بدعة العصر


(بدعة العصر)

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبدالله. –

– قال صلى الله عليه وسلم في حديث الفرق ( وستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقه كلها في النار إلا واحده )

نلاحظ أنه في كل زمن تظهر بدعه أو اكثر وتحاول نقض أصل من أصول الدين أو الإخلال به، ويكون لها زخم ثقافي وحضور في الساحة قوي، وأخذ ورد أكثر من غيرها من البدع التي في عصرها إلى أن تندثر أو تخبو شعلتها، ليس بقلة الأتباع فقط بل بقلة رؤوسها وضعفهم، إن لم يكن اندثارها،

وذلك بسبب انبراء أئمة أهل السنه وعلمائهم لرد عليها، وكشف عوارها، ففي عهد علي رضي الله عنه خرجت بدعة الخوارج، فكان لها صوله وجوله، وكان أقوى آثارها سواء قصد أهل هذه البدعة أو لم يقصدوا هو إلغاء أصل الولاية الشرعية، أو الإضرار به وتحريفه.

وقد رد على شبههم علماء الصحابة وأشهرهم عبدالله بن عباس -رضي الله عنهم أجمعين-، وكذلك في عهد الإمام أحمد نبتت نابتة المعتزلة وبدعتهم خلق القران، فانبرى لهم إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل -رحمه الله- وغيره وردوا عليهم.

وفي عهد ابن تيميه انتشر مذهب الأشاعرة؛ وكان من أشد آثاره ضرب عقيدة الأسماء والصفات، فانبرى لهم – رحمه الله – وتلاميذه، وردوا عليهم، حتى قال قائل الأشاعرة: كاد مذهب الأشعري أن يطبق الأفاق حتى أتى غلام تيم فأفسد علينا، يقصد ابن تيميه -رحمه الله-.

والناظر في حوالي التسعين سنة الماضية يجد أن هناك بدعة لها ظهور أكثر من غيرها، وهي ( الحزبية) بمعنى التحزب على غير إمام المسلمين؛ وسببها: الخلل في أصل من أصول الدين ألا وهو أصل الولاية العامة، وكان أول ظهورها على يد حسن البنا بتأسيسه جماعة الإخوان المسلمين، وكان للاسم دلالة مقصودة في اعتقاد حسن البنا وأتباعه، كما صرح بذلك هو وأتباعه في أكثر من موضع؛ حيث كان يوصي اتباعه بالسمع والطاعة له كولي أمر دون الحاكم الموجود،

وهذه الفكرة مأخوذة من الطرق الصوفية التي يدعو شيخها إلى مبايعته، والسمع والطاعة له دون ولي أمر المسلمين وسلطانهم، فقد كتب حسن البنا مؤسس الجماعة الضالة مؤصّلاً لهذا الأمر، فيقول في كتابه ( رسائل الإمام ) في رسالة التعاليم تحت عنوان ( أركان البيعة ): ((و نظام الدعوة – في هذه المرحلة – صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين (أمر وطاعة) من غير تردد، ولا مراجعة، ولا شك، ولا حرج ))

وبهذه الخطوة العملية العلمية نقض حسن البنا أو بمعنى أدق حرّف في أصل الولاية العامة الشرعية، وأخرجها من مفهومها السلفي إلى مفهومها البدعي الجديد، وعليه انسحبت كثير من بدع وانحرافات هذه الجماعة وأفراخها ممن خرج عنها، ليس رجوعاً للحق وإنما تنوع في الباطل لرأي رائه – كانشقاق محمد سرور زين العابدين، وانشقاق النبهاني عن جماعة تنظيم الاخوان – .

ومن هذه الانحرافات أن الولاء للحزب أو التكتل، وليس للإمام ولي الأمر، وهذه الحالة هي عين ما يحدث في نظام الدول الديمقراطية في تكوين الأحزاب والأخويات؛ حيث يكون الالتزام بقواعد الحزب وسياسته هو الأساس لا طاعة ولي الأمر تعبداً لله، والله عز وجل يقول في محكم التنزيل ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )

فإذا أُلغيت ولاية الأمر الشرعية العامة، أو نقلت وحرّفت عن مكانها السلفي تكون هنا البدعة التي نحن ببصددها ونعيش فترتها الزمنية، وأحد أوجهها العملية يتمثل في اتخاذ الديمقراطية وسيلة حكم ومحاولة ترسيخها نظاماً بديلاً عن أصل الولاية الشرعية، أو محاولة أسلمتها عبثاً وتجاوزاً لقواعدها التي بنيت عليها مما يتسبب في تحريف أصل ولاية الأمر العامة عن مكانها الصحيح الذي أراده الشارع والنهج السلفي الحكيم، ففي المنهج السني أن البيعة للإمام ليس لشيخ طريقة مهرطق ولا لأمير جماعة ليس لها سلطان عام في الديار.

وجماعة التبليغ على نفس نهج تنظيم الإخوان في البيعة لغير إمام بلدهم، بل لأمير جماعة الدعوة –زعموا-، وهنا يأتي وجه من وجوه التوافق بين تنظيم الإخوان وجماعة التبليغ، ويظهر كذلك وجه عداء تنظيم الإخوان لجماعة التبليغ في بعض مستوياته لتصارعهم على الولاء والولاية،

ولهذه البدعة آثار سيئة على باقي أصول الدين، ومنها أصل الولاء والبراء بحيث يكون الولاء لمن انتمى للجماعة بأي أشكال الانتماء سواء تنظيما أو فكراً أو تعاطفاً ، بغض النظر عن مدى الضلال في باقي الأصول، كأن يكون متلبس ببدع صوفيه أو بدع كلامية، وحتى ولو أرتكب كفراً فإنه عندهم له محاباة وولاء، كما هو الحال مع الإخوانيين في الخليج وولائهم لأي إخواني عنده طوام في باقي أصول الدين، ومحاباتهم له، وسكوتهم عن انحرافاته، والتحذير منها كما هو نهج السلف، بل إن معاداتهم لمن يرد عليه من السلفيين ويكشف عواره ظاهرة بيّنة.

أضف إلى ذلك مواقف الخليجيين الإخوانيين مع غير بلادهم، وأوطان ليست وطن لهم، ولا تربطهم به بيعة إلا اللهم إنها فقط تحكم من قبل أُناس ينتمون لتنظيم الإخوان إما فكراً او تنظيماً؛ كتركيا ومصر وتونس إن الاخلال بأصل الولاية العامة الشرعية؛ إما نسفاً أو تحريفاً هي البدعة الأولى عند كل حزبي، وخصوصا تنظيم الإخوان المسلمين، وهي التي أوجدت عندهم البدعة الثانية المرتبطة بالولاية العامة، وهي الإخلال بعقيدة الولاء والبراء، فحصرت الولاء في حزبها ( جماعة الاخوان )، والبراء لمن لم يكن منتمياً بأي نوع من أنواع الانتماء للحزب (جماعة الاخوان) ، أو عادى الجماعة وهو ما يسمى ببدعة التحزب ،

ومن هذه البدعة أتى التميع الذي نجده عند الإخوان المسلمين ومن تأثر بهم في هذه العقيدة عند مشايخ ومفكري جماعة الإخوان، أو من دار في فلكهم فكراً أو تعاطفاً تحقيقاً لحشد الناس لصالح جماعتهم المسماة جماعة الإخوان المسلمين، وتطبيقاً لمبدأهم المنبثق من بدعة التحزب نعمل فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه .

فقوله (فيما اتفقنا فيه) يعني التحزب على الجماعة نفسها أو فكرة أو غيره وقوله (ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) يعني التميع وإغفال الأصول على حساب التحزب،

وهذه البدع الموجودة عند جماعة الإخوان الأولى هي نفسها البدع الموجودة عند الجماعات المنشقة منها؛ إما انشقاق بسبب تراتيب إدارية بينهم، أو كان الانشقاق بسبب اختلاف فكري (رأي) كانشقاق النبهاني مؤسس حزب التحرير، أو كانشقاق محمد سرور مؤسس الجماعة السرورية أو التيار السروري، كما يعترف هو بنفسه بوجوده بهذا المسمى، وان كنّا لا ننتظر منه الاعتراف من عدمه، فالتصنيف موجود عند أهل السنه (السلفيين) على أساس اليقين لا الظن لمن أصّل لنقض أصلٍ من أصول الدين أو حرّفه.

ومن خُدع وتلبيسات هذا التيّار أتباع محمد سرور: إيهام الناس أن العقيدة السلفية تنحصر في معتقد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية والقضاء والقدر، ولا تمتد لباقي الأصول؛ كأصل الولاية العامة، فالسلفي عندهم من لا يؤول الصفات في الغالب، ويتركون كثير من الأصول لتُجيّر لصالح الجماعة والتيّار، كأصل الحكم أي الولاية العامة، وكأصل الولاء والبراء، وكأصل الاعتقاد في الصحابة وتوقيرهم، فتجد بعضهم يلمز عثمان -رضي الله عنه-، أو يسكت عمن يقع فيه، وتجد بعضهم يقع في خال المؤمنين معاوية -رضي الله عنه- إلى آخره .

والعلاج لهذ الأمر:

موضوع المقال يكون أولاً: بترسيخ مفهوم أصل الولاية العامة، وأنه من العقيدة السلفية وما يتبعه من البيعة والسمع والطاعة وغير ذلك من الأحكام التي تكفل للمجتمع الإسلامي الوحدة والتماسك، وليس على صورة النُظُم الغربية أو الشرقية، بل على الصورة السلفية؛ لأن الأمر متعلق بأصل تعبدي يعتبر من أصول الدين ومن صميم العقيدة الإسلامية، وليس تقديساً لذات وعين الحاكم، كما تفعله الجماعات الصوفية والإخوانية مع رؤسائها البدعيين غير الشرعيين من تبرير أفعالهم غير الشرعية، وأنهم يقصدون بها شيء آخر غير ظاهرها إلى آخره من هذه التبريرات الباطنية التي لا زمام لها ولا خطام، ومن هنا جاءت إحدى طوام وبدع التربية عند تنظيم الاخوان؛ ألا وهي الشخصنة، وأن مدار تَحَرّك المريد أو التابع على الشخص ذاته لا على الدليل بفهم سلف الأمة .

وعوداً على بدء في أنّ أول الفِرق خروجاً في الإسلام كانت من نقض أصل الولاية العامة (الحكم )، أو تحريفه والعبث به، وهي نابتة الخوارج، فقد ورد في الحديث عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لتنقضنّ عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة).

وعندما طلب الخوارج من عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يتنحى عن الولاية العامة رفض امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعثمان : ( إن الله مقمصك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه )، وذلك عملاً بالأصل وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه)) أخرجه مسلم، ولم يقل اعملوا استفتاءً شعبياً هل يبقى أم لا يبقى، فهذه هي وحدة البيعة في ذمة الشخص الواحد فلا يجوز لشخص أن يبايع إمامين في وقت واحد؛ لأن ذلك ينافي مفهوم البيعة وينقضه .

وهذه الحالة أي وحدة البيعة لشخص واحد منتفية في حال وجود جماعة تدعو لنفسها بالطاعة دون إمام البلد وسلطانه، كجماعة الإخوان أو التبليغ؛ لأن وجودها يخالف هذا الأصل الذي هو جزء من العقيدة، ولماذا هذا الوجود يخالف العقيدة؛ لأنه يعارض الأدلة الثابتة في وجوب أن يكون للمسلم إمام واحد لا اثنين، وتفاصيل هذا الأمر ليس هذا مقامها.

وثانياً أن يبين خلل أي مبدأ يخالف أصل الولاية العامة الشرعية، وأولها في زمننا هذا الديمقراطية، أو ما يسمى بدولة المؤسسات المدنية التي هي دعوة صريحة للعلمانية واللّيبرالية مهما حاول المنحرفون أسلمتها، فلا يجمع بين النار والماء إنما هو تلبيس على المسلمين في دينهم، وخلط بين الحق والباطل، وبين الاسلام والكفر، والله الموعد وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الخلاصة أن نقض أصل الولاية العامة، أو التحريف فيها، هي البدعة المنتشرة في عصرنا هذا سواء من تنظيم جماعة الإخوان، أو أي جماعة حزبية غيرهم؛ لأنه قد تلبس بها كثير من المسلمين، فمُقلّ ومستكثر، وعالم وجاهل بها لم يحمله على اعتناقها إلا الجهل أو الحقد والبغض لولي أمره الشرعي تبع شيطانه فكان من الغاوين.

نسأل الله أن يميتنا على السلفية فهي الدين الحق وأن يبعثنا عليها .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. ا.هـ

كتبه

اخوكم عبدالله بن محمد بن عبدالله الشبانات

في ١٤٣٨/٤/٢٦هــ


شارك المحتوى: