رد شبهة أن السلفيين حرفيون مع النصوص


رد شبهة أن السلفيين حرفيون مع النصوص


🔸يقول السائل /
كثيرا ما يردد الليبراليون والمتأثرون بهم: أن السلفيين حرفيون مع النصوص، وأنهم لا يرون تغير الزمن والأحوال، وأن عمر بن الخطاب لم يقطع يد السارق في عام المجاعة وراعى تغير الأحوال؟


🔸يقال جوابا على هذا السؤال :
هذا كثيرا ما يردده الليبراليون والعقلانيون والمتأثرون بهم، كما قاله السائل، وهو سؤال مهم لا سيما في هذا الزمن ؛ لكثرة الذين يرددون مثل هذا .

وينبغي أن يُعلم : أن مثل هذا الكلام يردد كثيرا :
1- إما بسبب الجهل .
2-أو بسبب الشهوة ؛
وذلك أن صاحبه اعتقد أمرا، وأراد أن يسوغ بعض الشهوات التي تشتهيها نفسه من الاختلاط، وغير ذلك…
فاعتقد ثم أراد أن يستدل، ويخرج ذلك ببرهان ودليل.


وينبغي أن يُعلم :
أن المسائل الشرعية من حيث الجملة أقسام ثلاثة:
القسم الأول :
قسم لا يتغير بل هو باقٍ، وهذا أكثره يرجع إلى المسائل العقدية ؛ فإن المسائل العقدية التي أجمع عليها سلف هذه الأمة، والتي دل عليها الكتاب والسنة لا تقبل التغير.
كأن يعتقد : أن الله في السماء،
أو إثبات أسماء الله وصفاته على ما جاء في الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة…إلى غير ذلك من المسائل.

القسم الثاني : مسائل شرعية شُرِعَتْ وهي باقية على شرعيتها، لكن قد يُستثنَى من الأصل الذي شرعت عليه لعارض ولمصلحة راجحة، كأن تكون هناك ضرورة أو غير ذلك ؛ وذلك أن الدين قائم على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وذلك كقوله تعالى{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } [البقرة: 173] ثم بعد ذلك قال سبحانه { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

فإذن الأصل حرمة الميتة، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا لعارض أرجح؛ وهو الاضطرار، ومتى ذهب هذا العارض رجعنا إلى الأصل .
فإذا سأل سائل: ما حكم الميتة ؟
فيقال : إنها حرام، ولا يقال: إنها تجوز، وإنما يقال هي حرام.
فإذا كانت الحال حال ضرورة يقال : جازت لعارض، ومتى زال العارض، فإنه يرجع إلى الأصل.


القسم الثالث : مسائل شرعية شرعت، وفيها مراعاة للأحوال والزمان، وأعراف الناس، وغير ذلك.
فمثلا : ما يرجع إلى إكرام الضيف، وإلى باب الأيمان والنذور، وما يتلفظ به الناس، يرجع فيه إلى الأعراف منذ أن شرعت .
وكذلك الجهاد منذ أن شرع روعي فيه القوة والضعف، والمصلحة والمفسدة ؛ لذا لم يشرع الجهاد في مكة ؛ لأن المسلمين في ضعف، والجهاد يضر أكثر مما ينفع بينما شُرِع في المدينة لما تقوى المسلمون، ولأجل هذا قال الإمام ابن جرير، ثم الإمام ابن تيمية، ثم الإمام ابن القيم :إن آيات السيف مشروعة في حال القوة، وآيات الصبر مشروعة في حال الضعف.
إذن أمثال هذا القسم منذ أن شرع فقد شرع وقد روعيت فيه الأحوال على ما تقدم ذكره.


هذه الأقسام الثلاثة لابد أن يفرق بينها، ولا يصح الكلام فيها إلا بعلم ، ومن كان ذا جهل فإنه سيخلط القسم الأول بالثاني والثالث وهكذا.

فإذا قالوا: إن عمر رضي الله عنه- لم يقطع يد السارق في حال المجاعة، والأصل أن تقطع يده .
فيقال : قطع يد السارق يرجع إلى القسم الثاني؛ وهو أن الأصل أن تقطع، لكن ترك هذا الأصل لمصلحة راجحة، وذلك كمثل ترك حكم الأكل من الميتة لمصلحة راجحة؛ وهي الاضطرار، فمتى وجدت المصلحة الراجحة ترك هذا، وهو خلاف الأصل مع الإقرار بأن السرقة حرام، وأنه يجب أن تقطع اليد، لكن ترك هذا لمصلحة راجحة.


إذا عُلمت هذه الأقسام الثلاثة عُلم خطأ الليبراليين والعلمانيين، وأمثالهم من العقلانيين ومن تأثر بهم .
فهم يدعون إلى الانحلال في باب الشهوات، أو في ترك كثير من الأحكام الشرعية، ويزعم أن دين الله هكذا، وأنه لا يوجد في الشريعة ما يوجب هذا الأمر، فهو لا يقول: إن هذا الأمر محرم، ولكن تُرك لمصلحة راجحة -تنزلا أنها مصلحة راجحة- ، وإنما يُنازِع في أصلها، فلابد أن يفرق في أمثال هذه الأمور .

وكثير منهم يتحجج في الفرار من قيود الشرع ودلائله بقوله : إن هذا فهمك، ولسنا ملزمين بفهمك.
مع أن الأدلة منصوصة وظاهرة غاية الظهور !

ويقال : ينبغي أن يعلم أن الأحكام الشرعية من حيث الجملة نوعان:
النوع الأول : نوع لا يقبل الاجتهاد ؛ لأن الأدلة صريحة فيه، ولأن السلف مجمعون عليه.
النوع الثاني : مسائل تقبل الاجتهاد، ومن أراد أن يجتهد، فلا يخرج عن إطار اجتهاد أهل العلم.
وذلك أن أهل العلم إذا اختلفوا على قولين لا يجوز أن يخرج إلى قول ثالث؛ لأن هذا مخالف لإجماعهم ، وذلك أنهم لما اختلفوا على قولين أجمعوا على أن الحق في أحد هذين القولين.

وهذه أصول علمية وثوابت قطعية من علم العلم الشرعي عرفها وعلم حقيقتها، وهذا ما لا يعرفه كثير من هؤلاء الليبراليين والعقلانيين .
وللأسف أن كثيرا منهم يظن أن معنى الليبرالية الثقافة، وأنها معيار ودليل على الثقافة ؛ ولذلك يخوض هذه البحار الصعبة من غير معرفة ولا بيان فيغرق فيها، وأول ما يضر نفسه بأن أفسد دينه، وتكلم في دين الله بغير حق، ثم بعد ذلك ينتقل إلى التعصب والإصرار على الدعوة إلى باطله، فيهلك نفسه ويهلك من فتن به وصدقه.


إذا عُرف هذا عُرف أن السلفيين أتباع الكتاب والسنة بفهم سلف هذه الأمة الذي هو الإسلام الحقيقي والإسلام الصافي ليسوا حرفيين على الإطلاق، وليسوا أيضا تاركين للحرفية على الإطلاق، فهم يفصلون في هذا على ما تقدم ذكره.

وهذا جواب مختصر بما يناسب الحال، لكن أظن أنه مفتاح لفهم هذه المسائل .
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وجزاكم الله خيرا.


🔸 جواب من الدكتور عبد العزيز الريس على سؤال بقناته بالتليجرام.

29 / 1 / 1438هـ


شارك المحتوى: