البدعة أشد وأغلظ من الكبائر


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن من المقرر عند علماء أهل السنة أن معصية الله تعالى ورسوله تتفاوت تفاوتاً كبيراً فأشدها وأغلظها الشرك الأكبر ثم الشرك الأصغر ثم البدعة ثم الكبيرة ثم الصغيرة أو الخطيئة وهذه الدرجات دلت عليها أدلة من الكتاب والسنة واستقر عليها اعتقاد أهل السنة والجماعة إلا أن ثمَّ حيثيات ومسائل قد تغيب أو تشكل على بعض طلبة العلم أحببت أن أتطرق لها في مقالي هذا لعل الله تعالى أن ينفع بها.

1- أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، قال شيخ الإسلام: قال أئمة المسلمين كسفيان الثوري (إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يُتاب منها والمعصية يُتاب منها) أ. هـ من كتاب التحفة العراقية في الأعمال القلبية صفحة (12) وهذا هو الأصل وأنت تلاحظ أخي القارئ أن شيخ الإسلام نسب هذا إلى أئمة المسلمين.

2- أن البدعة قرينة الشرك فهي تنافي شهادة أن محمداً رسول الله كما أن الشرك ينافي شهادة أن لا إله إلا الله.

3- أن كثيراً من المشركين يشرك بالله تعالى بعبادة الأولياء والصالحين ظاناً أن في ذلك تعظيماً لله فيدعو الأولياء ليقربوه إلى الله زلفى ويتخذهم وسائط فيصرف لهم أنواعاً من العبادة زاعماً أنها تشفع له عند الله تعالى مع اعتقاده أن هذا مما يحبه الله وكذلك المبتدع يظن أن الأحداث في الدين هو زيادة قربى يتقرب بها إلى الله تعالى. وفي الحقيقة أن الشرك والبدع لا تزيد أصحابها من الله تعالى إلا بُعداً.

4- أن من البدع ما هي شرك وكفر ومنها ما هي كبيرة ومنها ما هي صغيرة، فهي ليست على درجة واحدة فمنها بدع في الاعتقاد ومنها بدع في الأقوال والأعمال وهذه أيضا تتفاوت فمنها ما هي شرك ومنها دون ذلك كبدع الوضوء والصلاة والحج ونحوها.

5- البدع شر من الكبائر من وجه والكبائر شر من البدع من وجه آخر، قال شيخ الإسلام في كتابه الاستقامة (1/454): (وجنس البدع وإن كان شرا لكن الفجور شر من وجه آخر وذلك ان الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور شرا من الوجه الآخر الذي هو حرام محض لكن مقرونا باعتقاده لتحريمه وتلك حسنة في أصل الاعتقاد وأما المبتدع فلابد أن تشتمل بدعته على حق وباطل لكن يعتقد أن باطلها حق أيضا ففيه من الحسن ما ليس من الفجور ومن السيئ ما ليس في الفجور، وكذلك بالعكس) أ.هـ

6- البدع وإن كانت أشد وأغلظ من الكبائر لكن ليست بالضرورة أن تكون كل بدعة أشد وأغلظ من كل كبيرة قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في شرح فضل الإسلام: “جنس البدعة أشنع وأغلظ من الكبائر أي من جنس الكبائر ولا يعني هذا أن كل بدعة أعظم من كل كبيرة” أ. هـ

وقال الشيخ العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى: (الكذب أخبث من البدع يا إخوان، الكذاب أخبث عند اهل السنة من المبتدع، المبتدع يُروى عنه، رووا عن القدرية، رووا عن المرجئة ورووا عن غيرهم من أصناف أهل البدع ما لم تكن بدعة كفرية، ما لم يكن كذابا، لو كان ينتمي إلى أهل السنة كذاب فهو عندهم أحط من أهل البدع، ومن هنا عقد ابن عدي رحمه الله في كتابه (الكامل) حوالي 29 باباً للكذابين وباباً واحداً لأهل البدع وقَبِل أهل السنة رواية أهل البدع الصادقين غير الدعاة) أ. هـ من إجابة عن سؤال وجه لفضيلته في المحاضرة التي افتتح بها دورة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله العلمية في الطائف بمسجد الملك فهد رحمه الله في الطائف بتاريخ 1426/6/22 هـ.

7- قد يختلف العلماء في بدعية أمر ما فيرى بعضهم أن كذا وكذا بدعة ويرى آخرون أنه ليس ببدعة ولهذا أسباب كثيرة منها ظهور الدليل عند قوم دون آخرين ومنها ثبوت الدليل عند قوم دون آخرين ومنها تفاوتهم في فهم النص ودلالته وغير ذلك من الأسباب المذكورة في مظانها من كتب أهل العلم.

8- وعليه: فلا يلزم إذا قال احد ببدعية أمر ما كصلاة التسابيح مثلا لأن الدليل عنده لا يصح أن يوافقه من قال بسنيتها لثبوت حديثها عنده.

9- ولا يتناول هذا البدع الكبيرة والشركية التي لا وجه لها من الوجوه كبدعة التجهم والاعتزال والخروج والإرجاء والرفض.

10- الواجب التريث وعدم الاستعجال في التكفير والتبديع والتفسيق فهذا باب خطير جدا لذا يُترك للعلماء والقضاة وولاة الأمر ولا يجوز أن يتجرأ عليه كل من هبَّ ودبَّ.

خاتمة

نقل عني بعض الناس أنني أقول الكبائر أشد من البدع وهذا والذي نفسي بيده إما كذب وافتراء وإما سوء فهم وأحلاهما مرٌ!! وهذا الأمر الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال الذي أسأل الله أن ينفع به عباده المؤمنين فإن أصبت فمن الله تعالى وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان وأنا راجع عن الخطأ في حياتي وبعد مماتي ولي حق على كل مسلم أن ينبهني على الخطأ إن وجده وله عليَّ أن أدعو له دعوة صالحة.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سالم بن سعد الطويل
تاريخ النشر 22/12/2008


شارك المحتوى: