التجسس والغيبة بين المشروع والممنوع


التجسس والغيبة بين المشروع والممنوع

عن همام بن الحارث قال : كنا جلوسا مع حذيفة في المسجد فجاء رجل حتى جلس إلينا فقيل لحذيفة إن هذا يرفع إلى السلطان أشياء فقال حذيفة إرادة أن يسمعه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( لا يدخل الجنة قتات.).صحيح مسلم ج 1 ص 101

قال النووي في شرح الحديث 2 113:
وكل هذا المذكور فى النميمة اذا لم يكن فيها مصلحة شرعية فان دعت حاجة اليها فلا مانع منها وذلك كما اذا أخبره بأن انسانا يريد الفتك به أو بأهله أو بماله أخبر الامام أومن له ولاية بأن انسانا يفعل كذا ويسعى بما فيه مفسدة ، ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك وازالته فكل هذا وما أشبهه ليس بحرام وقد يكون بعضه واجبا وبعضه مستحبا على حسب المواطن والله أعلم.

وجاء في صحيح البخاري ج 2 ص 932:
[2495] حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال سالم سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها بن صياد حتى إذا دخل رسول الله 
e طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة فرأت أم ابن صياد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد أي صاف – وهو اسمه – : هذا محمد فتناهى بن صياد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركته بين.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرحه لهذا الحديث ج 6 ص 174:
” وفي قصة ابن صياد :
1ـ اهتمام الإمام بالأمور التي يخشى منها الفساد والتنقيب عليها .
2ـ وإظهار كذب المدعى الباطل وامتحانه بما يكشف حاله .
3ـ والتجسس على أهل الريب.”.

وجاء في كتاب التوحيد للمجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ( باب من هزل بشيء فيه ذكر لله أو القرآن أو الرسول ) وقول الله تعالى (( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن )) قال بعض المنافقين ” مارأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء “.
قال عوف بن مالك ” كذبت ، ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” .
قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في شرحه على هذا الباب :
( هذا من انكار المنكر ومن النصيحة لولاة الأمور ، فالمسلم يبلغهم مقالات المفسدين والمنافقين من أجل أن يأخذوا على أيديهم لئلا يخلوا بالأمن ويفرقوا الكلمة … وهو من الإصلاح لا من النميمة ). ا.هـ.
اعانة المستفيد في شرح كتاب التوحيد2/189.

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
يجب أن نكون عينا وعونا لولاة أمرنا .

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 3 ص 57
[11564] حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال اجتمع أناس من الأنصار فقالوا آثر علينا غيرنا(( فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (( فجمعهم ثم خطبهم فقال يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله قالوا صدق الله ورسوله قال ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله قالوا صدق الله ورسوله قال ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله قالوا صدق الله ورسوله ثم قال ألا تجيبونني ألا تقولون أتيتنا طريدا فآويناك وأتيتنا خائفا فآمناك ألا ترضون ان يذهب الناس بالشاء والبقر وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم فتدخلونه بيوتكم لو ان الناس سلكوا واديا أو شعبة وسلكتم واديا أو شعبة سلكت واديكم أو شعبتكم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار وإنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض .
قلت : الشاهد فيه ( فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ) ولم ينكر الرسول على الذي بلغه الخبر ولم يقل هذه نميمة أو تجسس بل أمر بجمعهم وقال لهم كما في بعض الطرق:
(يا معشر الأنصار ما مقالة بلغتنى عنكم أكثرتم فيها) وذكر الحديث .
ولو كان هذا الامر منكرا لأنكر عليه الرسول ، فلما لم ينكر عليه دل هذا على أن ابلاغ السلطان على وجه فيه المصلحة هو أمر مشروع .
جاء في بعض الروايات أن الذي بلغه هو : سعد بن عبادة رضي الله عنه .

وقال الجويني في كتابه غياث الأمم :

( إن نبغ في الناس داع في الضلالة وغلب على الظن أنه لا ينكف عن دعوته وشر غائلته فالوجه :
أن ـ السلطان ـ يمنعه وينهاه ويتوعده لو حاد عن ارتسام أمره وأباه فلعله ينزجر وعساه .
ثم يكل به موثوقا به حيث لا يشعر به ولا يراه فإن عاد إلى ما عنه نهاه بالغ في تعزيره وراعى حدا الشرع وتحراه .
ثم يثنى عليه الوعيد والتهديد ويبالغ في مراقبته من حيث لا يشعر.
ويرشح مجهولين يجلسون إليه على هيئات متفاوتات ويعتزون إلى مذهبه ويسترشدونه ويتدرجون إلى التعلم والتلقي منه فإن أبدى شيئا أطلعوا السلطان عليه فيتسارع إلى تأديبه والتنكيل به).ص169.

محمد بن أحمد الفيفي
عضو هيئة التدريس
جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية


شارك المحتوى: