الغش في التربية


إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي

محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أمة الإسلام : أن مما أرق ضمائر الغيورين وأقض مضاجع المربين ، ما وصل إليه حال كثير من أولياء الأمور تجاه أمانة ،إنها أمانة من أعظم الأمانات خيانتها من أعظم الخيانات: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

روى الشيخان عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)، وروى النسائي في الكبرى وحسنه الألباني عن أنس بن مالك – رضِي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائلٌ كل رجلٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أوليس هذا أمراً عظيماً؟، هي والله أمانة؛ بوقايتهم من النار، وابعادهم عن كلِّ طريق يوصل إلى جهنم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾

إن الواحد منا إذا أؤتمن على صندوق وجاء يوم الجرد لاحمر وجهه، وخفق فؤاده، خشية أن يضيع مما استودع شيئاً من حطام المال قليلاً كان أو كثيراً، لكن لا يبالي حين يضيع من أولاده تربيتهم وتعاهدهم .

فمن الجهل العظيم، بل غاية الغش والظلم والخديعة والخيانة ذلك، كما في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) .

فما تقولون عباد الله : في رجلٍ غش رعيته، وهم زوجته وأولاده وبناته وأهل بيته؟ غشهم فما أمرهم بالصلاة، وما نهاهم عن المنكرات، بل جعل البيت بلا مراقبة ، والحبل على الغارب ، فضيعوا أولادهم وبناتهم غاية الضياع، وأهملوهم غاية الإهمال، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيمن كان هذا حاله: (يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة).

يقول ابن القيم رحمه الله: وكم من رجل أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.

عباد الله : إنها مصيبةٌ الأمَّة في شَبابها، مصيبتها في رجال غدها وقوَّة مُستقبَلها،من ضعف اهتمام بالصلاة، وبُعد عن المساجد، وشُرب لدخان أو شيشة، أواجتماع على فساد، وإضاعة أوقات في لهوٍ ولعب أوحركات وتصرُّفات لا تَصدُر إلا من مَجانين وناقِصي عقول، كما هو الحال فيمَن يُسمَّون بالمفحّطين.

إنَّ بلادنا مغزوَّة من أعدائنا وأعوانهم، عجزوا بالنار والحديد ، فلجأوا إلى استخدام وسائل الهدم والتدمير بأيسر الوسائل وأقل التكاليف، في زمن العولمة ، والفضائيات والانترنت والهواتف الذكية ، مع ما يعُجّ به عصرنا من آفاتٍ يغرق في وحَلها المراهقون والمراهقات ، وبسبب غياب دور الولي أو ثقته الزائدة في ولده ابناً أو بنتا .. هذه الثقة التي حملته على أن يوفر له كلَّ مطلوبِه دون مراقبة أو مساءلة أو حوار ، لأجل ذلك تضخمت أعباءُ التربيةِ والتوجيه .

عباد الله:إنَّنا في حاجةٍ إلى أنْ ندرك أخطاءَنا في إهمال شبابنا، إنَّ عدم إشغالهم بأمور الحياة النافعة والأعمال الفاضلة قد فرَّغهم للأعمال الضارَّة، وإنَّ تزويدهم بالمادَّة قد ساعَدَهم على ارتكاب الأعمال السيِّئة.

عباد الله: لما أهمل الأولاد وضيعت حقوقهم؛ ضاقت السجون بمن فيها، وسائلوا دور الأحداث والإصلاحيات، بل تصفحوا أرقام وإحصائيات ما يسمى بجنح الأحداث، تجدون من الأمر عجبا، بل ما نجده في أسواقنا وشوارعنا ومفارق طرقنا من هيئاتٍ عجيبة، وبزاتٍ مقززة، وقصات غريبة، وتسكع ومطاردة للنساء، وإغواء للأحداث ما هو إلا إهمال للتربية عند كثير من الآباء إلا من رحم ربك وقليلٌ ما هم.

ولمعالجة هذا الأمر لابد من الشعور بأهميته وخطورة التساهل فيه : ثم بذل الأسباب ومن أعظمها :

الدعاء للأولاد بالصَّلاح والهداية والخير، فها هو الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو فيقول: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ ، وها هم عباد الرَّحمن يدْعون بأن يهب الله لهم ما تقر به أعينهم من الذريَّة الصالحة:﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾

وفي الحديث الذي رواه أحمد وابوداود وحسنه الألباني عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ثلاث دعوات مستجابات لا شكَّ فيهن: وذكر منها ( ودعوة الوالد)

ومن وسائل تربيتهم وتوجيههم :رَحمتهم، وإبداء العطف والحنان تجاههم، فكم من فَراغ عاطفي عاشه الأولاد، سبَّب الكثير من المشكلات التي عجز الوالدان فيما بعد عن الوقوف أمامها ، لقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم المثلَ الأعلى في ذلك، وكان يحذِّر من القسوة في التعامل مع الأولاد، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسنَ بن علي وعنده الأقرع بن حابِس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (مَن لا يَرحم لا يُرحم)

عباد الله: ومن الأسباب لتوعية الأولاد ما هو معلوم بالمشاهد والتجربة أن الصغير إذا تعود شيئاً ونشأ عليه اعتاده وسهل عليه كبيراً وكما قال الأول:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

تربيتهم على كره المعاصي وأهلها، وحب الطاعات وأهلها، فيتعود أبناءنا، حب أهل الخير، وحب العلماء وحب الصالحين، وإكرامهم وتبجيلهم وتقديرهم واحترامهم، وفي المقابل تعويدهم على بغض أهل المعاصي، فإذا رؤوا أمراً من أمور المعصية أو وقعت أعينهم على صورة مطرب أو مغنية أو فاجر أو فاسق، لا بد أن يسمعوا منا عبارات تكون في داخل حكما وتصوراً لها أنها مرفوضة منبوذة غير مقبولة .

فينكرون إذا رأوا أحداً يفعلها، استنكر ذلك ، وبدا منه لفظ استقباحه .

عباد الله : الاجتهاد في التربية والوعظ والتوجيه لابد أن يقرن معه رقابة أو متابعة في تطبيق ما ربى الأولاد عليه،

أين يذهبون؟ متى يأتون؟ من يصاحبون؟ كيف سلوكهم في المدارس؟ ماذا يقرءون؟ ماذا يسمعون؟ ماذا يرون؟ أسئلة جوابها لا يمكن أن نراه أو نجده إلا بالمتابعة والرقابة اللطيفة .

اللهمَّ من أراد أبناء المسلمين بسوء فاشغله في نفسه، واجعل كيدَه في نحره، وأدرِ الدائرة عليه.

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، وأشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى واشهد أن محمد عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليما كثيرا أما بعد

أيها المسلمون في هذه الأيام تعظم المسؤولية وأخذ الحيطة ، ففي الاختبارات ينتشر بيع الحبوب والحشيش وتكثر التجمعات و التفحيط خصوصاً بعد الاختبار فالمدرسة مشغولة في الاختبارات و الأهل والمجتمع في أعمالهم ودوامهم ، فيصبح الابن صيداً سهلاً لخفافيش الظلام

أيها الآباء: جنبوا أولادكم جلساء السوء، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فإنهم يجرون من ارتبط بهم من الشباب إلى المغامرات الدنيئة، والمخدرات المهلكة، والأفعال القبيحة، بل ما يزالون بهم حتى يكونوا أعضاء فاعلين في سلك الفاحشة والتهريب، ونشر الرذيلة وارتكاب الجرائم والفواحش، ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من صحبة من هذه حاله فقال صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل من يخالط -أو قال- يخالل» رواه أحمد والترمذي.

عباد الله : أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلي الله عليه وسلم فان الله أمركم أن تصلوا عليه وتسلموا تسليما قال الله تعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا اللهم أصلح ولاة أمورنا وأصلح بطانتهم وسائر ولاة المسلمين يا رب العالمين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على بينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


شارك المحتوى: