المختصر في أحكام شعبان، وبعض المخالفات فيه


سلام عليكم ورحمة الله وبركاته … أما بعد:

فإن لشهر شعبان أحكامًا وتستحب فيه عبادات، ويقع بعض الناس في مخالفات منها:

 

الأمر الأول: يستحب صيام أكثر شهر شعبان كما كان يفعل ذلك رسول ﷺ، أخرج البخاري ومسلم عن عائشة أنها قالت:” ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان”.

فدلَّ هذا على أنه يستحب أن يكثر من صيام شهر شعبان، إلا أن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين فمنهي عنه؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه».

 

إلا أن يوافق عادة كان يصومها الرجل كصيام الاثنين أو الخميس أو غيرهما، وذكر العلماء أن من نذرَ أن يصوم آخر شعبان، أو كان عليه قضاء من رمضان الماضي فإنه يصوم ما قبل رمضان بيوم أو يومين من باب أولى.

 

أما ما يعتقده بعض الناس من أنه إذا انتصف شهر شعبان فلا يستحب الصيام، ويبني ذلك على حديث: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، فهذا الحديث لا يصح كما ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم الأولين كالإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما من أهل العلم.

 

وإن صيام شهر شعبان أفضل من صيام الأشهر الحُرم؛ لأنه صيام متعلق بفرض فهو كالسنن الرواتب، فإنها أفضل من قيام الليل لأنها صلاة متعلقة بفريضة، وقد ذهب جماهير أهل العلم أن السنن الرواتب أفضل من قيام الليل، ومثل ذلك صيام شهر شعبان أفضل من صيام شهر الله المحرم، لأنه صيام نفل معلق بفرض وهو رمضان.

 

وأما ما أخرج مسلم عن أبي هريرة أن النبي ﷺ أنه قال: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم»، فالمراد به الصيام المطلق كما بيَّن ذلك العلامة ابن رجب -رحمه الله تعالى-.

 

الأمر الثاني: يستحب في شهر شعبان الإكثار من قراءة القرآن كما كان يفعل السلف الكرام فقد ذكر ابن رجب في كتابه لطائف المعارف عن جمع من السلف أنهم كانوا يجتهدون في قراءة القرآن في شهر شعبان، وكانوا يسمونه بشهر القراء ذكر ذلك عن سلمة بن كهيل وحبيب بن أبي ثابت وعمرو بن قيس الملائي، ومما علل به ابن رجب أنهم كانوا يفعلون ذلك تدريبًا للنفس وتمرينًا لها على قراءة القرآن، حتى إذا أدرك شهر رمضان أدركه بنفس نشيطة قد اعتادت على الإكثار من قراءة القرآن.

 

الأمر الثالث: جاءت أحاديث عدة بأن الله يطلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن، وهذه الأحاديث تنازع أهل الحديث فيها ما بين مصحح ومُضعف، وعلى القول بصحتها فإنه لم يثبت عن رسول الله ﷺ وصحابته الكرام أنهم خَصُّوا هذه الليلة بقيام، كما بينه أهل العلم.

فإذن لا يصح أن تخص هذه الليلة بقيام، والخير كل الخير في الاتباع لا الابتداع.

 

الأمر الرابع: من كان عليه قضاء من رمضان الماضي فيجب عليه أن يقضي قبل أن يأتي رمضان اللاحق، فإنه إذا لم يقض ما عليه من رمضان الماضي وأدركه الرمضان الآخر فإنه يأثم، ومن أخَّر القضاء إلى أن يأتي رمضان الأخر فله حالتان:

 

-الحالة الأولى: أن يكون مفرطًا، وهذا آثم ويجب عليه مع القضاء أن يطعم عن كل يوم مسكينًا، كما ثبت عن الصحابة الكرام، روى الدارقطني وصححه عن مجاهد عن أبي هريرة فيمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر قال: “يصوم هذا مع الناس ويصوم الذي فرط فيه، ويطعم لكل يوم مسكينا”.

 

-الحالة الثانية: ألا يكون مفرطًا، كأن يستمر به مرض أو غير ذلك من الأعذار حتى أدركه رمضان الآخر، فمثل هذا يجب عليه القضاء من غير إطعام وليس آثمًا، كما هو مفهوم أثر أبي هريرة المتقدم.

 

بعض الأخطاء في شهر شعبان:

 

يقع بعض المسلمين في أخطاء في شهر شعبان ومن ذلك أن بعضهم يعتقد في ليلة النصف من شعبان أنها ليلة التقدير السنوي، وهذا خطأ كما بينه ابن القيم –رحمه الله- في كتابه شفاء العليل فإن قوله سبحانه: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا﴾ [الدخان: 4، 5] أي في ليلة القدر، لذا ذهب جماهير أهل العلم أن التقدير السنوي إنما يكون في ليلة القدر.

 

ومن الأخطاء عند بعض الناس أنهم يحتفلون بليلة النصف من شعبان بالاحتفال المسمى بالقرقيعان، وأصل هذا الاحتفال مأخوذ من الرافضة، وسرى إلى بعض المسلمين، وهذا احتفال محرم فلا يجوز أن يخص زمان باحتفال يتكرر سنويًا أو شهريًا لأنه يكون عيدًا، وإذا تعبد به أصحابه فقد جمعوا إلى كونه عيدا محرما أنه بدعة.

 

وبعض أهل السنة أرادوا مخالفة الرافضة فجعلوا الاحتفال بالقرقيعان في النصف من شهر رمضان، وهذا الفعل محرم؛ لأنه عيد محرم وإن خالفوا فيه الرافضة فأصل الفعل من الرافضة واتخاذ عيد غير الأعياد التي جاءت بها الشريعة محرم في شريعة محمد بن عبد الله ﷺ.

 

أيها القراء: اجتهدوا في شهر شعبان في الإكثار من قراءة القرآن وفي الإكثار من الصيام للفوز بالفضائل ولتغانم الأجور، ولتعويد النفس على الصيام وقراءة القران حتى إذا جاء رمضان الذي هو سيد الشهور فإذا بالنفوس قد اعتادت وعلى الطاعات قد تمرنت فصامت بلا تعب ولا مشقة وفعلت أكثر ما يمكن من قراءة للقرآن وغيره من الطاعات.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

د. عبد العزيز بن ريس الريس

المشرف على موقع الإسلام العتيق


Tags:

شارك المحتوى:
1