رمضان شهر الخير والبركات


رمضان شهر الخير والبركات

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته …………. أما بعد،،،

فهذه رسالة صغيرة في بيان فضائل شهر رمضان واسمها ” رمضان شهر الخير والبركات “

إن أهل الخير والتقوى يفرحون بشهر رمضان لما فيه من الخير والبركة الشرعية ومضاعفة الحسنات بالإجماع -كما في كتاب مطالب أولي النهى-، لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه به، قال ابن رجب لطائف المعارف ص 158: كان النبي صلى الله عليه و سلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان كما خرجه الإمام أحمد و النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يبشر أصحابه يقول :” قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ” قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان ا.هـ

وتتضح البركة والخير في شهر رمضان بمعرفة ما يلي :

الأمر الأول/ أن الله اصطفاه من بين الشهور بإيجاب الصيام فيه وأفعال الله لحكمة (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) فلم يوجب الصيام في هذا الشهر من بين الشهور إلا لفضله وعظيم مكانته ، والصيام من أفضل الأعمال ، وأفضل الصيام على الإطلاق الصوم الواجب ، وقد وردت في فضائل الصيام فضائل منها ما أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :” قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه “

وفي فضل صيام شهر رمضان خاصة أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه “

الأمر الثاني/ شهر رمضان كفارة لما بينه وبين رمضان الآخر:

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر “

الأمر الثالث/ تصفد الشياطين:

أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين “

وإن من خير وبركة تصفد الشياطين في رمضان إضعافَ أسباب الشرور ، وقد ذكر شيخ الإسلام أنه لا يلزم من تصفدهم منع شرهم لكنه يقل ويضعف فقال في مجموع الفتاوى (25 / 246): وصفدت الشياطين فضعفت قوتهم وعملهم بتصفيدهم فلم يستطيعوا أن يفعلوا في شهر رمضان ما كانوا يفعلونه في غيره ولم يقل إنهم قتلوا ولا ماتوا بل قال : ” صفدت ” والمصفد من الشياطين قد يؤذي، لكن هذا أقل وأضعف مما يكون في غير رمضان، فهو بحسب كمال الصوم ونقصه، فمن كان صومه كاملاً دفع الشيطان دفعاً لا يدفعه دفع الصوم الناقص ا.هـ

الأمر الرابع/ الاجتهاد فيه من الأعمال الصالحة:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان بالأعمال الصالحة . أخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان.

والاجتهاد فيه من الأعمال الصالحة هو معنى تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران؛ لأن الأعمال الصالحة سبب للنجاة من النيران ودخول الجنان قال تعالى (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) وقال (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى . لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى . الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى )

وكان السلف أهل اجتهاد في الأعمال الصالحة في شهر رمضان أخرج ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان ص 27:عن أبي بكر بن أبي مريم ، قال : سمعت مشيختنا ، يقولون : « إذا حضر شهر رمضان ، قد حضر مطهر ، ويقولون : انبسطوا بالنفقة فيه ، فإنها تضاعف كالنفقة في سبيل الله عز وجل ، ويقولون : التسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره »

وروى الترمذي عن الزهري أنه قال: تسبيحة في رمضان تعدل ألف تسبيحة في غير رمضان .

الأمر الخامس / قيام رمضان:

إن للقيام في رمضان مزية على غيره أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه “

ومما يتميز به رمضان صلاة قيام الليل جماعة في المسجد ، وفي هذا تنشيط على القيام ، ثبت عند الأربعة عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ” وهذه فضيلة عظيمة لا سيما في شهر رمضان الذي تضاعف فيه الأعمال .

الأمر السادس/ العمرة في رمضان:

إن من بركة رمضان أن كانت العمرة فيه مفضلة على العمرة في كل الشهور فهي تعدل حجة كما أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” عمرة في رمضان تعدل حجة “

وإن التكاسل عن الاعتمار اعتذاراً بالزحام مما يفرح الشيطان ويخالف قوله تعالى (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )

الأمر السابع/ العشر الأواخر:

إن أفضل أيام هذا الشهر المبارك العشر الأواخر منه، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره . أخرجه مسلم ، وعنها : قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العَشرُ شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله . متفق عليه .

ولأهمية هذه العشر اعتكفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخرج البخاري ومسلم عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عيه وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله عز وجل . والاعتكاف الحقيقي الذي هو اعتكاف القلب والتعلق برب الخلق دون الخلائق والاعتكاف بهذه الصورة سنة مهجورة ، قال ابن القيم في زاد المعاد (2 / 87): وشرع لهم الاعتكاف الذى مقصودُه وروحُه عكوفُ القلبِ على الله تعالى، وجمعيَّتُه عليه، والخلوةُ به، والانقطاعُ عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذِكره وحبه، والإقبالُ عليه فى محل هموم القلب وخطراته، فيستولى عليه بدلَها، ويصير الهمُّ كُلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكُر فى تحصيل مراضيه وما يُقرِّب منه، فيصيرُ أُنسه بالله بدَلاً عن أُنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوَحشة فى القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرحُ به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم. ا.هـ

الأمر الثامن/ ليلة القدر: قال تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) هذه الليلة في العشر الأواخر أوتاراً وشفعاً ولا يلزم أن تكون ليلة وترية وإن كانت فيها آكد من غيرها .

عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :” تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ” أخرجه البخاري

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجالا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ” أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر “. أخرجه البخاري ومسلم

وعنه – رضي الله عنه – قال رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ” أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها “. أخرجه مسلم

وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:” التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى ” أخرجه البخاري

الأمر التاسع/ قراءة القرآن :

إن مما اختص الله به هذا الشهر أنه شهر ابتدأ نزول القرآن فيه قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) وكان جبريل يدارس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن كل ليلة؛ لذا أقبل السلف فيه على قراءة القرآن إقبالاً كبيراً، وغلبوا فيه كثرة القراءة على تدبر القرآن؛ لذا يستحب أن نطلب كثرة القراءة فيه على تدبر القرآن فيختم أكثر ما يستطاع من ختمات للقرآن، ثبت في سنن سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه قال من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف .

هذا في غير رمضان فكيف بشهر رمضان شهر الخير والبركات

قال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف: كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة و غيرها كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان و كان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة و في بقية الشهر في ثلاث و كان قتادة يختم في كل سبع دائما و في رمضان في كل ثلاث و في العشر الأواخر كل ليلة و كان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة و عن أبي حنيفة نحوه و كان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان و كان الزهري إذا دخل رمضان قال : فإنما هو تلاوة القرآن و إطعام الطعام قال ابن عبد الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم و أقبل على تلاوة القرآن من المصحف قال عبد الرزاق : كان سفيان الثوري : إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن و كانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت و قال سفيان : كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف و جمع إليه أصحابه.ا.هـ

الأمر العاشر/ أكلة السحور:

إن السحور مستحب بالإجماع الذي حكاه ابن المنذر وأخرج البخاري ومسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” تسحروا فإن في السحور بركة “

ويستحب تأخيره كما ثبت في صحيح البخاري عن أنس عن زيد بن ثابت أنهم تسحروا مع النبى – صلى الله عليه وسلم – ثم قاموا إلى الصلاة . قلت كم بينهما قال قدر خمسين أو ستين – يعنى آية – .

وأختم بتنبيهين :

التنبيه الأول / إن حقيقة الصيام إمساك عن مباحات في غير الصيام كالأكل والشرب، فالإمساك عن المحرم في غير الصيام للصائم أولى وأولى ، فقد اتفق الأئمة أن الذنوب والمعاصي تنقص الثواب والأجر ، قاله الإمام ابن تيمية .

التنبيه الثاني/ يستحب -وقد يجب بحسب حال كل مسلم- أن يتعلم أحكام الصيام -لاسيما قبل وأثناء شهر الصيام -حتى يعبد المسلم ربه كما يريد سبحانه ، فلا يقع في بدع، ولا محرمات، ولا مفسدات للصيام .

إن هذه الأمور العشر وغيرها من أسباب بركة وخير هذا الشهر المبارك، فهلا استشعرناها واجتهدنا في هذا الشهر، فقد يكون هذا الشهر آخر شهر رمضان ندركه في حياتنا.

قال ابن رجب في لطائف المعارف ص 158: قال معلى بن الفضل : كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم. و قال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان و سلم لي رمضان و تسلمه مني متقبلاً ا.هـ

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د. عبد العزيز بن ريس الريس

المشرف على موقع الإسلام العتيق

http://islamancient.com

5 / 9 / 1433 هـ


شارك المحتوى: