التعليق على مقطع بعنوان:(دقيقتين وتمحى كل ذنوبك) وآخر بعنوان: (حلم صغير//كيف تغفر ذنوبك في خمس دقائق؟)


التعليق على مقطع بعنوان:(دقيقتين وتمحى كل ذنوبك)

وآخر بعنوان:

(حلم صغير//كيف تغفر ذنوبك في خمس دقائق؟)

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:

فقد أرسل لي أحد الإخوة مقطعاً صوتياً انتشر في أجهزة الاتصال والتواصل كُتِب في مقدمته(دقيقتين وتمحى كل ذنوبك)، ثم كتب صاحبه عدة أسئلة، ومنها: هل صليت الفجر؟ كم أغنية سمعتها؟ كم واحد اغتبته؟…إلخ

ثم قال: هل تريد أن تمحى الذنوب هذه كلها؟ حتى لو كانت مثل زبد البحر؟ إذن: قل معي: سبحان الله وبحمده، وكرَّرَها في المقطع مئة مرة.

وهو يشير إلى حديث أبي هريرة المتفق على صحته أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)..

وهذا الذكر عظيم بلا شك ينبغي أن نحرص عليه وعلى غيره من الأذكار المأثورة لعظم أجرها مع أنها يسيرة على من يسرها الله عليه.

ولكني أحب التنبيه هنا على أمور:

1- ليس المراد بالحديث أن الإنسان يفعل ما يشاء من المعاصي، ثم يقول هذا الذكر، ظناً منه أن خطاياه ستمحى بمجرد ذلك، فإن هذا نوع من الغرور المذموم، كما نبه على هذا العلامة ابن القيم في كتابه الجواب الكافي ص 22

وقال رحمة الله عليه:(قد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأن حسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا الى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذبًا له على الطاعة زاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء، ورجاؤه بطالة وتفريطاً، فهو المغرور).

ولو تيقن الإنسان قبول عمله لما كان يجوز له الإقدام على فعل تلك الذنوب أو غيرها، فكيف وهو لا يدري هل قبل عمله أو لم يقبل؟

2- الأجر المترتب على هذا الذكر إنما يكون لمن قالها بلسانه مستحضراً معناها بقلبه، عارفًا قدرها وحقيقتها راجياً ثوابها، وليس المراد القول المجرد فإنه وإن حطت بسببه بعض الخطايا فإنه لا ينال بذلك الثواب التام، فإن كل قول رتب الشرع عليه ثواباً فإنما يراد به القول التام، كما ذكره ابن القيم. ونص هو وشيخه الإمام ابن تيمية على أن الأعمال لاتتفاضل بصورها وأعدادها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب. منهاج السنة 6/221، مدارج السالكين 1/331 ..

[وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذاكر معانيه ومقاصده] قاله الإمام ابن القيم في الفوائد.

3- هذا الحديث وأمثاله التي فيها أن بعض الأعمال الصالحة تكفر الذنوب لايدخل فيها الكبائر، بل الكبائر لابد لها من توبة، وهذا مجمع عليه بين العلماء، حكى الإجماع ابن عبدالبر وغيره، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).

ولا ريب أن هذه الأذكار ليست بأفضل من صيام رمضان، فضلاً عن الصلوات الخمس!!

ومن هنا نعلم خطأ ما ذكر في المقطع من ترك صلاة الفجر، فإن تأخير صلاة واحدة عن وقتها عمداً من الكبائر، وكذا الغيبة فإنها من الكبائر عند عامة أهل العلم ولا بد لها من توبة، كما أنها متعلقة بحقوق المخلوقين فيحتاج الواقع فيها إلى طلب العفو ممن اغتابه، فإن خشي وقوع مفسدة فإنه يتوب إلى الله ويستغفر لمن اغتابه ويدعو له ويذكره بالخير في المجالس التي اغتابه فيها.

والخلاصة: أنه يجب على من وقع في ذنب أن يبادر بالتوبة، لا سيما إن كان الذنب من الكبائر، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة. كما في صحيح مسلم من حديث الأغر المزني، وليجتهد العبد في الأعمال الصالحة قدر استطاعته، وليسأل ربه العون والتوفيق والتسديد، فإن العمر قصير، والموت يأتي بغتة، فاستعدوا بما ينفعكم يوم تلقون ربكم، وما أجمل ما علقه البخاري في صحيحه جازماً به ووصله ابن أبي شيبة وغيره، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً، حساب ولا عمل)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

كتبه أخوكم/حسام بن عبدالله الحسين

ليلة الاثنين 1433/5/17هـ

وبعد أن انتهيت من كتابة هذه الأحرف وصل إلي مقطع قريب من هذا لـ[علي بن حمزة العمري]هداه الله، بعنوان(حلم صغير//كيف تغفر ذنوبك في خمس دقائق؟)

ذكر فيه حديث عمرو بن عبَسة في صحيح مسلم أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الوضوء فقال: (ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه)..

وذكر في المقطع أن هذا العمل يغفر الذنوب كلها الصغائر والكبائر، وهذا الإطلاق لا يصح، لأن النصوص يفسر بعضها بعضاً، وإلا فهل يقول قائل بأن الصلاة تكفر قتل النفس والربا والزنا وشرب الخمر؟ نعم الله غفور رحيم، ورحمته وسعت كل شيء، لكن الذي أخبرنا بهذا هو الذي بين لنا أن الكبائر لا بد لها من توبة، فكل حديث فيه مغفرة الذنوب كلها لعمل من الأعمال الصالحة، ومنه الأحاديث التي فيها(غفر له ماتقدم من ذنبه، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه…)، فالمراد به ما سوى الكبائر جمعاً بين النصوص، وقد تقدم ذكر بعضها.

ومما لا شك فيه أن الفرائض أفضل من النوافل، فإذا كانت الصلوات الخمس لا تكفر الكبائر، فمن باب أولى ألا تكفرها النوافل. قال ابن رجب:(أما الكبائر، فلابد لها من التوبة؛ لأن الله أمر العباد بالتوبة، وجعل من لم يتب ظالماً، واتفقت الأمة على أن التوبة فرض، والفرائض لا تؤدى إلا بنية وقصد، ولو كانت الكبائر تقع مكفرة بالوضوء والصلاة، وأداء بقية أركان الإسلام، لم يحتج إلى التوبة، وهذا باطل بالإجماع، وأيضاً فلو كفرت الكبائر بفعل الفرائض لم يبق لأحد ذنب يدخل به النار إذا أتى بالفرائض، وهذا يشبه قول المرجئة وهو باطل، هذا ما ذكره ابن عبد البر في كتابه “التمهيد”، وحكى إجماع المسلمين على ذلك. ثم نقل ابن رجب أن بعضهم كان يرى القول بأن الأعمال الصالحة تكفر الكبائر، ونقل عن ابن عبدالبر أنه قال: قد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في هذا الباب، لولا قول ذلك القائل، وخشيت أن يغتر به جاهل، فينهمك في الموبقات، اتكالاً على أنها تكفرها الصلوات دون الندم والاستغفار والتوبة، والله نسأله العصمة والتوفيق…

ثم قال ابن رجب: فإن كان مرادهم أن من أتى بفرائض الإسلام وهو مصر على الكبائر تغفر له الكبائر قطعاً، فهذا باطل قطعًا، يعلم بالضرورة من الدين بطلانه…وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بيان، وإن أراد هذا القائل أن من ترك الإصرار على الكبائر، وحافظ على الفرائض من غير توبة ولا ندم على ما سلف منه، كفرت ذنوبه كلها بذلك … فهذا القول يمكن أن يقال في الجملة، والصحيح قول الجمهور: إن الكبائر لا تكفر بدون التوبة؛ لأن التوبة فرض على العباد، وقد قال عز وجل[ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون]، وقد فسرت الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود التوبة بالندم، ومنهم من فسرها بالعزم على أن لا يعود، وقد روي ذلك مرفوعاً من وجه فيه ضعف، لكن لا يعلم مخالف من الصحابة في هذا، وكذلك التابعون ومن بعدهم، كعمر بن عبد العزيز، والحسن، وغيرهما..)ا.هـ باختصار.

ومما يجدر التنبيه عليه أن علي العمري استخدم بعض المصطلحات الصوفية كالفيوضات ونحوها، فهل ذلك جهل منه؟ أو سبق لسان؟ أو أنه يغرف مما في قلبه!!؟

ولعمر الله إن لدينا من الذنوب ما يغنينا عن المسارعة لزيادتها بمثل ذلك التهوين الشديد منها، وكان ينتظر من العمري وغيره أن يحذر الناس من المعاصي، ويورد لهم النصوص المحذرة منه، لا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن وانتشرت به المعاصي الشبهاتية والشهوانية، وأن يدعوهم إلى التوبة النصوح والمسارعة لذلك، ويحضهم مع ذلك على الأعمال الصالحة، لا أن يوهمهم أن مجرد وضوئهم مع صلاة ركعتين كافٍ لرجوعهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، فإن في هذا إضعافاً لرهبة المعاصي في النفوس، والشريعة لا تأتي بمثل هذا، والنصوص يفسر بعضها بعضاً، لا سيما والثواب المذكور لا يكون إلا لمن قبل عمله، ودون الوصول لمعرفة ذلك في الدنيا خرط القتاد، والله المستعان.

وأختم بكلام نفيس قيم سطرته أنامل الإمام ابن القيم حيث قال: [وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر!!

ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان والجمعة إلى الجمعة لايقويا على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر، فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها؟ هذا محال، على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء يكفر لجميع ذنوب العام على عمومه، ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع، ويكون إصراره على الكبائر مانعاً من التكفير، فإذا لم يصر على الكبائر تساعد الصوم وعدم الإصرار وتعاونا على عموم التكفير، كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر، مع أنه سبحانه قد قال (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)، فعلم أن جعل الشيء سبباً للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير، ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما، وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوى وأتم وأشمل]..

وقال رحمه الله: [فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها، وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر السيئات تكفيراً كاملاً، والناقص بحسبه، وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة، وهما: تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان، وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه،

وبهذا يزول الإشكال الذي يورده من نقص حظه من هذا الباب على الحديث الذي فيه [أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة].

قالوا : فإذا كان دأبه دائماً أنه يصوم يوم عرفة، فصامه، وصام يوم عاشوراء، فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة؟؟

وأجاب بعضهم عن هذا: بأن ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات!!

ويالله العجب فليت العبد إذا أتى بهذه المكفرات كلها أن تكفر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض، والتكفير بهذه مشروط بشروط، موقوف على انتفاء الموانع كلها، فحينئذ يقع التكفير، وأما عمل شملته الغفلة أو لأكثره، وفقد الإخلاص الذي هو روحه، ولم يوف حقه، ولم يقدره حق قدره، فأي شيء يكفر هذا؟

فإن وثق العبد من عمله بأنه وفاه حقه الذي ينبغي له ظاهراً وباطناً، ولم يعرض له مانع يمنع تكفيره، ولا مبطل يحبطه – من عجب، أو رؤية نفسه فيه، أو يمن به، أو يطلب من العباد تعظيمه به، أويستشرف بقلبه لمن يعظمه عليه، أو يعادي من لا يعظمه عليه ويرى أنه قد بخسه حقه وأنه قد استهان بحرمته- فهذا أي شيء يكفر؟

ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه، فالرياء وإن دق محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر، وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضاً موجب لكونه باطلاً، والمنُّ به على الله تعالى بقلبه مفسد له…، فمعرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها، ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها، من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد ويحرص على عمله ويحذره]..

اللهم اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلنا، وما أسرفنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

أخوكم: حسام بن عبدالله الحسين

1433/6/21


شارك المحتوى: