النمام


 

الحمدُ لله وكفى ٬ والصلاة والسلام على أنبيائه الذين اصطفى ٬ وآلهم وأصحابهم ومَن لآثارهم اقتفى … أما بعد :

🔹 قال رسول الله ﷺ : لا يدخلُ الجنةَ قتَّات .
[ متفق عليه (6056) (105) ]
والقتَّاتُ : هو النَّمَّامُ (كما في رواية عند مسلم)

🔸 قال الأمير الصنعاني : النَّميمة : نقلُ كلام الناسِ بعضهِم إلى بعضٍ للإفساد بينهم .
[ سبل السلام (2/677) ]

🔸 وقال الحكيم الترمذي : فالنميمةُ : أن ينمّ على أخيه المسلم إلى مسلمٍ آخرَ ما يوحشهُ به عنده ؛ فهذا أفسدَ ما أصلحَ اللهُ ، وعمَد إلى الوصلة التي وصلَهم اللهُ بها ؛ فحلّ عقدَها حتى تولَّدت عداوة وبغضة بينهم ؛ فهذا فعل : يؤدي إلى فساد عظيم ؛ ويفضي إلى الشرور كلِّها ؛ ولذلك قال عليه السلام : لا يدخلُ الجنةَ قتَّات ؛ لأنه جنديُّ الشيطان وجاسوسُه !
[ المنهيات (96) ]

🔸 وقال سليمان بن داود : إياكَ والنميمةَ ؛ فإنها مثلُ حدِّ السيف .
[ الزهد لهناد بن السري (2/575) ]

🔸 وقال عطاء بن السائب : سمعتُ عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط يقول : لا يسكنُ مكةَ سافكُ دَمٍ ؛ ولا آكلُ الرِّبا ؛ ولا مشَّاء بنميم .
قال : فعجبت منه حين عدلَ النميمة بسفكِ الدَّمِ وأكلِ الرِّبا !
فقال الشعبيُّ : وما تعجَبُ من ذلك ؟ وهل تُسفكُ الدماءُ وتُستحلُّ المَحارمُ إلَّا بالنَّميمة ؟!
[ الزهد لوكيع (763) ]

💡 فهذا حالُ مَن نقلَ كلامًا وصدَقَ في نقلهِ ؛ وإنَّما فَسدتْ نيَّته ؛ فكيف بمَن نقلَ كذبًا ؟!

🔹 قال ﷺ : مَن قال في مؤمنٍ ما ليسَ فيه : حُبسَ في رَدغةِ الخَبالِ حتى يأتيَ بالمخرج ممَّا قال .
[ السلسلة الصحيحة (437) ]
وردغة الخبال : هي عُصارة أهلِ النار كما ثبت في حديثٍ آخر [ انظر صحيح الجامع : (6313) ]

🔹 وقال ﷺ : إنّ شِرار عبادِ اللهِ مِن هذه الأُمَّة : المشّاؤونَ بالنَّميمة ؛المفرِّقون بين الأحبة ؛ الباغون للبرآءِ العَنَت .
[ السلسلة الصحيحة (2849) ]

🔸 قال الأمير الصنعاني في تفسير العنت : الَّذين يبغونهم ما شقّ عليهم ممّا هُم برآء منه .
[ التنوير شرح الجامع الصغير (5/531) ]

🔸 وقال الخطَّابي : وإذا كان الناقلُ لما يسمعه آثمًا ؛ فالكاذبُ القائلُ ما لم يَسمعه أشدُّ إثمًا وأسوأُ حالًا .
[ معالم السنن (4/121) ]

وقد توعَّد ربُّنا أهلَ الغِيبةِ والنَّميمةِ بشديدِ العقاب فقال تعالى : { ويلٌ لكلِّ هُمَزة لُمَزة }

🔸 قال ابن عباس رضي الله عنهما : هم :المشَّاؤون بالنَّميمة ؛ المفرِّقون بين الأحبة ؛ الباغون أكبرَ العيب .

🔸 وقال مجاهد : الهُمَزة : الطَّعَّان ؛واللُّمَزة : الَّذي يأكلُ لُحومَ النَّاس .
[ تفسير الطبري (24/596) ]

ونَهى اللهُ عن الاعتداء على النَّاس بغير حقٍّ ، وأبغضَ المُعتدين ؛ فقال سبحانه تعالى : { ولا تَعتدوا إنَّ اللهَ لا يُحبُّ المُعتدين }

🔸 قال الحافظ ابن جرير : وليس لأحدٍ أن يتعدَّى حدَّ اللهِ تعالى في شيءٍ من الأشياء ممَّا أحلَّ أو حرَّم ؛ فمَن تعدَّاه فهو داخلٌ في جُملةِ مَن قال تعالى ذِكرهُ : *{ إنَّ اللهَ لا يُحبُّ المعتدين }
[ تفسير الطبري (10/522) ]

والواجبُ إبعاد النَّمَّامين وعدمُ السَّماع لهم وإنْ صدَقوا !

🔸 قال الماورديُّ : فاتَّقوا السَّاعي ؛ فإنَّه إنْ كان في سعايته صادقًا : كان في صدقهِ آثمًا ؛ إذ لم يَحفظِ الحرمةَ ويسترِ العَورة !
[ أدب الدنيا والدين (268) ]

🔸 لا تقبلنَّ نميمةً بُلِّغتها
وتَحفَّظَنَّ مِنَ الَّذي أنباكَهَا

🔸 إنَّ الَّذي أَهدى إليكَ نميمةً
سينُمُّ عنكَ بمثلِها قد حاكَها

والواجبُ الدِّفاعُ عن أَعراضِ المُسلمين من إفسادِ أهلِ النَّميمة

🔹 قال ﷺ : مَن ذبَّ عن عِرْضِ أخيه بالغَيبة كان حقًّا على اللهِ أن يُعتقَهُ من النَّار .
🔹 وفي رواية : كان له حِجابًا من النَّار .
[ صحيح الجامع (6240) (6263) ]

ومعلومٌ لدى العقلاء أنَّ النَّمام ما أرادَ إصلاحًا ٬ ولا قصَدَ نَصرَ حقٍّ على باطلٍ … إنَّما الإفسادَ بين النَّاسِ لامتلاءِ قلبه بُغضًا وحسدًا لعبادِ الله !

🔹 قال ﷺ : دبَّ إليكُم داءُ الأممِ قبلكم : الحسدُ والبغضاءُ ؛ هي الحالقة ؛ حالقةُ الدِّينِ لا حالقةُ الشَّعر .
[ صحيح الجامع (3361) ]

🔸 وقال بعضهُم : النَّميمةُ مَبنيةٌ على الكذبِ والحسدِ والنِّفاق .
[ شرح مشكاة المصابيح للطيبي (10/3115) ]

فاتركوا كلَّ نمَّام حاسدٍ حاقد ؛ ليموتَ في كمَدهِ ؛ وليعضَّ أناملَه مِن الغيظ ؛ فليس لنا إليه سبيلٌ ؛ لأنَّه نكبةٌ على دعوة الإسلامِ ؛ فنستعيذُ باللهِ من شرِّه ؛ ونَدعو اللهَ له بالهداية والشِّفاء .

🔹 قال السَّمرقنديُّ : فإنَّ النَّمامَ ذليلٌ في الدُّنيا ؛ وهو في عذاب القبر بعد موته ؛ وهو في النَّار يومَ القيامة آيسٌ من رحمةِ اللهِ تعالى ؛ فإن تابَ قبل موته : تابَ اللهُ عليه .
[ تنبيه الغافلين (171) ]

🔸 وقال معاوية رضي الله عنه : ليسَ في خِصالِ الشَّرِّ أعدلُ من الحسَد ؛ يقتلُ الحاسدَ قبلَ أن يصلَ إلى المحسود .

🔸 وقال بعض الحكماء : يكفيكَ من الحاسدِ أنَّه يغتمُّ في وقتِ سروركَ !

🔸 وقيل في منثور الحكم : عقوبةُ الحاسدِ من نفْسِهِ .

🔸 وقال الأصمعي : قلتُ لأعرابي : ما أطول عمرك ؟ قال : تركتُ الحسدَ فبقيتُ .

🔸 وقال رجلٌ لشُريح القاضي : إنِّي لأحسدكَ على ما أرى من صبركَ على الخصومِ ٬ ووقوفكَ على غامضِ الحِكَم !
فقال : ما نفعكَ اللهُ بذلكَ ولا ضرَّني !
[ أدب الدنيا والدين (270) ]

🔸 اصبرْ على كيدِ الحسو
دِ فإنَّ صبركَ قاتلُه

🔸 فالنَّارُ تأكلُ بعضَها
إنْ لم تجدْ ما تأكلُهْ

وفي الختام : أرى من المناسب أن أحذِّر إخواني من صنفين من النَّاس :

▪️ أمَّا الصِّنفُ الأوَّل : فهُم مَن جعلَ النَّهيَ عن الغِيبةِ بابًا للنَّهيِ عن الكلامِ والتَّحذيرِ من أهلِ البدع ؛ وأصحاب الهوى ؛ ودُعاةِ الضَّلال … فهؤلاء ما بين مُبتدعٍ ضالٍّ قد نالتهُ سِهامُ أهلِ السُّنَّة والجماعة ، أو خَشيَ منها ؛ وبين جاهلٍ مُتورِّعٍ ورعًا باردًا لا يُلتفتُ إليه .

▪️ وأمَّا الصِّنفُ الثاني : فهم مَن تستَّر بأصلِ الذَّبِّ عن السُّنَّةِ وأهلِها ؛ وأطلقَ لسانه بالغِيبة والنَّميمة ؛ والطَّعن في عبادِ الله بغيرِ حُجَّةٍ ولا بُرهان … فهؤلاء همُ المتعالمونَ المُتفيقهونَ ممَّن تَشبَّعَ بما لم يُعطَ ؛ فاحذروا وحذِّروا منهُم فإنَّهم فاسدونَ مُفسدون !

وتجدُ مِنْ أبرزِ علاماتهِم الَّتي فضَحوا أنفسهم بها :

١) ثِقَلُ العلمِ الشَّرعيِّ على نُفوسهِم فتجدهُم عند التَّحقيقِ أبعدَ النَّاس عنه ؛ فلا أفلَحوا في حفظِ نصوصِ الشَّريعة ؛ ولا في فهْمِ معانيها ؛ وإنَّما حالهُم كحالِ حاطبِ اللَّيلِ ليسَ إلَّا ! وتجدُ أنَّ بينهم وبين العلم بَونًا شاسعًا يصعبُ بسببهِ نقاشهُم ؛ ويعسرُ الوصولُ معهُم إلى نقطةِ التقاء !

٢) إشغالُ جلِّ أوقاتهم وإشغالُ مَن حولهم ببابِ الجرحِ والتَّعديل ٬ وما يتعلَّق به ؛ فمعَ كَونهم لا يُحسنوهُ ٬ وليسوا من أهلهِ ؛ ويتناقضون فيه تناقضَ الضِّدَّينِ … : فقد ظنُّوا أنفسهُم حُماةً للشَّريعةِ ٬ ورُعاةً لأبنائها !

ورحمَ الله الحافظَ ابنَ حجرٍ حيث يقولُ : وإذا تكلَّمَ المَرءُ في غير فنِّه أتى بهذه العجائب .
[ فتح الباري (3/584) ]

وكان الواجبُ عليهم الاشتغال بما يناسبُ حالهم ، والإقبال على طلب العلمِ وتزكيةِ نفوسهِم بالعبادةِ والذِّكر … وأمَّا الجرحُ والتَّعديلُ : فهو عِلمٌ شريفٌ يقوم به الشُّرفاءُ من أهلِ العلمِ والدِّين .

٣) تجد أغلب سهامهُم موجَّهةً إلى أهلِ السُّنَّة والجماعة دونَ غيرهم ! فيتتبَّعونَ عَوراتهم وزلَّاتهِم ؛ وينشرونها بين النَّاسِ باسمِ الدِّفاع عن السُّنَّة ! في الوقتِ الَّذي تراهم يسكتُونَ عن بَواقعِ مَن كان مُوافقًا لهم في طعوناتهم ! فأيُّ حزبيَّةٍ أنتنَ ممَّن هذا حالُهُ ؟!

٤) يُنزلون نصوصَ تحذيرِ علماء السَّلَفِ والخلفِ من أهلِ الأهواء على مَن ليسَ بمستحقِّها من أهلِ السُّنَّة ! فجمعوا بين الجهل بمذهبِ السَّلَف ؛ والحماقةِ في تطبيقهِ ؛ والظُّلم لمن طبَّقوهُ عليه !

وغير ذلك من الصِّفات الوضيعة والدَّنيئة ؛ الَّتي تأباها النُّفوسُ الشَّريفة وتَنفرُ منها القلوبُ السَّليمة .

أسألُ اللهَ بأسمائه وصفاتهِ أن يُثبِّتنا على التَّوحيدِ والسُّنَّة ؛ وأن يُجنِّبنا كلَّ خُلُقٍ ذَميم ؛ إنَّه وليُّ ذلكَ والقادرُ عليه ؛ والحمدُ للهِ ربِّ العالَمين .

أخوكم فراس الرفاعي
23 صفر 1436 هــ


شارك المحتوى:
0