غيثُ المغيث


 

“الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الرَّحمن الرَّحيم ، مالك يوم الدِّين ، لا إله إلا اللهُ ، يفعلُ ما يُريد ، اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت الغنيُّ ، ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيثَ ، واجعل ما أنزلتَ لنا قوة ، وبلاغا إلى حين” .. أما بعدُ :

🔹 فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله ﷺ قال: ما أنزل اللهُ من السماء من بركة ؛ إلَّا أصبحَ فريقٌ من الناس بها كافرين ! يُنزل اللهُ الغيثَ ؛ فيقولون : بكوكب كذا وكذا !
[ صحيح مسلم (72) ]

🔸 ولقد أخبر تعالى على لسان نوح عليه الصلاة والسلام بأن الرجوع إلى اللهِ هو مفتاح الغيثِ فقال : { ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنتُ لهم وأسررتُ لهم إسرارا * فقلتُ استغفروا ربكم إنه كان غفَّارا * يُرسل السَّماءَ عليكم مِدرارا }

🔸 وقال سبحانه وتعالى : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتَّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض }

🔸 وقال جلَّ في عُلاه : { وألَّوِ استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا }

وما منعَ اللهُ الغيثَ عن عباده ؛ إلَّا عقوبة لهم على منعهم إغاثة الفقير بما أوجبه عليهم من زكاة أموالهم !

🔹 فعن بُريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ما نقضَ قوم العهدَ قط ؛ إلَّا كان القتل بينهم ؛ وما ظهرت فاحشة في قوم قط ؛ إلَّا سلط اللهُ عز وجل عليهم الموت ؛ ولا مَنع قوم الزكاة ؛ إلَّا حَبس اللهُ عنهم القِطر .
[ السلسلة الصحيحة (107) ]

وإن منعَ المطر مما استعانَ به النبيُّ ﷺ على قريش لما رَفضتْ دعوته ، واستعصت عليها ..

🔹 فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : لما رأى رسول الله ﷺ من الناس إدبارًا قال : اللهم سبعٌ كسبعِ يوسف .

فأخذتهم سَنةٌ ، حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام ! فجاءَه أبو سفيان وناسٌ من أهل مكة ؛ فقالوا : يا محمد ! إنك تزعمُ أنك بُعثتَ رحمةً ، وإن قومك قد هلكوا ؛ فادعُ اللهَ لهم ؟

فدعا رسول الله ﷺ ؛ فسُقوا الغيثَ ؛ فأطبقت عليهم سبعا .

فشكا الناسُ كثرةَ المطر ؛ فقال : اللهم حوالينا ، ولا علينا ؛ فانحدرتِ السحابةُ عن رأسه ؛ فسُقي الناس حولهم .
[ صحيح السيرة النبوية (227-228) ]

وقد يَبتلي اللهُ عباده بمطر لا يَنتفعون به ، وقد يكون ذلك عقوبة منه لهم على كثرة ذنوبهم ، مع عدم استغفارهم … !

🔹 فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : ليستِ السَّنَةُ بأن لا تُمطروا ؛ ولكن السَّنَةَ : أن تُمطروا وتُمطروا .. ولا تُنبتُ الأرضُ شيئًا .
[ صحيح مسلم (2904) ]

🔹 وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : لا تقوم الساعة حتى يُمطر الناسُ مطرًا عامًّا ، ولا تُنبتُ الأرضُ شيئا .
[ السلسلة الصحيحة (2773) ]

وكان ﷺ يَهتمُّ بأمر المطر ، ويَنشغل به عن غيره من الأمور .

🔹 فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ﷺ إذا رأى ناشئًا في أفق من آفاق السماء ، ترك عمله -وإن كان في صلاة- ثم أقبلَ عليه ؛ فإن كشَفه اللهُ حمدَ اللهَ ، وإن مُطرتْ قال : اللهمَّ صيِّبًا نافعًا .
[ صحيح الأدب المفرد (686) ]

🔹 وعن أنس رضي الله عنه ، أن النبي ﷺ كان لا يَرفع يديه في شيءٍ من الدعاء ؛ إلَّا في الاستسقاء ؛ فإنه كان يرفعُ يدَيه ، حتى يُرى بياضُ إبطيه .
[ صحيح سنن أبي داود (1061) ]

وكان ﷺ يلحُّ على ربِّه في الدعاء للمطر .

🔹 فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتتِ النبيَّ ﷺ بواكي ، فقال : اللهمَّ اسقنا غيثًا مُغيثًا مَريئًا ، نافعّا غيرَ ضارٍّ ، عاجلًا غيرَ آجلٍ .
قال : فأطبقتِ عليهم السماء .
[ صحيح سنن أبي داود (1060) ]

وكان ﷺ يتحرَّى ماء السماء ، يَطلب بركتَه ..

🔹 فعن أنس رضي الله عنه قال : أصابنا ونحن مع رسول الله ﷺ مطرٌ ؛ قال : فحسَرَ رسولُ الله ﷺ ثوبَهُ ، حتى أصابَهُ من المطر.
فقلنا : يا رسول الله ! لم صنعتَ هذا ؟!
قال : لأنه حَديثُ عَهدٍ بربِّه تعالى .
[ صحيح مسلم (898) ]

وكان ﷺ يَحثُّ الناسَ على الدعاء وقتَ نزول المطر .

🔹 فعن مكحول رحمه الله ، عن النبي ﷺ أنه قال : اطلبوا إجابةَ الدعاء عند التقاءِ الجيوش ، وإقامة الصلاة ، ونزول المطر .
[ السلسلة الصحيحة (1469) ]

وكان يُذكِّر الناسَ بأن المطر نعمة من نعم الله تستوجبُ شُكره ، ويًحذِّرهم من أن يتَّبعوا المشركينَ ؛ فينسبوها إلى غير بارئها سبحانه وتعالى !

🔹 فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال : صلَّى لنا رسولُ الله ﷺ صلاةَ الصبح بالحديبية على إثر سماءٍ كانت من الليلة ؛ فلما انصرفَ أقبلَ على الناسِ ، فقال : هل تدرونَ ماذا قال ربُّكم ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم .
قال : أصبحَ من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ ! فأما مَن قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته ؛ فذلكَ مؤمنٌ بي ، وكافرٌ بالكوكب ؛ وأما مَن قال : بنَوء كذا وكذا ؛ فذلك كافرٌ بي ، ومؤمنٌ بالكوكب .
[ متفق عليه (846) (71) ]

اللهم اجعلنا ممن آمن بكَ واتَّقاكَ ، واستغفرَكَ ودعاكَ .. فأجبتَ دعاءه وأغثتَه ..

اللهم اجعل هذا الغيثَ بِشارة منك لعبادك المسلمين ، بنصرك لهم على عدوِّهم الذي لا يُعجزُكَ .

اللهم فأغثنا بنصر من عندك ، يُعزُّ به أهلُ طاعتكَ ، ويُذلُّ به أهل معصيتك ، إنك أنتَ القوي العزيز .. وصلِّ اللهمَّ على نبينا محمد ، وآله وصحبه ، والحمدُ لله ربِّ العالَمين .

أخوكم : فراس الرفاعي
الجمعة 3 ربيع الأول 1438

#خطبة_جمعة


شارك المحتوى:
1