رسالة إلى وزير التربية


رسالة إلى وزير التربية

الحمد لله رب العالمين وبعد.

وفق الله وزير التربية لكل خير، ونشكره على بذل الجهد والعطاء، ودفع عجلة التطور العلمي، كما نشكر الجهود المخلصة لكل الإخوة والأخوات في الوزارة، ونخص الشكر للمعلمين والمعلمات، لا سيما موجهي التربية الإسلامية الذين هم على جانب من الفقه الإسلامي، ويحرصون على نشر الإسلام الصحيح وعلى الوسطية الحقة، من خلال مناهج التربية الإسلامية.

وقد اطلعت على مَن احتج مَن لا علم له على أسئلة اختبار مادة التربية الإسلامية، وقد اعترضوا على السؤال السادس وهو كالتالي:

السؤال السادس: في مجال التهذيب:

س: بم تنصح في المواقف التالية:

١- من ينوح على الميت ويلطم الخدود؟

٢- من يتبرك بمسح القبور ودعاء الميت؟

إن النهي عن النياحة ليس في كتب السنة فقط؛ وإنما في كتب الشيعة عن الأئمة -رضي الله عنهم ورحمهم-، وهي توافق الحق الذي عند معتقد السنة.

والذين أنكروا على منهج التربية الإسلامية، وعلى ورقة الأسئلة هم جهلة، وفي قلوبهم مرض الشقاق، ويحبون إثارة البلبلة، وهم يفعلون هذا لكسب الأصوات والتفاف السذج حولهم.

وقد شكى أئمة آل البيت من الذين كذبوا عليهم، وما من أحد من أئمة آل البيت إلا وقد كذبوا عليه، والتف حوله كذاب، فافترى عليه، واختلقوا الأحاديث التي تناقض أقوالهم الأخرى، ونسبوا إليهم القصص والأساطير.

ومنها ما رواه الكشي -وهو من علماء الشيعة- عن ابن سنان أنه قال:

(قال أبو عبد الله -عليه السلام-: إنا أهل البيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه عند الناس -ثم عد واحداً بعد واحد من الكذابين) . راجع كتاب [رجال الكشي ص257، 258 تحت ترجمة أبي الخطاب]

يا وزير التربية -حفظك الله-..

إليك بعض الأدلة التي تحرم اللطم، وضرب الخدود، والنياحة من كتب أئمة الشيعة، وهي التي توافق ما عند أهل السنة، ونسأل الله أن يجمعهم على الحق والمحبة:

أولًا: الشيخ الصدوق ذكر في كتابه “من لا يحضره الفقيه”: قال علي بن الحسين -عليه السلام-: (النياحة من عمل الجاهلية).

ثانيًا: قال الحر العاملي في كتابه “وسائل الشيعة في تحصيل مسائل الشريعة”: (باب كراهية الصراخ بالويل والعويل والدعاء بالذل والثكل والحزن ولطم الوجه والصدر وجز الشعر وإقامة النياحة) وذكر أحاديث عن الأئمة وأهل البيت.

قال محمد بن علي بن الحسين: (من ألفاظ رسول الله الموجزة التي لم يسبق إليها: النياحة من عمل الجاهلية).

وعن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه -عليهم السلام- في حديث المناهي قال: (ونهى رسول الله عن الرَّنَّة عن المصيبة، ونهى عن النياحة والاستماع إليها).

ثالثًا: ذكر العلامة الشيعي المجلسي في كتابه “بحار الأنوار” أحاديث تحرم النياحة:

قال رسول الله: (أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، والنياحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب).

وهذا الحديث يدل على تحريم النياحة، وأنها كبيرة من الكبائر، بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (والنياحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب).

رابعا: نهج البلاغة، وهو من أعظم الكتب عند الشيعة:

قال علي -عليه السلام-: (وإياكم والنياحة، فإني سمعت رسول الله ينهى عنها). [شرح نهج البلاغة].

خامسًا: ذكر مستدرك الوسائل الشيعي ميرزا حسين النوري رواية عن الأئمة:

قال علي -عليه السلام-: (قال رسول الله: ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال فيها الناس حتى تقوم الساعة: الاستسقاء بالنجوم، والطعن في الأنساب، والنياحة على الموتى).

فالسؤال الذي طُرح على الطلاب هو سؤال صحيح لا عوج فيه، وهو موافق للكتاب والسنة وروايات أهل البيت الصحيحة.

يا وزير التربية..

إن الكتاب والسنة وروايات أهل البيت الصحيحة تحرم دعاء الأموات والبناء على قبورهم، وإليك روايات أهل البيت من كتبهم:

أولًا: قال أبو عبد الله عليه السلام: (الدعاء هو عبادة التي قال الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، ادع الله عز وجل. وقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ} الآية [أخرجها الكليني في كتابه الكافي].

فدعاء الأموات نوع من أنواع الشرك؛ لأن الدعاء عبادة، وصرفها لغير الله شرك، وهذا الذي نص عليه الصادق أبو عبد الله -عليه السلام-: الدعاء هو عبادة. فكيف تصرف للأموات وهو حق لله.

عن أبي الحسن الرضا -عليه السلام- أن أمير المؤمنين -عليه السلام- كان يقول: (طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء….) [أخرج الرواية الكليني في الكافي وغيره].

فيكون الدعاء لله وحده، ولا يجوز صرفه للأموات؛ لأنه حق لله وحده، وصرفه للأموات ينافي الإخلاص لله.

يا وزير التربية..

إن الذين أنكروا على أسئلة التربية الإسلامية يجهلون بأن السؤال يوافق مذهب أهل السنة ومذهب أهل البيت، ولا ينكره شيعة أهل البيت الذي سلكوا الروايات الصحيحة.

عن زرارة عن جعفر -عليه السلام- في حديثٍ قال: (أفضل العبادة الدعاء).

وهذه الرواية أخرجها الحر العاملي في كتابه “وسائل الشيعة”.

والرواية تنص على أن أفضل العبادة الدعاء، وإذا كان الدعاء أفضل العبادة فيكون صرفه للأموات منافيًا للإخلاص لله وهو محرم.

وهذه الروايات عن أهل البيت توافق آيات القرآن، كقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}.

ولا شك أن الملائكة والرسل والأنبياء والأولياء وغيرهم من دون الله، وهم بحاجة إلى رحمة الله.

يا وزير التربية..

جاءت عدة روايات عن أهل البيت، كما ذكرها المجلسي في كتابه بحار الأنوار، والنوري في مستدرك الوسائل، وعن الأئمة وعلى رأسهم الرسول -عليهم السلام- قال: (افزعوا إلى الله في حوائجكم، وألجوا إليه في ملماتكم، وتضرعوا إليه، وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة).

وفي رواية عن الأئمة -عليهم السلام-: (فارغبوا إلى الله في حوائجكم… هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟).

ورواية أخرى عنهم -عليهم السلام-: ( {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم، يعني عاجزين عن حوائجكم أنتم وهم محتاجون إلى الله فهو أحق أن تدعوه).

وقال أمير المؤمنين -عليه السلام-: (فاطلبوا حوائجكم من الله).

وقد روى الحر العاملي رواية في كتابه وسائل الشيعة، ورواها المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وأيضًا ذكرها الطوسي في كتابه الأمالي، عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه -عليه السلام- قال:

(قال الفضل بن عباس: أردفني رسول الله خلفه ثم قال لي: يا غلام احفظ الله يحفظك، واحفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله عز وجل، فقد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بأمر لم يكتب الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروك بأمر لم يكتب لك عليك لم يقدروا عليه).

قلتُ: ولم يرشده -صلى الله عليه وسلم- أن يذهب إلى الأموات ويسأل منهم الحاجات؛ وإنما أرشده أن يسأل الله وحده وأن يستعين بالله.

يا وزير التربية..

أسئلة التربية الإسلامية ليس فيها إفراط أو تفريط؛ إنما هي موافقة للمذهبين السني وأتباع أهل البيت من شيعتهم الذين لا غلو عندهم.

عن أبي عبدالله -عليه السلام- قال: (قال أمير المؤمنين -عليه السلام-: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في هدم القبور وكسر الصور).

أخرج الرواية الكليني في الكافي.

وسئل سماعة بن مهران عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها فقال: (أما زيارة القبور فلا بأس بها، ولا يبنى عندها مساجد). رواه الصدوق في كتابه “الفقيه”.

(وأما القبور فلا يجوز أن يتخذ قبلة ولا مسجدًا).

كتاب “الفقيه”.

قال أبو عبد الله -عليه السلام-: (لا تبنوا على القبور، ولا تصوروا سقوف البيوت، فإن رسول الله كره ذلك).

عن جعفر عن أبيه -عليه السلام-: (أن قبر رسول الله رفع شبرًا من الأرض). [كتاب “التهذيب” وكتاب “وسائل الشيعة” – باب استحباب التسليم على أهل القبور والترحم عليهم].

قلتُ: فأهل القبور يحتاجون منا أن نسلم عليهم، وندعوا لهم، لا أن ندعوهم.

عن عبد الله بن سنان قال: (قلت لأبي عبدالله -عليه السلام-: كيف التسليم على أهل القبور؟ فقال: نعم، تقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا فرط، ونحن إن شاء الله بكم لاحقون).

عن علي بن سالم قال: (سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: قال الله عز وجل: أنا خير شريك، من أشرك معي في عمل عَمِله لم أقبله إلا ما كان لي خالصًا).

فقه أهل البيت اللجوء إلى الله وحده لا شريك له، لا إلى قبر، ولا ملك مقرب؛ لأن الله لا يعجزه شيء وأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له.

عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: (تضع يدك على الموضع الذي فيه الوجع، وتقول ثلاث مرات: الله الله ربي حقًّا لا شريك به شيئًا، اللهم أنت لها ولكل عظيمة ففرجها عني).

فالله قادر لكل عظيمة، فلا حاجة أن تذهب إلى ميت هو ما استطاع أن يدفع عن نفسه الموت ولا التراب.

فعقيدة أهل البيت -رضي الله عنهم- هو عبادة الله وحده والإخلاص له واللجوء إليه، وأنه لا يجوز أن تبنى المساجد على القبور؛ وإنما السلام عليهم.

قال الشيخ الطوسي في “المصباح”: (صلاة الحاجة. -وهو دعاء طويل ولكن الشاهد منه قوله-: بك اعتصمت وعليك عولت وبك وثقت وإليك لجأت الله الله الله ربي لا أشرك به شيئا ولا أتخذ من دونه وليا… وأنت الله مالك الملوك ورب كل الخلائق أمرك نافذ بغير عائق لأنك أنت الله ذو السلطان وخالق الإنس والجان… ثم تسأل حاجتك).

فالحديث هذا الذي عن الأئمة يتضمن التوحيد الخالص لله وحده لا شريك له، ولكن بعض الناس في قلبه مرض، إذا دعوتَه إلى عبادة الله وحده لا يعجبه بل يشمئز، وإذا ذكر أحد مع الله ممن هو دونه من المخلوقات فرح وستبشر، كما قال تعالى {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}.

نسأل الله أن يرزقنا التوحيد الخالص له وأن يميتنا عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه/ فيحان بن سرور الجرمان


شارك المحتوى: