أهمية التوحيد


أهمية التوحيد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله:

يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون،

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذين خلقكم من نفس واحدة،وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسالون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا،

يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء فقدره تقديرا، ودبر كل شيء فأحسن تدبيرا، السماء زينها وبناها، والأرض سواها ودحاها، والنجوم جمّلها وأعلاها، والجبال نصبها وأرساها،، كل هذه للنفوس المكلفة سيرها وأجراها، وخلق النفس فألهمها فجورها وتقواها، سخر كل ذلك للعباد، وخلق العباد لمصلحة عليا، وحكمة عظمى، لأجلها خلقت البشرية، ولأجلها أرسلت الرسل إلى البرية، إن عمل بها العباد أفلحوا في سعادة أبدية، وإن أعرضوا عنها تنكبوا في شقاوة سرمدية، قال عز وجل{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فالغاية من خلق الثقلين هو عبادة الله وحده لا شريك له، ولهذا كان أنبياء الله ورسله دعاة للتوحيد {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }، والتوحيد هو وحي الله لكل رسول { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا اله إلا أنا فاعبدون }،، وبالتوحيد كان الافتتاح في دعوات الرسل عليهم السلام، فقد جاء في قصصهم في سورة الأعراف افتتاح الدعوة بـ { أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره }،، والتوحيد هو حق الله على العباد ففي الصحيحين عن معاذ – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا )،، والتوحيد من أول وصايا الله لخلقه قال تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه }.

ولهذا أوصى الأنبياء بها أبناءهم وأحبابهم قال تعالى { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون } بل سأل عنها الأنبياء أبنائهم في ساعات احتضارهم { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإلاه آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون }، وأول أمر جاء في كتاب الله هو الأمر بالتوحيد قال تعالى في أول أمر في سورة البقرة { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذي من قبلكم لعلكم تتقون }، فالتوحيد عند الصالحين هو البداية، قال النبي صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته لقومه(قولوا لا اله إلا الله تفلحوا ) أخرجه أحمد وصححه الألباني، وأول نهي جاء في القران النهي عن نقيض التوحيد وهو الشرك، قال تعالى في أول نهي في سورة البقرة { فلا تجعلوا لله أندادا وانتم تعلمون }، والتوحيد عند الفالحين هو النهاية، قال صلى الله عليه وسلم( لقنوا موتاكم لا اله إلا الله ) رواه مسلم.

التوحيد أولا…. شعار علمه النبي صلى الله عليه وسلم القادة ليكونوا متبعين لسنن المرسلين، ففي الصحيحين عن ابن عباس- رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله إلا الله وفي رواية إلى أن يوحدوا الله )، وإقامة التوحيد من صفات عباد الرحمن المذكورة في سورة الفرقان قال تعالى { والذين لا يدعون مع الله اله آخر……}، والتوحيد بمفهومه الواسع هو كتاب الله عز وجل فالقران كله في التوحيد.

عباد الله: إن الاستقامة على التوحيد سبب للأمن والهداية في الدنيا والآخرة قال سبحانه وتعالى { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } أي لم يلبسوا إيمانهم بشرك، فمن حقق التوحيد وأتى بحقوقه ومكملاته كان له الأمن التام و الهداية التامة في الدنيا والآخرة، ومن أنقص من حقوق التوحيد شيئا نقص من الأمن والهداية بقدر ما أنقص. والله عز وجل قد وعد عباده الموحدين بالاستخلاف في الأرض، وجعل سبب التمكين إقامة التوحيد قال تعالى { وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا }، فهذا هو الشرط {يعبدونني…..} فإذا حصل،، حصل التمكين.

فأي محاولة للاستخلاف في الأرض وإخراج العدو من أرض المسلمين، دون العناية بنشر التوحيد بين الناس، فستبوء بالفشل، لأن هذا وعد الله ومن أصدق من الله – عز وجل –؟ ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

عباد الله: إن بعض الناس على الضلال استمرؤوا، إذا ذكر التوحيد اشمأزوا، وإذا طرحت مسائل التوحيد كلوا وملوا، إن هذا من صميم صفات الكفار، ومن ذميم أخلاق الفجار، قال تعالى { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة}، وإذا كان الاشمئزاز من ذكر التوحيد من صفات الكفار وأخلاق الفجار، فالفرح بالتوحيد وانشراح الصدر بذكر مسائل التوحيد ومعانيه، من صفات المؤمنين الأخيار.

وإن الله – سبحانه وتعالى – حذر وأنذر صفوة الخلق من الوقوع في نقيض التوحيد وهو الشرك، ليعتبر بذلك من هو أدنى منهم بمراحل { ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين }.

بارك الله لي ولكم في القران والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من العلم والحكمة أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم….

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وعلى اله وصحبه ومن على نهجه اقتفى.

عباد الله: اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى.

أما بعد:

أيها المسلمون: إن مما ألقاه الشيطان في باب التوحيد على قلوب بعض الصالحين في العصور المتأخرة، قول بعضهم لماذا التكرار في شأن التوحيد، والتوحيد فهمناه؟

وكمن يقول لماذا الاهتمام بالتوحيد والناس موحدون لا يشركون بالله، وعندهم من المعاصي ما هو أهم من ذلك؟! سبحان الله !! والله اكبر !! قد خاف نبي الله إبراهيم عليه السلام من الوقوع في الشرك فهل نحن نأمنه على أنفسنا وإخواننا؟ {وإذ قال إبراهيم ربي اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}، كيف يُزهد في التوحيد؟ والقران كله حول التوحيد،، أيزهد بكتاب الله؟؟!

كيف يُزهد في التوحيد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم مكث ثلاثا وعشرين سنه يدعو إلى التوحيد، أول عشرة منها خالصة في الدعوة إلى التوحيد، بل إنه صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس أوصى صحابته بالتوحيد، فهل الصحابة لم يفهموا التوحيد ونحن فهمناه؟؟!

فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله قبل أن يموت بخمس وهو يقول……فذكر الحديث…..وفيه(إلا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)رواه مسلم.

فقد خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه فهل نأمنه على أنفسنا وإخواننا؟؟!

بل حتى في ساعاته الأخيرة في حال احتضاره وصى به، فتأمل ! رجل يفارق الدنيا وحوله أحبابه وأصحابه فماذا يوصيهم؟؟ لا شك بأنه يوصي من يحب بأهم الأمور. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت لما نُزِل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك(لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)قالت عائشة يحذر ما صنعوا ا.هـ

فهذه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته مع التوحيد، أيزهد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟؟!!

كيف يُزهد بالتوحيد والله عز وجل قد أمر به الكمّل من عباده وأوليائه وأصفيائه؟؟!

قال عز وجل مخاطبا إمام الموحدين (فلا تدع مع الله إله آخر فتكون من المعذبين * وأنذر عشيرتك الأقربين ). ومن قلّب النظر في العالم الإسلامي خارج هذه الدولة المباركة رأى العجب العجاب من الطواف حول القبور ومن دعاء غير الله والاستغاثة والاستعانة بغير الله في كشف الكروب فيما يختص بالله، وغير ذلك من الشركيات والخرافات التي فعلوها بشبه زينها لهم شياطين الإنس والجن،وما كان ذلك إلا لإهمالهم أمر التوحيد والتزهيد به، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا.

عباد الله: إن الاهتمام بالتوحيد لا يعني إهمال الواجبات الأخرى،فالواجب على المسلم امتثال ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، والله عز وجل قد توعد العصاة من أهل الإسلام ببعض العقوبات.

فالواجب امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وأصل ذلك كله وأوله الاهتمام بالتوحيد فلا تقبل صلاة ولا زكاة ولا صيام بغير توحيد فهو أول شرط لقبول الأعمال.

وإذا كانت هذه أهمية التوحيد وهذه منزلته في الكتاب والسنة فما مفهوم التوحيد وما نواقضه وما هي حقوقه ومكملاته وما واجبنا نحوه؟؟فالجواب عن هذا كله مسطور في كتب التوحيد التي ألفها أهل السنة ككتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، وفي حلقات المساجد عند علماء التوحيد.

وأهمية التوحيد ومنزلته لا تكفيه خطب متتالية، ولكن هذه إشارة وذكرى للمؤمنين.

اللهم أحيينا على التوحيد والسنة وتوفنا عليها…………………………….

وكتب

د. ماهر خوجة

‎@maher_khujah


شارك المحتوى: