريخ النشر: الاثنين 10/7/2006

جريدة الوطن الكويتية


شارك المحتوى: