وقفات مع فكر القاعدة (3- 5)


وقفات مع فكر القاعدة 3- 5

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد 0

متابعة لما بدأناه في المقالين السابقين من مناقشة فكر القاعدة

قال الابن : لقد علمتُ حكم من دخل ديار المسلمين، ولكن ما حكم من دخل ديار الكفار عن طريق الجواز أو التأشيرة وهو قد بيَّت النية يريد التفجير فيها ، أو طرأت عليه فكرة التفجير بعد دخوله ، هل هذا عمل مشروع وجهاد أم غير مشروع ومحرم ؟!!! فقال الأب إن هذا العمل حرام ومنافٍ للأخلاق وآداب الإسلام والمسلمين لأن الذي يدخل ديار الكفار قد أعطاهم الأمن والعهد والميثاق ألا يُفسِد ، ولو أظهر لهم نيته بالإفساد ما سمحوا له بالدخول ، ولأن الدخول عن طريق الجواز أو التأشيرة بمثابة ” عقد أمان ” يجب الوفاء به وعدم الغدر أو نقضه ولا يجوز نبذه من طرف واحد لأن إلغاء العقد من طرف واحد يعد خيانة ، فإذا أراد نبذه لا بد أن يخبرهم حتى يكونوا على سواء كما قال تعالى {وَإِمّا تَخَافَنّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىَ سَوَآءٍ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الخَائِنِينَ} 0ثم اعلم يا بني أن أخذ التأشيرة أو الدخول عن طريق الجواز في الوقت الحاضر ” أمان ” متفق عليه عند جميع الدول الإسلامية وغير الإسلامية وهو بمثابة ” عقد ” وهذا لا خلاف عليه بين علماء المسلمين الذين يعتد بقولهم ، لأن الدول لا تمنح أي شخص يرغب في دخول أراضيها إلا بشرط أن يلتزم بقوانينها ونظمها التي تمنع زعزعة أمنها كالغش والسرقة والتطاول على الغير، ومن أعظمها القتل بأي وسيلة ، ولأن المسلم إذا دخل دار حرب “بأمان ” حرُم تعرضه لشيء من دم ومال وفرج منهم؛ إذ المسلمون على شروطهم قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قال الشافعي رحمه الله فيمن دخل بلاد الكفار وهو قادر أن يأخذ شيئا من أموالهم قال ( وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان .. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قلَّ أو كثر) راجع كتاب الأم للشافعي 4/284 وفي مذهب الإمام أحمد( ومن دخل دارهم بأمانهم فقد أمَّـنهم من نفسه ” ؛ لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بأمنه إياهم من نفسه وترك خيانتهم ، وإن لم يكن ذلك مذكورا فهو معلوم في المعنى ولا يصلح في ديننا الغدر وقد قال عليه السلام : المؤمنون عند شروطهم ) راجع كتاب العمدة2 /251 وفي مذهب الأحناف ( وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم ؛ لأن فيه غدرا بهم وأنه منهي عنه ) راجع كتاب الاختيار لتعليل المختار 0 فالواجب يا بني على المسلمين وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق التي تكون بينهم وبين الكفار، ولا تجوز الخيانة أو الغدر حتى لو كان في الغدر أو الخيانة مصلحة للمسلمين، فقال الابن: رويدًا يا أبتِ كيف لا يجوز أن أخون وأغدر بالكفار إذا كان هناك مصلحة ؟!!! فقال الأب : يا بني إن دين الإسلام يأمر بالوفاء بالعهد ، وأوفى الأديان بالعهود على أكمل وجه هو دين الإسلام يقول تعالى { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ُ} أي ، وإن استنصركم هؤلاء الأعراب, الذين لم يهاجروا000, فإنه واجب عليكم نصرهم, لأنهم إخوانكم في الدين, إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار, بينكم وبينهم ميثاق أي مهادنة إلى مدة, فلا تخفروا ذمتكم ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم, وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنه كما ذكره ابن كثير ، وهذا يدل على أن العهد كان مسئولا، يا بني لقد صالح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل الحديبية على أن يرد من جاءه مسلما إليهم فجاءه أبو جندل وقد أسلم فردَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المشركين وفاءً بالعهد والعقد، قال تعالى{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } يا بني إن الأنبياء والرسل لا يغدرون ، وقد سأل هرقلُ ( عظيمُ الروم ) أبا سفيان قبل أن يسلم عن رسول الله هل يغدر ؟ فقال أبو سفيان ” لا ” فقال هرقل وكذلك الرسل لا يغدرون ، فجعل عدم الغدر والخيانة صفة وعلامة لازمة للمرسلين 0 يا بني إن من مكارم الأخلاق ومحاسنها ألا يخون المرء ولا يغدر ، يا بني إن الخيانة صفة ذم مطلقا لأن الخيانة خدعة في مقام الأتمان والأمان وقد جاء في الحديث قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ” ولا تخن من خانك ” رواه أحمد وأبو داود0 يا بني إن الله ترفَّع وتنزَّه عن صفة الخيانة لأنها صفة نقص على الإطلاق لا كمال فيها بوجه من الوجوه بخلاف المكر والخداع وغيرهما وذلك مثل قوله تعالى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} وقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً}، وقوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} وقوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وقوله: {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ولما ذكر الله خيانتهم لم يذكر أنه خانهم ، فقال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فقال: فأمكن منهم، ولم يقل: فخانهم. لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهى صفة ذم مطلقا ، يا بني إن أسامة بن لادن والقاعدة لا يلتفتون إلى هذه الأحكام والآداب فيقتلون المسلمين في ديارهم والمعاهدين والمستأمنين الذين أعطوا الأمان، إما جهلا أو معتقدين أن حكام دول الخليج غير مسلمين لذا لا عهد لهم ولا ذمة وهذا هو الأقرب، لذلك احذرك يا بني من منهج القاعدة ، فإن منهج القاعدة لا يرى المسلمَ مسلما إلا من شهدوا له أو كان معهم ولا إسلاما إلا الذي هم عليه ولا عهد إلا لمن عاهدوه 0فقال الابن يا أبتِ: ما الدليل على أن منهج أسامة بن لادن والقاعدة لا يرون مسلما إلا من شهدوا له ولا إسلاما إلا الذي هم عليه ؟ !! فقال الأب هذا ما سنجيبه في المقال القادم بإذن الله فانتظرونا والحمد لله رب العالمين 0

كتبه / فيحان الجرمان

 


شارك المحتوى: