ابن تيمية السلفي


الحمد لله العليِّ الأعلى، خلق فسوى، وقدَّر فهدى، وإليه الرُّجْعَى، وأشهد أن ألا إله إلا اللهُ ربُّ كُلِّ سِرٍّ ونجوى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمد بن عبد الله عبدُ الله ورسوله.

صلَّى الأُلى والآخِرُون عليه مَا *** صلَّتْ عليهِ وسلَّمَتْ أُمُّ القُرَى

والآل والصَّحْب ثُمَّ التابعين لهمْ * ما لاحَ برقٌ وسحَّتْ أعيُنُ الدِّيَمِ

وسلم تسليما كثيراً.

عباد الله :  لا تكاد تجد أذنا لم يمرّ عليها اسم ابن تيمية, فالخطباء والعلماء والمحاضرون الموالون والمناوؤن يقولون: قال ابن تيمية ، ومن عرف تاريخه وحدة ذكائه ، وسعة محفوظاته ، وشجاعته وإقدامه: زال عنه العجب ، وعرف السبب.

لم يتم عقده السابع حتى وافاه أجله وذلك قبل أكثـر مـن سبعمئة عام ، واليوم نجد الدول العظمى والصغرى عربية وأعجمية مسلمة وكافرة بجيوشها واستخباراتها ومراكز بحوثها وجامعاتها ترتجف فرقا من دعوة هذا الإمام، وتنفـق مليارات الدولارات لمحاربة هذا الفكر وتعد البحوث والدراسات والرسائل الجامعية لدراسة شخصية هذا الإمام وفكره؛ وتشويه صورته ومباعدة الناس عنه ، لأنه الفكر المبني على الوحيين بفهم من عاصرهما نزولا أو قارب ذلك ، والذي هو أعظم ما يواجه القوم ، فما كان من حيلة لأولئك القوم إلا أن ألبسوا فئاما من المتدكترة والباحثين لباس العناية به والتظاهر بالسير على طريقته ليدسوا السم في العسل .

واليوم نقف على غزو لنا نحن ولأبناء بلادنا – ممن تغذى لبان حبه والورد من ينبوعه – على مدرسة ، لا ، بل تنظيم سري ، سعيا لدخول فكر خارجي مشوه الولادة ، ليكون جنديا غازيا دون مصادمة بل بجاذبية سحارة

جعلت من ابن تيمية غطاء لقبول وتطلب افكارها ، اذ

هو الشخصية الأكثر بروزا وشغفا .

لقد كان لدى ذلكم التنظيم السلوك الخفي والذي استطاعوا أن يقنعوا به فئاما من المجتمع -في حقبة مضت- بأنهم أهل الدين وحماته، حتى يؤسسوا لفوهة مظلمة عميقة تكون بين المجتمع السعودي المسلم السلفي بفطرته وبين ولاة أمره وعلمائه..! يكمن في استغلال ذلكم “التنظيم السروري” لـ “الجهل” مع استنهاض “العاطفة الدينية” غير المنضبطة، وذلك لزرع مفاهيم منقوصة للدين، تكون سببا مؤثرا لخدمة المشروع السروري، مشروع السيطرة..!

مخفين بتدليسهم وتلبيسهم “سلفية” شيخ الإسلام ابن تيمية، وتقريره لمنهاج الصحابة رضي الله عنهم، والذي طالما أسسه رحمه الله في سطور عريضة مستقاة من مشكاة

النبوة ، وفي سيرته العملية باتباع ذلك الهدي .

فمن باب عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ، ولا يعرف

الاسلام من لم يعرف الجاهلية ، نقف اليوم على شيء من صور ذلكم التغييب السلفي لمنهج شيخ الإسلام ابن تيمية من لدن ذلك التنظيم فمن ذلك :

استغلال “التنظيم السروري” “الجهل” و “الحماسة” ، حتى أخبر من انخدع بذلك التنظيم أن ابن تيمية قد سجن، وذاق الأذى في سبيل الحق..! ليخرجوا من ذلك بأمور :

أولها/ اشعار ذوي العاطفة أن السجن مدرسة الصابرين الشاكرين!! فينزعوا عن كل سجين من تنظيم فكرهم الخارجي صفة العيب، ليكون السجن مفخرة في قاموسهم ، حتى وإن كان السجن بسبب لوثة خروج أو تهييج على ولاة الأمر ، أو تحريض على جماعة المسلمين! مخفين عن الأتباع أن ابن تيمية رغم سجنه “ظلما” لم يكن سجين قضية أمنية، أو لوثة خارجية، بل كان سجنه بسبب وشاية أهل البدع في زمانه، وكانوا حاشية السلطان في وقته.

ومن تأمل سيرته -رحمه الله- رغم سجنه يجده أنه كان

صابرا على جور الحكام في وقته ، فلم يكفرهم، ولم يثر الناس عليهم، ولم يدع عليهم بالويل والثبور، ولم يسع في تفريق جماعة المسلمين، ولم يتخابر ويخون ولاة أمره، ولم يسافر ليجالس أهل البدع، ويقيم معهم الملتقيات المشبوهة، بل كان صابرا محتسبا لا ينزع يدا من طاعة، عاملا بسنة النبي ﷺ في ذلك ، مما يجلي لك الفرق الشاسع بين سجنه وسجن هؤلاء .

بل لتعلم أنه سجن رحمه الله سبع مرات أخراهن قبل موته بسنتين وبضعة اشهر ، ورغم شجاعته وكثرة أتباعه ، لم يتظاهر بمظاهرة ، أو يهيج الناس على حاكمه لمنكر ، فضلا عن أن يخرب أو يفسد ، بل وهو في مرض الوفاة يقول كما نقل عنه تلميذه ابن عبدالهادي : وإني قد أحللت السلطان الملك الناصر من حبسه إياي لكونه فعل ذلك مقلداً غيره معذوراً ولم يفعله لحظ نفسه بل لما بلغه مما ظنه حقا من مبلغه ) فهل مثل هذا الإمام في قلبه شيء من الغل على حاكمه كما هو حال القوم اليوم ، مع ما كان عليه الحاكم زمنه بمصر أو حتى بالشام التابعة لها من الفسق والضلال والظلم ، بل وكان موقف ابن تيمية السلفي منه تلكم العقيدة التي طالما تمنوا طمسها وهي البيعة والسمع والطاعة لولي الأمر ، فهوَ القائل :طَاعَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَاجِبَةٌ لِأَمْرِ اللَّهِ بِطَاعَتِهِمْ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ لِلَّهِ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. وَمَنْ كَانَ لَا يُطِيعُهُمْ إلَّا لِمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْمَالِ فَإِنْ أَعْطَوْهُ

أَطَاعَهُمْ؛وَإِنْ مَنَعُوهُ عَصَاهُمْ: فَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ»

هذه العقيدة التي لم يخل كتاب من كتب عقيدة أهل السنة ولا مصنف لمروياتها إلا ويذكر فيه أبواب “الإمارة” و “البيعة” و “السمع والطاعة” وهذه تصيب السروري برجفة كرجفة من يتخبطه الشيطان من المس، كما يرتجف المعطل من ذكر “أحاديث الصفات” والرافضي من ذكر أحاديث “فضل الصحابة رضي الله عنهم” والواقع شاهد ولو قرأ “التنظيم السروري” أحاديث هذه الأبواب على اتباعه لما وجدت الإشادة بتلكم التفرقة في بلاد المسلمين باسم الجماعات والأحزاب ، ولا النفخ في كير المظاهرات

ولما رأينا من بين صفوفهم من نفر في صفوف الخوارج في تحت الرايات العمية، ولزال الغل والدغل الذي في قلوبهم على جماعة المسلمين وإمامهم، والله المستعان.

أسأل الله سبحانه أن يرينا الحق حقا …..

الخطبة الثانية :

الحمد لله ..

عباد الله : لقد كنا في زمان قبل هذا التنظيم متقرر عندنا يأخذه الصغير عن الكبير والأبن عن الأب ، في مسألة الإمامة والسمع والطاعة واسناد السياسة لأهلها فالسياسة لها أناس والصحون والقدور لها أناس ، كما قال الشيخ ابن عثيمين ، وقال كنا نقول: ليس لنا حاجة أن نبحث في الإمامة فنحن والحمد لله إمامنا ابن سعود ولكل بلد إمامه والأمور مستقرة على ذلك لكن الآن تبين لنا أنه لا بد أن نعرف الحكم ) أي في البيعة والسمع والطاعة ،وذلك لتزهيد دعاة الساحة ومتدكترة بلدتنا به ، بل ومتخصصي العقيدة منهم فيها بزعم أنها باب في أواخر أبواب العقيدة مما يدل عدم الاهتمام بها وهذا موضع مأكل الكتف ، فسموا من يظهر أحاديثها بأنهم غلاة الطاعة ، حتى إذا ما ترقى حزبهم درجات الحكم رأيت كيف صاحوا بها لحكام حزبهم والذين أقسموا أن لا يحكموا بشريعة رب العالمين .

شاهد شيخ الإسلام لما حاصر التتر دمشق وعلى رأسهم ملكهم غازان” توجه الشيخ إليه ومعه بعض الأعيان في شأن تأمين البلد وعدم ترويع المسلمين بها خرج إليه ولم يتمكن من لقائه لحجبه عنه من بعض وزرائه وأعوانه ، فلم يقم بمظاهرة سلمية ولا بمسيرة جهادية كما يرددها لفيف التنظيم بغية إيصال الكلمة زعموا.

بل لعلك تعجب وحق لك العجب إذا علمت أن شيخ

الإسلام ابن تيمية يذكر عن أهل العلم والدين والفضل أنهم لا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم .. بوجه من الوجوه ، ونقله ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمراء يظلمون ويفعلون أمورا منكرة، ومع هذا فأمرنا أن نؤتيهم الحق الذي لهم، ونسأل الله الحق الذي لنا، وقَلَّ مَن خرج على إمامٍ ذي سلطان إلا كان ما تولَّد على فعله من الشَّرِّ أعظمَ ممَّا تولَّد من الخير .

ومما كان يسعى فيه الاجتماع تحت الحاكم وتأليف

القلوب عليه فهو القائل في رسالة وجهها لحاكمه وكان سلطانا على بلاد الشام وفيها : من أحمد بن تيمية إلى سلطان المسلمين، ووليِّ أمر المؤمنين، نائب رسول الله في أمَّته بإقامة فرْض الدين وسنَّته، أيَّده الله تأييدًا يصلح به له وللمسلمين أمر الدنيا والآخرة “، جرب أخي قراءة هذه على آحاد من ذلكم التنظيم فستجدهم مجمعون على وصفه بالانبطاحي ومرتزق السلطان ، ولعل معرفتك بما علقه الشيخ ابن عثيمين على كلام لشيخ الإسلام في السياسة الشرعية بقوله : ومن المناصحة لولاة الأمر : تأليف القلوب عليه ، بالابتعاد عن كل ما يوجب النفرة عليه والحقد والعداوة .. وأن تعتذر عما يمكن الاعتذار عنه ) وديباجة الشيخ صالح الفوزان : أهل السنة والجماعة يحرصون على طاعة ولاة أمور المسلمين وعلى تحبيبهم للناس وعلى جمع الكلمة )

ومع هذا كله كان ناصحا وواعظا لحاكمه واتَّسم ذلك بالرحمة والحكمة؛ لعلم الشيخ بما يجب لولاة أمر المسلمين من الحقوق وفق منهج السَّلف، “فلم يشهِّر بهم علانية، ولم يتَّخذ من أخطائهم سبيلاً لإثارة الفتن؛ لأنَّ ملء القلوب على ولاة الأمر يُحدث من الشر والفتنة ما لا يعلمه إلاَّ الله”، ففي رسالة يوجِّهها للسلطان، ينصحُه فيها بإقامة شعائر الإسلام وتنفيذها، يقول: ” وقد استجاب الله الدعاء في السلطان فجعل فيه الخير الَّذي شهدت به قلوب الأمَّة، ما فضَّله به على غيره، والله المسؤول أن

يعينَه؛ فإنَّه أفقر خلْق الله إلى معونة الله وتأييده”.

وما غيّبه ذلكم التنظيم ولو استطاع طمسه من ذاكرة التأريخ لفعل ، ألا وهو وقوفُ شيخ الإسلام مع ولاة الأمر في التصدي لعدوان التتار، وحضُّه الناس على الالتفاف حولهم، وكشفُ زيف الشعارات الدينية التي رفعها التتار لتحريض الناس ضد حكامهم ، فاستشكل بعض الناس التآزر مع ولاة الأمور في هذه القضية، وحصل منهم تردُّد، لأنَّ التتار كانوا قد تسربلوا بلباس الإسلام، ورفعوا شعارات دينية مفادها: أنهم أحقُّ بالملك والسلطان من الحكام الفعليين، وأنَّ الحكَّام الموجودين خارجون عن طرائق الدين، وأنهم – أي التتار – إنما يريدون إقامة شرع الله تعالى والعدل بين الناس، فما كان من ابن تيمية إلا أن كشف زيف هذه الدعاوى المغرِّرة، ودعا الناس للالتفاف حول ولاة الأمور وعدم الاغترار بتلكم التحريضات ، وبيَّن أنهم من جنس الخوارج الذين يخرجون على المسلمين ويدَّعون أنهم أحق بالملك والسلطان، ثم شارك بنفسه في أرض المعركة ضدهم .

فأخفى التنظيم عن الأتباع أن ابن تيمية في قتاله التتار

كان تحت لواء ولي الأمر وقتها ، ولم يعقد لواء دون إذن الحاكم ، فأطلقوا القول بأنه قد خاض القتال ضد التتار..! ليغرسوا الثورة في نفوس الأتباع ، ويقارنون مقارنة غبية حال ابن تيمية بحال علماء زمانهم..!

وإلا فهو القائل : من كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأمة ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير : لم يكلف ما يعجز عنه ; فإن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر كما ذكره الله تعالى في قوله:(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان .. الآية) .


شارك المحتوى:
1