إلى متى أيها الليبرالي!


إلى متى أيها الليبرالي!

لاحظنا هذه الأيام خروج دعوات لإلغاء الهيئة والتساهل في أمر صلاة الجماعة ، وكذلك استغلال الأمر بالسماح للمرأة بقيادة السيارة والخروج في صور لنساء يقوم رجال سواء كانوا محارم لهّن أو غير ذلك بتعليمهن قيادة السيارة ، والغرض واضح وهو لتأجيج الصراع الفكري وليس لخدمة أمر السماح بقيادة المرأة للسيارة، فأخرجوا أمر السماح عن مراد ولاة الأمر وهو الإسهام في تلبية غرض من يحتاج إلى هذا الأمر إلى صراع فكري بغيض .

لقد أدلج الحزبيون من ليبرال وإخونج قضية قيادة المرأة وهي مسألة اجتهادية، وذلك لخدمة أحزابهم وفكرهم لا لأجل الغرض الذي يريده ولاة الأمر، وهي التنمية والنهوض بالأمة وبرز الليبراليون هذه الأيّام في هذا الجانب.

فإلى متى ايها الليبرالي!

إنّ من المسلّمات عند البشر جميعاً أنّ ثقافة ومبدأ الشخص يحددان تفكيره وتطلعاته وأهدافه وبالتالي سلوكه،

فلا يمكن لمبدأ أن يخرج ينادي بشيء ويخدم شيء آخر.

فالليبرالي مبدئه وثقافته قائمة على الفردية والحرية الخاصة وتقديمها على المصلحة العامة، فلا يمكن أن تخدم الجماعة والأمة في تطلعاتها وأهدافها، بل ستقدم الحرية الخاصة على المصلحة العامة أو على الأقل لن تهتمّ بالمصلحة العامة إلّا لصالح الحرية الخاصة الفردية.

والقاعدة العقلية تقول فاقد الشيء لا يعطيه، فالليبرالي فاقد للحس الجماعي بسبب أساسه الفردي السارتري الوجودي، فلن يُسهم في تعزيز الجماعة ولن يُسهم في التنمية إلّا سلبا بطبيعة الحال، فالليبرالي ينخر في جسد الأمّة ويفرق جماعتها بسبب محاولة إيهامه وخداعه للناس ولنخبة المجتمع وللقيادة بأنه يسعى إلى التنمية والتقدم بينما هو في الحقيقة يسعى إلى تحقيق حرياته الخاصة ونظرته السطحية للحياة، وأنّ الفرد وليس الجماعة هي مدار الحياة وليس مصلحة الأمة والجماعة، فكما أنّنا نعامل الإخواني على أساس من عالميته الموهمة فيجب أن نعامل الليبرالي على أساس من فرديته و أنانيته البغيضة .

إنّ خطر الليبرالي على الأمّة لا يقل عن خطر الإخواني فكلاهما لا يرى للجماعة وزن أبداً التي أساسها البيعة والسمع والطاعة لولي الامر .

فتجد الليبرالي إذا تعارضت توجيهات ولي الأمر و أنظمته مع توجهاته ومذهبه الفردي الوجودي يحاول مناقضتها و معارضتها، ولا يقتصر على ذلك، بل يمتد إلى تأليب الرأي العام ضد ولاة الأمر، بل يتعدى إلى أكثر من ذلك باستعداء منظمات حقوقية كما يسمونها وجهات خارج وطنه وقيادته، بل معادية لوطنه.

وأنا أتسأل أيّ مفهوم أو إدراك لمعنى الجماعة والسمع والطاعة والاستقرار والأمن بقي عند هذا الليبرالي الذي توجه إلى خارج وطنه واتصل بقوى خارجية محاولاً بشتى الوسائل الضغط على قيادة وطنه لتلبية حريته المزعومة وهيهات أن يفلح في مسعاه هذا.

إنّ الأساس الفكري لليبرالية ينافي وبقوة وجلاء دعم أيّ عامل من عوامل تقوية الجماعة في الإسلام وبالتالي دعم التنمية، وذلك لأنّ الليبرالي يسعى وحسب إملاءِ فكره عليه إلى أن يتكون المجتمع من عدة جماعات كل جماعة لها مطالبها بحجة دعوى المجتمع المدنيّ، فإذا تقرر ذلك له في المجتمع استطاع أن يسلب مقام الولاية العامة قوتها، وأن يسلب ولي أمر المسلمين طريقه وسلطته الشرعية على المجتمع ليبقى وحدة واحدة.

إنّ مفهوم التنمية عند الليبرالي أو من تأثر بهذا المذهب من أبناء أمتنا أتى مغلوطا معكوسا فتركز على إثبات وتعميق الاستقلال والانفراد الشخصي عن الجماعة وتقديم الحرية الخاصة على مصلحة الجماعة وأهدافها وثقافتها حتى لو كانت هذه الحرية تضرب الأساس العقدي الثقافي للأمة(الجماعة)، بل يعتبر الأساس الثقافي للأمّة عائقا له أمام تحقيق مبدأه، وهذا أمر خطير على وحدة الأمّة مما يتسبب في التشرذم وانفلات عقد الأمور من يد ولي الأمور أضف إلى ذلك أنّ نظرة الليبرالي في الاقتصاد تخدم الفردية أكثر من الجماعة وذلك بمطالبته بجميع أنواع النشاطات الاقتصادية حتى المعتلّة مادام أنها تخدم عقيدته الفردية ومصلحته الخاصة.

إنّ التنمية عمل جماعي حتمي أو بعبارة أدقّ وأسلم عمل ضروري،

وترتكز على ركنين أساسيين

الأوّل : الأساس العقدي الثقافي .

والثاني: الاستقلال والاكتفاء الاقتصادي.

وباقي الموجودات الاجتماعية حامية لهما كالأمن والسلطة السياسية، فالإسلام حرص على العقيدة وعلى إقامة الإسلام شريعة وشعيرة .

وحرص على الاقتصاد والمال فتجد وجه من أوجه هذا الحرص هو أن المال من الضروريات الخمس، ووجه من وجوه أدائه هو الركن الثاني أداء الزكاة وأنّ الإمام مختص بجمعها ممن وجبت عليه، إلى غيره من الآليات التي تدور حول هذين الركنين وتخدمهما كالإعلام والأمن والجيش، ولكن لن يتحقق هذين الركنين للتنمية إلّا عن طريق الجماعة ولن تكون جماعة إلّا تحت ظلّ إمام تجب له السمع والطاعة.

التنمية في تكوينها ترجع إلى الثقافة والاقتصاد، وفي نموها ترجع إلى العمل الجماعي ولن يكون هناك عمل جماعي حقيقي له ثمرة بوجود جماعات متعددة، بل بوجود الجماعة الواحد،

إذاً لن تتحقق التنمية بالمفهوم الليبرالي أبداً لأنه مفهوم فردي والتنمية تعتمد على المفهوم الجماعي، إنّ المذهب الليبرالي يقسم الأمة إلى أحزاب وشيع تُسلب فيه حقوق من كانت أصواته أقلّ من غيره إلّا أن توظف قضيتهم من قبل القوى السياسية المتربصة الداخلية والخارجية لصالح هذه القوى.

إنّ الليبرالي يعتبر كل نقد يخرج من أساسيات الحرية الّا أهل الدين فرجع إلى تبني كهنوت الكنيسة لكن بوجه آخر، وهو أيضاً يجيز لنفسه الاستهزاء والاستخفاف بروئ القيادة السياسية ومشاريع الأمّة مما يثير حفيظة الآخرين ويكوّن إثنية اجتماعية قذره .

إنّ الليبرالي في الحقيقة ليس من أهدافه التنمية بسبب مذهبه الفكري وهي الفردية

والتنمية بشكل أساسي تعتمد على قيام مفهوم الجماعة قياماً صحيحاً، إنّ التنمية هي أن نحافظ على ديننا وجماعتنا، وأن نكتفي اقتصادياً وأن نربي أبنائنا علميا وعمليا على الوجه المطلوب الذي يخدم التنمية.

إنّ الليبرالي متناقض فيأتي بالمرض لأمته ويطلب العلاج من ذات المرض نفسه فيقبع في دائرة لا يخرج منها أبدًا ويظن نفسه أنه يبني وهو يهدم أمّته.ا.هـ

كتبه أخوكم

عبدالله بن محمد الشبانات

في يوم الثلاثاء الموافق

١٤٣٩/١/١٣هـ


شارك المحتوى: