بدعة الاحتفال بالهجرة النبوية


بدعة الاحتفال بالهجرة النبوية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:

فيستقبل بعض الجهلة والمفتونين شهر الله المحرم بالاحتفال بعيد الهجرة – كما يزعمون – فتقرأ السيرة النبوية، وتلقى المحاضرات والخطب، وتنشد القصائد، وتتبادل التهاني، ويعطل الناس عن العمل ، وهذه شرعة ابتدعها الفاطميون الباطنيون – لعنهم الله – في جملة ما أحدثوه من الضلالات، لم يكن معروفا عند سلف الأمة، وأئمة الهدى، بل مما أنكره أهل العلم قديما وحديثا.قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الإتباع لا الابتداع وللنبي (خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة مثل يوم بدر وحنين والخندق وفتح مكة ووقت هجرته ودخول المدينة وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعياداً وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً أو اليهود وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتبع وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه ].

وحدث الهجرة لم يعلق الشارع الحكيم عليه شيئا من عبادة أوعيد أو ذكرى، وتخصيص زمان أو مكان بعيد أو عبادة بدعة وضلالة، ينأ المسلم بنفسه عنها، والخير كله في الإتباع وترك الابتداع، قال تعالى:( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمر فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ).وطائفة من المسلمين بل من محبي الخير سلك مسلكا آخر وهو طلب البركة والخير والأجر في هذا الزمن على اعتبار دخول عام جديد، فتراه يدعو إلى التوبة وكثرة الأعمال الصالحات في ختام ذي الحجة واستقبال المحرم، وتتسابق إلى ذلك رسائل الجوال، إضافة إلى نشر أدعية يستقبل بها العام، ليس عليها أثارة من علم، وليس معهم سوى مجرد الاستحسان ( وإن شئت قلت الهوى والجهل )

والتفضيل لا يكون إلا بدليل شرعي، والتوبة بابها مفتوح، ولا يجوز التسويف بها، وليست مقصورة على آخر العام، والدعاء هو العبادة، والعبادة لا يجوز تخصيصها بمكان أو زمان أوحال أو قول أو هيئة إلا بالكتاب والسنة، ولئن كانت ذكرى الهجرة محدثة، فثمت أخرى ـ أيضا ـ من طقوس الكفار ينساق إليها بعض المسلمين، ويتشبهون بأعداء الدين، وهي بدعة عيد ميلاد المسيح عيسى عليه السلام التي تسمى (الكرسمس) نهاية كل عام ميلادي، وهي من ركس الدولة العبيدية الباطنية الذي جرته على بلاد المسلمين، فترى بعض المسلمين قد انغمس فيها سواء أكان عالما بحرمتها أولا، وذلك بإقامة الاحتفالات أو حضورها ، وتبادل التهاني والهدايا، والفرجة على ما يصنعونه من الزور حتى ولو في وسائل الإعلام، والتوقف عن العمل، بل ربما حضر مع النصارى احتفالاتهم في كنائسهم، بل قد يبالغ في الجناية فيشاركهم شيئا من طقوسهم وشعائرهم، فأين ذهبت بهؤلاء عقولهم ؟!

وعلماء الملة متفقون على حرمته، قال الله تعالى ( لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ) فسره ابن عباس رضي الله عنهما بالعيد، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن لهذه الأمة عيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى خرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الحاكم على شرط مسلم، فمن ابتغى عيدا سواهما فقد تجاوز وظلم، فهل يرضى مؤمن أن يضاهي بأعياد التثليث واستنقاص الرب عيدي الإسلام المشتملين على تعظيم الله وتوحيده ؟!

وهل علم أنهم يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وهم يزعمون أنه إلههم، وأنه ثالث ثلاثة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فما عيدهم هذا إلا تأكيد للشرك، فضلا عن كون الاحتفال به تشبها بالكفار، والتشبه بهم في عاداتهم وطقوسهم مما نادت نصوص الشرعية بالنهي عنه، وأطبق العلماء على تحريمه، فهو من الزور الذي نهي المسلم عن شهوده (والذين لا يشهدون الزور ) فسر مجاهد وابن سيرين وطاووس والضحاك وأبو العالية الزور بأعياد المشركين، واحتج الإمام أحمد بهذه الآية على تحريم شهود أعيادهم.

وقال تعالى ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) فأغنانا بما شرع لنا عن كل ما سواه، والاحتفال بعيد الميلاد من إتباع أهواء الذين لا يعلمون، فمن وافقهم عليه كان من الظالمين، وقد روى أبو داود وأحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من تشبه بقوم فهو منهم ) جود إسناده ابن تيمية وحسنه ابن حجر. قال شيح الإسلام رحمه الله: ( مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل… وأقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم )، وقال ابن القيم: (ونهى عن التشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الكفار في مواضع كثيرة لأن المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة فإنه إذا أشبه الهدي الهدي أشبه القلب القلب )[1]

وعن ثابت بن الضحاك قال نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينحر إبلا ببوانة فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة فقال النبي صلى الله عليه و سلم هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد قالوا لا قال فهل كان فيها عيد من أعيادهم قالوا لا قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم. أخرجه أبو داود وصححه الحافظ ابن حجر. ( فَلَمْ يَأْذَنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يُوفِيَ بِنَذْرِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوَفَاءِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا.حَتَّى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ.وَقَالَ: {لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ}”.فَإِذَا كَانَ الذَّبْحُ بِمَكَانٍ كَانَ فِيهِ عِيدُهُمْ مَعْصِيَةً. فَكَيْفَ بِمُشَارَكَتِهِمْ فِي نَفْسِ الْعِيدِ؟ ) [2]

وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن أمير المؤمنين عُمَر بن بن الخطاب رَضي اللَّهُ عَنْهُ قال: لاَ تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الأَعَاجِمِ وَلاَ تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِى كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَإِنَّ السُّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ. وروى البهيقي عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَنْ بَنَى بِبِلاَدِ الأَعَاجِمِ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه الدولابي والبيهقي. ونصوص أهل العلم في تحريم إقامة عيد الميلاد أو حضوره أو الإعانة عليه أو تعظيمه كثيرة جدا.

وإن من أكثر ما يمارسه بعض المسلمين في عيد الميلاد هو التهنئة به مشافهة أو رسالة أو مهاتفة ونحو ذلك، ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه )

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: (ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملةً أو تودداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم )

نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وإتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، وأن يمنحنا الفقه في الدين، وأن يتوفانا على الإسلام والسنة. إنه سميع مجيب.

رئيس الجمعية / د. عبدالعزيز بن محمد السعيد


شارك المحتوى: