إلى متى يا أدعياء الحريات الاستهزاء بدين الإسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

إلى متى يا أدعياء الحريات الاستهزاء بدين الإسلام

وبالنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؟

بقلم أ. د. عاصم بن عبدالله القريوتي

Alqaryoti@gmail.com

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:

فلقد طالعتنا وسائل الإعلام عن الفيلم الذي أعد في أمريكا من المخرج سام باسيل، والذي يهاجم الإسلام ووصفه بأنه سرطان، وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مزيف وأن أتباعه حمقى وأن الإسلام دين كراهية.

وإني أرى لزاماَ عليَّ وعلى كل مسلمٍ أن يقف أمام هذا الهجوم على دين الإسلام ورسول الله

نبي الهدى والرحمة – صلوات ربي وسلامه عليه – كلٌّ حسب طاقته ومسؤوليته.

ومما ينبغي أنْ يعلمه العالم كلّه أنَّ للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم عندنا معشر المسلمين مكانة عظيمة في دين الإسلام، وأنَّ وجوب محبته في آياتٍ كثيرةٍ في القرآن الكريم، ومنها قول الله تعالى :﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (آل عمران:31).

ومنها قوله تعالى : ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ  (التوبة:24).

وإنَّ من أعظمِ مظاهرِ المحبَّةِ للنبي صلى الله عليه وسلم وأبرزِ دلالاتِ صدقِها أنها تستلزمُ الذَّبَّ عن سُنَّته، لأنها وحيٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

كما أنّ التَّصَدِّي للمغرِضينَ والمستهزئين والمنافقينَ والمنهزِمِينَ الذين يترصَّدون للسنة النبوية الشريفةِ ويسخرون منه صلى الله عليه وسلم من أعظم الواجبات في دين الإسلام .

وإن من تمام النصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث تميم الداري رضي الله عنه الذي يرويه الإمام مسلمٌ في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” الدينُ النصيحةُ” ، قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: ” لله ولكتابهِ ولرسولِهِ ولأئمة المسلمين وعامَّتِهم “- الإيمان بنبوَّة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ونصرته حياً وميتاً، فمن كان في حياته كان واجباً عليه أن ينصرَه، ومن لم يدرِكْهُ وجب عليه أن ينصرَه، وذلك بالإيمان به صلى الله عليه وسلم وباتباع سنَّته وإطاعةِ أوامرِه واجتناب نواهيه.

ومن لوازمِ النصحِ له صلى الله عليه وسلم العملُ على نشرِ الشريعة الإسلامية والدعوة إليها وتحكيمها ، والتمسُّكِ بآدابها، وبما أمرت به ووجهت إليه من تعاليم هذين الوحيين ،كتابَ الله تعالى وسنَّةَ نبيه صلى الله عليه وسلم، والتحذير من كل ما يسيء إليه وإلى دينه.

ولذا فإنَّ نصر السنة والذب عن النبي صلى الله عليه وسلم من تعظيم شعائر الله تعالى، ولقد سطَّر أئمتنا الكثير في بيان خطر الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم في مؤلفاتهم، وانظر من تلك الكتب كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية “الصارم المسلول على شاتم الرسول “.

وإن هذا الفلم قد جمع بين أنواع من الشرور، إذ جمع بين وصف الإسلام بأنه سرطان، وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مزيف، وأن أتباعه حمقى، وأن الإسلام دين كراهية.

وهذا فيه مع الافتراء والكذب احتقار لمشاعر المسلمين وأحاسيسهم في العالم كله، وديننا دبن الإسلام دين سماحة ورحمة ويسر، ونبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم أطهر البشرية جمعاء وأزكاها، وهو المبعوث رحمة للعالمين.

فأين أنتم من الدعاوى البراقة التي تنادي بحقوق الإنسان ؟

أليس من حقوق الإنسان عدم السخرية و الاستهزاء بما يعتقده ؟

أم أن المسلمين في أنحاء العالم عندكم ليسوا من بني الإنسان ؟

و بالتالي لا تشملهم الحقوق !

بل انظروا لأنفسكم كيف تعاملون الحيوان ؟!!

ثم قارنوا بتعاملكم أين أنتم من مراعاة مشاعر المسلمين واحترام معتقداتهم ؟

أليس بالجدير بأن يدرج من يسخر بدين الإسلام ونبيه ويشجِّع على ذلك الإرهاب بأن تتخذ ضده القرارات الدولية لأنه مغذٍ للإرهاب ؟

ثم ما دامت الشعارات الدولية تنادي بتجفيف موارد الإرهاب، أليس من مهامها تجفيف كلّ موارده بأنواعها وأشكالها ؟

ولا شك ولا ريب أن هذا المورد من أشد موارده، وهو أخطر بكثير من الموارد المالية،لأنها من أعظم الدوافع له .

وإن منظمات العالم تؤكد على احترام الرسل ، وعلى احترام الشرائع السماوية ، واحترام الآخرين، ولذا فإنَّ الحرية المزعومة من بغض المرضى فيها انتهاكٌ لدين الإسلام، وسخريةٌ برسول الله وإخلالٌ بحقوق الآخرين.

وإننا معشر المسلمين نوجه دعوةً إلى غير المسلمين بأن يمتِّعوا أعينهم وفكرهم بالاطلاع على الحقائق من خُلُقِهِ وصفاته صلى الله عليه وسلم، من خلال الكتب في شمائل النبي وصفاته مما كتبه أهل الإسلام في كتب السنة والسيرة.

وإن أبيتم فاقرؤوا ما كتبه عددٌ من أهل الإنصاف من عقلاء البشر ومثقفيه من غير المسلمين عن نبيِّ الرحمة والهدى صلى الله عليه وسلم من أهل الملل الأخرى ممن شهدوا له بمكارم الأخلاق والفضائل الجمَّة.

وليعلم المستهزئون وأمثالهم أنَّ الله عز وجل متكفلٌ بحفظ دينه وحامٍ لحمى رسالته، ولن تضير نبيه صلى الله عليه وسلم سخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين، فقد كفاه الله ذلك كله، كما قال سبحانه: ﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾.

وقد قال الشيخ العلًّامة ابن سعدي رحمه الله في تفسيرها: ” وهذا وعدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنْ لا يضرّه المستهزئون، وأنْ يكفيهم الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى، فإنَّه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا أهلكه الله وقتله شر قتلةٍ “.

وإني أوصي نفسي وإخواني المسلمين بالحكمة والعقل في مقابلة هذه الهجمة الشرسة وأضرابها على الإسلام ونبي الرحمة، وأن تعالج بمضاعفة الجهود في الدعوة والبيان لدين الإسلام وحقيقته الناصعة، ونبين للعالم سنة النبي الصحيحة، مع تبيان سماحة ديننا ورحمة نبينا للعالمين، بكلّ اللغات.

كما ينبغي أن ندرك معشر المسلمين أنه من المخالفات الشرعية قتل المعاهدين والمستأمنين لما في البخاري وغيره أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : “مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا”.

وفيه أيضا: عن أَمّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أنها قالت :ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى.

ومما لا شك فيه – علاوة على ما سبق من نقض العهد ومن باب ولا تزر وازرة وزر أخرى- فليس من الحكمة والعقل قتل المعاهدين لما فيه من صدّ عن الدعوة للإسلام.

والله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُعلي دينه ، وأن يرد كيد الكائدين للمسلمين ودينهم في نحورهم.

والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على نيينا محمدٍ وعلى آله وصحبه.


شارك المحتوى: