الصوارف عن حقيقة الموت


الخطبةُ الأولى:

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضلل فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شركَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أمَّا بعدُ:

فإنَّ أحسنَ الحديثِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ ﷺ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُهَا، وكُلَّ بدعةٍ صلالةٌ.

إخوةَ الإيمانِ، إنِّي مُحدثٌ نفسي وإياكُم بحقيقةٍ لابُدَّ منها، وبأمرٍ واقعٍ لا محالةَ، ولعِظَمِ هذا الأمرِ وكثرةِ أدلتهِ في المُشاهَدِ والواقعِ فقَدْ أقرَّ بهِ المسلمُ والكافرُ، أتدرونَ ما هذهِ الحقيقةُ؟ إنها حقيقةُ الموتِ.

إننا في هذهِ الحياةِ كالذي يعيشُ حُلُمًا ثم فجأةً استيقظَ ثُمَّ انقَطَعَ حُلُمهُ، إننا في هذهِ الحياةِ نعيشُ ابتلاءً وامتحانًا واختبارًا، وحقيقتُهَا كمثَلِ مَنْ قيلَ لهم: ادخلوا هذا المكانِ الحسنِ واشتغلوا فيهِ بجمعِ الدراهمِ والدنانيرِ، فلما دخلَ الناسُ المكانَ الحسنَ أخذَ طائفةٌ يجدِّونَ ويجتهدونَ في جمعِ الدنانيرِ والدراهمِ، وطائفةٌ تتأمَّل في حُسنِ هذا المكانِ، وفي جمالِهِ، ويتحدثونَ عن حُسنهِ وجمالهِ، والوقتُ يمضي عليهمْ والعُمُر يذهبُ عليهمْ، وطائفةٌ ثالثةٌ تارةً تجمعُ الدنانيرَ والدراهمَ وتارةً تنشغلُ بجمالِ المكانِ الذي فيهِ، ثُمَّ في لحظةٍ واحدةٍ سمعوا صفَّارةَ الانتهاءِ، فبعدَ ذلكَ مَن اشتغلَ بالحقيقةِ وهو جمعُ الدراهمِ والدنانيرِ فقدْ فازَ بينَ الأقوامِ، ومَن اشتغلَ بجمالِها وحُسنهَا فقد خَسِرَ، ومَن خلَطَ بينهما فقَدْ خَسِرَ بقدرِ انشغالهِ.

إنهُ لا واعِظَ للقلوبِ المؤمنةِ أعظمُ مِنْ كتابِ اللهِ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57] وقالَ سبحانهُ: ﴿يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [البقرة: 231] وقالَ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125] إلى غيرِ ذلكَ مِنَ الآياتِ الكثيراتِ.

تأمَّلوا إخواني قولهُ تعالَى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ﴾ نَعَم! هذهِ الحياةُ التي تنافسنَا وتحاسدنَا فيهَا، وقطعنا الأرحامَ وعصَيْنَا ربَّنَا العلَّامِ، قالَ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: 20] يا إخوةَ الإيمانِ إنَّ القائلَ هو اللهُ الذي خلقهَا وصوَّرهَا!

وهذهِ الدنيا بما ترَى فيها مِنَ المالِ والجاهِ والحسبِ والنساءِ …إلى غيرِ ذلكَ، واللهِ ليسَتْ حسنةً، ولكنها حُسِّنَتْ وزُيِّنَتْ ابتلاءً لنَا، تأمَّلوا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران: 14] تأمَّلْ قولَهُ: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ فهيَ إذَنْ ليسَتْ حسنةً وإنما زُيِّنَتْ للناسِ للابتلاءِ.

روى الإمامُ مسلمٌ عَنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «إنَّ الدُّنيا حُلوةٌ خَضِرَةٌ …» حُلوةٌ في طعمها حسنةٌ في منظرِهَا للابتلاءِ والامتحانِ، قالَ: «إنَّ الدُّنيا حُلوةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللهَ مُستخلفُكُم فيهَا فينظرُ كيفَ تعملونَ، فاتَّقوا الدُّنيا واتَّقُوا النساءَ فإنَّ أولَ فتنةِ بني إسرائيلَ في النساءِ».

ومَنْ عرَفَ هذهِ الحقيقةُ واشتغلَ بما خُلِقَ مِنْ أجلهِ وهيَ عبادتهُ كما قالَ سبحانهُ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 56-58].

مَنِ اشتغلَ بهذهِ الحقيقةِ فقَدْ نَجَا، لِذَا قالَ سبحانهُ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].

وقالَ سبحانهُ: ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ﴾ [الحشر: 20].

فيَا إخوَتاهُ! أيها المسلمون! أيها العِبَاد! اتَّقُوا اللهَ ورَاجِعُوا أنفُسَكُم واجعلُوا هذه الحقيقةَ بينَ أعينكُم، وهيَ حقيقةُ الموتِ، هادِمُ اللذاتِ ومُفرِّقُ الجماعاتِ، أتدرونَ أنَّ أكثرَ بني آدمَ يموتونَ ولَمْ يبلُغوا سِنَّ الشيخوخةَ؟ أكثَرُ الناسِ ماتُوا وهُم في سِنِّ الشبابِ أو مَا دونَ ذلكَ، وإذا أردتَّ أَنْ تعرِفَ هذا الأمرِ فانظُرْ إلى الشبابِ في أقارِبِكَ وانظُرْ إلى كِبارِ السنِّ، تجِدْ أنَّ كبارَ السنِّ أقلُّ بكثيرٍ مِنَ الشبابِ، لِذَا يا تُرَى مَتَى ستموت؟ ألَم تُراجِع نفسَكَ وتسألُها؟ كَمْ ستعيشُ في هذهِ الحياةِ؟

قَدْ بلَغَ بعضُ الناسِ الثلاثينَ والأربعينَ والخمسينَ والستينَ والسبعينَ … ولَم يقِفْ معَ نفسهِ هذهِ الوقفةُ، وإنَّما ظنَّ نفسهُ يعيشُ العُمُر المدِيدَ والأزمانِ الطويلةِ، وأكثَرُ مَنْ حولهُ قدْ ماتُوا، كَمْ عددُ مَنْ بلَغَ الثمانينَ في مُجتمعِنَا؟ كَمْ عددُ مَنْ بلَغَ السبعينَ بالنسبةِ إلى غيرهِ؟ إنهم أقلُّ بكثيرٍ، لذا إيَّاكَ وأَنْ يخدَعَكَ الشيطانُ كمَا قالَ سبحانهُ: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾ [النساء: 120].

هذهِ الأمانِي، فكلَّمَا أرادَ الرجلُ أنْ يتوبَ وأَنْ يُقبِلَ على اللهِ، قالَ: لا زالَ في الأمرِ فُسحةٌ… فأجَّلَ وأجَّلَ، فإذا بهَادمِ اللذَّاتِ ومُفرِّقِ الجماعاتِ قَدْ هَجَمَ عليهِ وأصبحَ في عِدَادِ الموتَى وانقطعَ العملُ، قالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ -رضي الله عنه-: ” ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ “.

اللهُمَّ يا مَنْ لا إلهَ إلَّا أنتَ، يا رحمنُ يا رحيمُ، اللهُمَّ اجعَلنَا ممَّن هَديتَهُ، وعلى الصراطِ المستقيمِ ثبَّتَّهُ، اللهُمَّ يا مَنْ لا إلهَ إلَّا أنتَ، أحيِنَا على التوحيدِ والسُّنةِ وأمِتْنَا على ذلكَ، واجعلنَا مِنْ عبادِكَ المُتَّعِظِينَ والمُنتَفِعِينَ يا أرحمَ الراحمينَ.

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكُمْ فاستغفروهُ إنهُ هوَ الغفورُ الرَّحيمُ.

 

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ … أمَّا بعدُ:

فإنَّ كثيرًا مِنَّا مريضٌ بمرضٍ عظيمٍ، وهوَ واللهِ وتاللهِ وباللهِ لا يعلَمُ مرضَهُ، أتدرونَ ما ذاكَ المرضُ؟ إنَّهُ مرَضُ موتُ القلوبِ، ما أكثرَ الذينَ قد صحَّتْ أبدانُهُم وماتَتْ قلوبهُمْ، لا يتَّعِظ بالموتِ ولا بالذِّكرَى والمواعِظِ التي هِيَ سياطُ القلوبِ كما أنَّها سياطُ الأبدانِ، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾ [الأعلى: 9-10].

مَنْ مِنَّا يا إخواني يستفيدُ مِنَ المواعِظِ والذِّكرَى؟ بَلْ ترانَا نجتمعُ في المقابرِ وترَى الرجلَ يُكلِّمُ الرجلَ ويُضاحِكهُ ويُمازِحُهُ، وصاحبهُ وبينَ يديهِ أُناسٌ يعرفُهُم أحياءَ وهُم مُكفَّنونَ بينَ يديهِ، وبعدَ لحظاتٍ سيكونونَ في بطنِ الأرضِ وهوَ يُضاحِكُ زُملاءهُ ويُمازِحُهُم على شفيرِ القبرِ!

إنَّ هذا دليلٌ مِنْ أدلةِ موتِ القلبِ، روى الإمامُ مسلمٌ عَنْ أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «فزورُوا القبورَ فإنها تُذكِّرُ الموتَ»، تُذكِّرُ مَنْ؟ تُذكِّرُ مَنْ كانَ قلبهُ حيًّا، لِذا راجِعْ نفسَكَ، إنْ لم يكُنْ قلبُكَ حيًّا مُستفيدًا مِنَ المواعِظِ والذِّكرَى، خائفًا وجِلًا، إذا سَمِعَ الذِّكرَ أقبَلَ على اللهِ، اعلَمْ أنَّ قلبَكَ في حالةٍ سيئةٍ وهيَ الموتُ -عافاني اللهُ وإيَّاكُمْ-.

والناسُ مُتفاوتونَ في هذا المرضِ، أسألُ اللهَ أنْ يُحيي قلوبَنَا إنهُ أرحمُ الراحمينَ.

لابُدَّ مِنْ مراجعةِ القلبِ، ومما يُعينُ على إحياءُ القلبِ: إحياءُ الخوفِ في قلوبِنَا مِنَ اللهِ، الأنبياءُ وما أدراكَ مَنِ الأنبياءِ، أحبُّ عبادِ اللهِ إلى اللهِ، قالَ اللهُ عنهُمْ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].

مَنْ مِنَّا رفَعَ يديهِ فدعَا فذَرَفتْ عينهُ خوفًا ووَجَلًا مِنَ اللهِ؟ يقرأُ أحدُنَا القرآنَ ويختمُ الختمةَ تِلْوَ الختمةِ ولَمْ تذرُفْ عينهُ، لكنهُ قَدْ يسمعُ أغنيةً حزينةً فتذرُف عينهُ! فدلَّ على مرضِ قلبهِ -عافاني اللهُ وإيَّاكُمْ-.

فليُراجِعْ كُلُّ واحدٍ مِنَّا نفسهُ، ولنحذَر ما يلي:

الأمرُ الأولُ: التسويفُ والتأجيلُ والأماني، فإنَّ الأماني رأسُ مالِ المفاليسُ، قالَ اللهُ عن الشيطانِ: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾ [النساء: 120] فبادِروا بالتوبةِ مِنَ الآن! ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31] راجِعْ نفسكَ إن لم تكُنْ مُصلِّيًا فاتَّقِ اللهَ وصَلِّ ولا تَكْتَفِ بصلاةِ الجمعةِ، وإنْ كنتَ مُصليًا لكِنْ في البيوتِ فاتَّقِ اللهَ وواظِبْ على الصلاةِ في المساجدِ، وإنْ كُنتَ تُصلي الصلواتَ إلَّا الفجرَ فاتَّقِ اللهَ فقَدْ يهجُمُ عليكَ هادِمُ اللذاتِ ومُفرِّقُ الجماعاتِ وأنتَ على فِراشِكَ والمسلمونَ يركعونَ ويسجدونَ للهِ ربِّ العالمينَ.

راجِعْ نفسَكَ في بِرِّكَ لِوالِديكَ، هل أنتَ عاقٌّ لأمِّكَ وأبيكَ؟ هل أنتَ قاطِعٌ لأرحامِكَ؟ هل أنتَ تأكُلُ المالَ الحرامَ مِنَ الرِّبَا وأموالِ الضُّعفاءِ والغِشِّ وغيرِ ذلكَ؟ هل أنتَ لعَّانٌ شتَّامٌ وصاحِبُ غيبةٍ؟ وهذه كلُّهَا مِنَ الكبائرِ، هل أنتَ مُضيِّعٌ مَنْ تحتَكَ مِنَ البنينَ والبناتِ؟ ضيَّعتهُمْ وجعلتهُمْ يعيشونَ في هذهِ الحياةِ برَغَباتِهِمْ بِلَا أمرٍ ولا نهيٍ مِنكَ؟ وهِيَ أمانةٌ بينَ يديكَ؟ اتَّقِ اللهَ وراجِعْ نفسَكَ.

الأمرُ الثاني: الغفلةُ، إيَّاكُم والغفلةُ، قالَ اللهُ سبحانهُ: ﴿وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205] وقالَ: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ [الكهف: 28] كثيرٌ مِنَ الناسِ يَعرِفُ الخيرَ لكنهُ غافلٌ، يسمَعُ الناسَ يُصلَّونَ وَلَا يُصلِّي، غافلٌ سارحٌ مارِحٌ في دُنيَاهُ، مع زُملائِهِ وأصحابهِ مِنَ الشبابِ أو معَ القيلِ والقال، أو معَ تجاراتِهِ وبيعِهِ، لا تراهُ صاحِبَ طاعةٍ، وبعضهم قدْ يكونُ صاحِبُ طاعةً ويُصلي الصلواتِ الخمسِ لكنهُ ليسَ مُقبلًا على اللهِ بقلبهِ، ليسَ لهُ وِردٌ مِنَ القرآنِ وأذكارِ الصباحِ والمساءِ والصدقاتِ وغيرِ ذلكَ، ليسَ لهُ خلوَةٌ معَ اللهِ يُراجعُ نفسهُ ويُؤنِّبُهَا، ونحنُ مُطالبونَ بمحاسبةِ أنفُسِنَا.

الأمرُ الثالثُ: الـمُحاسَبَةُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر: 18] ليُراجِعْ كلُّ واحدٍ مِنَّا نفسَهُ، ليُحاسِبُهَا، مَنْ يُجالِس، وماذَا يأكُل، وماذا تركَ مِنَ الطاعاتِ والعِباداتِ، إلى غيرِ ذلكَ، والكلامُ في هذا يطول.

وأسألُ اللهَ الذي لا إلهَ إلَّا هوَ، اللهُمَّ يا مَن لَمْ يهتدِ مُهتدٍ إلا بفضلك، ولم يستقِم مُستقيمٌ إلا بمنِّكَ وكرمِكَ، اللهُمَّ اهدِنَا فيمَنْ هَديتَ، اللهُمَّ اهدِنَا فيمَن هديتَ، اللهُمَّ اهدِنَا فيمَن هديتَ.

اللهُمَّ اجعلنَا للطاعاتِ مُسارعينَ، وفي ابتغاءِ مرضاتِكَ مُسابقينَ، اللهُمَّ خُذْ بنواصِينا إلى البرِّ والتقوى يا أرحمَ الراحمينَ.

 

 

 

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

شارك المحتوى:
0