وجوب المبادرة للحج ، وبعض المهمات


الحمدُ للهِ العظيمِ الكريمِ … هيَّأَ لعبادِهِ أسبابَ التوفيقِ.. ويسَّرَ لِمَن شاءَ مِن عبادِهِ السَّيرَ لحَجِّ بيتِهِ العتيقِ … فجعلَ أفئدةً مِن الناسِ تهوي إليهِ فيأتونَهُ ﴿رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27] فسُبْحَانَ مَن جَعَلَ الحجَّ لعبادِهِ حِجَابًا وَجُنَّةً … وَلَمْ يجعَل للحَجِّ المبرورِ جزاءً إلَّا الجنةَ.

وأشهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنَا ونبيَّنَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وَعَلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، وَمَنْ تَبِعَ سُنَّتَهُ إلى يومِ الدِّينِ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

أمَّا بعدُ:

فَإِنَّ الحَجَّ لِبيتِ اللهِ الحرامِ مِنْ أركانِ الإسلامِ العِظامِ، عَن ابنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفقٌ عليهِ.

وَهُوَ واجِبٌ على كُلِّ مسلمٍ عاقِلٍ بالِغٍ حُرٍّ وَاجِدٍ للزَّادِ والرَّاحِلَةِ، قالَ تعالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].

وَهُوَ واجِبٌ عَلَى الفَوْرِ، وَلَا يجوزُ تأخيرُهُ للمستطيعِ، ثَبَتَ عِندَ البيهقيِّ عَن عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنهُ قالَ: ” لِيَمُتْ يَهودِيًّا أو نصرانِيًّا -يقولُهَا ثلاثَ مَرَّاتٍ- رَجُلٌ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَجَدَ لِذَلِكَ سِعَةً وَخُلِّيَتْ سَبِيلُهُ“. صَحَّحَهُ الحافِظُ ابنُ حجرٍ، وهذا عَامٌّ للرِّجالِ والنِّساءِ المستطيعينَ.

وَمَا أَكْثَرَ الذينَ تَرَكوا الحَجَّ أو أخَّرُوهُ بِحُجَّةِ غَلَائِهِ أَوْ أنَّ عليهِ دَيْنًا، وَهُوَ يُسْرِفُ الأموالَ ويُنفِقُها في المُباحاتِ بِلَا مُبَالَاةٍ مِنْ أسفارِ نُزهَةٍ وغيرِ ذلكَ، ليَعْلَمَ هؤلاءِ أنهُم آثِمونَ، وَلِغَضَبِ اللهِ مُعَرَّضونَ.

وَقَدْ رَتَّبَت الشريعةُ على الحجِّ أجورًا كثيرةً، وفضائلَ عظيمةً -وهُوَ أعظَمُ عِبادَةٍ جَمَعَتْ بينَ البَذْلِ المالِيِّ والجُهْدِ البَدَنِيِّ- عَن أبي هُرَيرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» متفقٌ عليهِ.

وَعَن أبي هُرَيرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا، والحَجُّ المَبْرورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» متفقٌ عليهِ.

وَبَيَّنَ العلماءُ أنَّ الحَجَّ المبرورَ مَا جَمَعَ أمورًا ثلاثةً:

الأمرُ الأوَّلُ: الحَجُّ الذي لا إثمَ فيهِ.

الأمرُ الثانِي: الحَجُّ الذي لا رِياءَ فيهِ وَلَا سُمْعَةَ.

الأمرُ الثالِثُ: الحَجُّ الذي مَالُهُ حَلَالٌ.

وَعَن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو بنِ العاصِ -رضيَ اللهُ عنهُما- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كانَ قَبْلَهُ؟» أخرجهُ مسلمٌ.

وَثَبَتَ عِندَ الترمذيِّ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ».

وَعَن أبي هريرَةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: سُئِلَ النبيُّ ﷺ أيُّ الأعمالِ أفضَلُ؟ قالَ: «إيمانٌ باللهِ ورسولِهِ» قيلَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: «جِهادٌ في سبيلِ اللهِ» قيلَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: «حَجٌّ مبرورٌ» متفقٌ عليهِ.

وعَن عائشةَ -رضيَ اللهُ عنهَا- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» أخرجهُ مسلمٌ.

وَقَدْ أدْرَكَ سَلَفُنَا فَضْلَ الحَجِّ وَلَهُمْ في ذلكَ كلماتٌ مسطورةٌ وعِباراتٌ مبثوثةٌ، أخرجَ عبدُ الرزاقِ أنَّ طاووسًا سُئِلَ عن الحَجِّ بعدَ الفريضةِ أفضلُ أم الصدقةُ؟ فقالَ: “ أينَ الحِلُّ، والرَّحيلُ، والسَّهَرُ، والنَّصَبُ، والطَّوافُ بالبيتِ، والصَّلاةُ عِندَهُ، والوقوفُ بِعَرَفَةَ، وَجَمْعٌ وَرَميُ الجِمَارِ؟ “.

وَرَوَى البيهقيُّ في (شُعَبِ الإيمانِ) عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ -رضيَ اللهُ عنهُمَا- أنهُ قالَ: ” وَفْدُ اللهِ ثَلَاثَةٌ: الْحَاجُّ، وَالْمُعْتَمِرُ وَالْغَازِي، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ اللهَ فَيُعْطِيهِمْ سُؤَالَهُمْ“.

إِنَّهُ إذا سَمِعَ المؤمنونَ هذِه الفَضَائلَ العظيمةَ والأجورَ الكثيرةَ تسابَقُوا للحَجِّ لاسِيَّمَا مَن فَرَّطَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإسلامِ، بَلْ وَحَرِصوا على تَكرارِهِ ما استَطَاعوا.

أقولُ مَا سمعتُمْ وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ وَكَفَى، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى رسولِ اللهِ المُجْتَبَى، والنبيِّ المصطفَى، أمَّا بعدُ:

فإنَّ أيَّامَ الحَجِّ معدوداتٌ، فالمُستحَبُّ للحاجِّ مُجَاهَدَةُ نفسِهِ ليفوزَ بالحَجِّ المبرورِ، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ” وَيَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا بِمَا يَعْنِيهِ وَكَانَ شريحٌ إذَا أَحْرَمَ كَأَنَّهُ الْحَيَّةُ الصَّمَّاءُ “.

وَمِمَّا يجِبُ على الحَاجِّ: أَنْ يتعَلَّمَ أحكامَ الحَجِّ، عَن جابرٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- عَنْ رسولِ اللهِ ﷺ أنهُ قالَ: «لِتأخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ» أخرجهُ مسلمٌ.

وإنَّهُ لَمَّا كانَ في الحَجِّ تَعَبٌ وازْدِحامٌ كانَ مُتعيِّنًا عَلَى الحاجِّ مُجَاهدَةَ نفسِهِ بالتَّحلِّي بِمَحاسِنِ الأخلاقِ، عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا» أخرجهُ البخاريُّ ومسلمٌ.

وكثيرٌ مِن الحُجَّاجِ مُفرِّطونَ، ولأحْكَامِ الحَجِّ جاهِلُونَ، وَفِي تعلُّمِهِ مُقَصِّرونَ، فيَحُجُّ خطأً بأنْ يترُكَ أركانًا وواجباتٍ أو يَقَعَ في محظوراتٍ ومحرَّمَاتٍ، وبعضُهُمْ يتساهَلُ ويستفتي في الدِّينِ وأحكامِ الحَجِّ بِلَا تَثَبُّتٍ، والواجبُ التَّثَبُّتُ وَعَدَمُ أخذِ العلمِ إلَّا عن الموثوقينَ، وليسَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ في قناةٍ فضائيَّةٍ أو كانَ مُلْتَحيًا فهوَ ثِقَةٌ في دينِهِ، بَلْ الواجبُ التَّحرِّي والاحتياطُ.

رَوَى مسلمٌ في مقدِّمَتِهِ عن ابنِ سيرينَ أنهُ قالَ: ” إنَّ هذا العلمَ دينٌ، فانظروا عَمَّنْ تأخذونَ دينَكُمْ “.

وَلْيجتَنِبِ الحاجُّ الشِّركيَّاتِ والبِدَعَ التي يفعَلُها كثيرٌ مِن الحُجَّاجِ بِسَبَبِ تقليدِ بعضِهِم بعضًا، وأعظمُ عِلاجٍ لذلكَ العلمُ الشرعيُّ، وتلقِّي العلمِ عَن العلماءِ الموثوقينَ، كالشيخِ العلَّامَةِ عبدِ العزيزِ ابنِ بازٍ، والشيخِ محمدِ بنِ صالحٍ العثيمينَ، والشيخِ محمدِ ناصرِ الدِّينِ الألبانيِّ، والشيخِ صالحٍ الفوزانِ -رَحِمَ اللهُ حَيَّهُمْ وَمَيِّتَهُمْ- بِوَاسِطَةِ الدُّرُوسِ الصَّوتِيَّةِ والمسموعَةِ، وَمِنَ المفيدِ حُضُورُ دُرُوسٍ وَدَوْرَاتٍ في المساجدِ.

وَمِن الكُتُبِ النَّافِعَةِ المُختَصَرةِ في أحكامِ الحَجِّ:

كتابُ (التحقيقِ والإيضاحِ لكثيرٍ مِن مسائلِ الحَجِّ والعمرةِ) للعلَّامةِ الشيخِ عبدِ العزيزِ ابنِ بازٍ.

وكتابُ (مَنَاسِكِ الحَجِّ والعمرةِ) للعلَّامةِ الشيخِ محمدِ ناصرِ الدِّينِ الألبانيِّ.

اللهُمَّ وَفِّقنَا للحَجِّ المبرورِ

اللهُمَّ وَفِّقنَا للحَجِّ المبرورِ

اللهُمَّ وَفِّقنَا للحَجِّ المبرورِ

اللهُمَّ اجْعَلْ حَجَّ المسلمينَ آمنًا مبرورًا

اللهُمَّ سَهِّلْ الحَجَّ عَلَى المسلمينَ ورُدَّهُمْ لأهلِهِم سالِمينَ

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

المبادرة إلى الحج وبعض المهمات


شارك المحتوى:
0