(أمهـــات بين الأرفف!)


(أمهـــات بين الأرفف!)

للوالدين مقاماً وشأناً يعجز الإنسان عن إدراكه، ومهما جهد القلم في إحصاء فضلهما فإنه يبقى قاصراً منحسراً عن تصوير حقهما على الأبناء، وكيف لا يكون ذلك،وهما سبب وجودهم،وعماد حياتهم،الإنسان مخلوق مكرم،قال اللهتعالى:(ولقد كرمنا بني أدم ) لكن يأبى الإنسان الإ أن يعمل على إذلال أبيه وأمه إذا امتد بهما العمر ووصلا إلى سن الشيخوخة،هنا يكشر الإنسان عن أنيابه،ويلقي بوالديه اللذين ربيانه في قارعة الطريق،أو دار المسنين هي أقسى من الناحية النفسية من قارعة الطريق.

ترى ما حال هذه الفئة- الغالية – بعد غياب مظاهر الرحمة الإسلامية،ولماذا يغدر الأبناء بآبائهم؟؟ يتركونهم يموتون ببطء..من هم المسنون؟ قطاع من البشر بلغوا من العمر عتياً،فالشيخوخة كما هو معلوم، مرحلة من العمر لا مفر منها بالنسبة للإنسان الذي يمتد به العمر طويلاً،يتم فيها الانحدار في جميع القدرات سواء الوظيفية أو العقلية أو البدنية.

في مجتمع إسلامي مثل المجتمع السعودي يمثل إهمال الوالدين انتهاكاً خطيراً للشريعة الإسلامية وللتقاليد،ومع ذلك يبدو أن بعضاً من هذه المشاكل قد أوشكت على الوقوع،بل وقعت بالفعل،وقد وقفت على مثل هذه الحالات في دار الرعاية الاجتماعية للمسنات في الرياض،عايشت من خلالها مآسي الكثير من الأمهات تجرعوا مرارة العقوق من أبنائهم، منها امرأة غرز الزمن أصابعه بوضوح على وجهها،وظهرت التجاعيد عليه؛كأنها تخبر عن سنوات عمرها الستين،التي راحت هدراً،ظلت طيلة حياتها تقاوم مرارة الحياة ؛ بعد وفاة زوجها الذي رحل بعد ولادة ابنها الذي لم يتجاوز عامه الأول !!لتعمل في خدمة البيوت مقابل مبلغ من المال البسيط الذي لا يسمن ولا يغني من جوع،لتعود في مساء الليلة بعد نهار مملوء بالجهد والتعب لتضع ذخيرة يومها في فم طفلها الجائع ؛لسد احتياجه، حتى تمكنت بفضل الله من تعليم ابنها ووصوله إلى أعلى درجات العلم واستقلاله في حياة هانئة ،إلى أن بدأ العجز والمرض يداهم جسدها قبل حوالي خمس عشرة عاماً.عندها بدأ الابن وزوجته يتذمران منها،فأخرجها إلى المستشفى متعلل بعلاجها،ليتركها عدة أشهر،وبعدما ألت محاولات المستشفى؛لإقناعه بتحسن والدته، لكن كل المحاولات بات بالفشل، مما استدعى نقلها إلى الدار لتتولى رعايتها،مما أصاب الأم الفجيعة على فلذة كبدها الذي تخلى عنها في وقت هي أمس الحاجة فيها إلى ولدها،من يومها انكفأت المرأة على جراحها.

فهل هذه النهاية الطبيعية لامرأة بددت حياتها وصحتها من أجل ابنها؟فسبحان الله مقابل ذلك يأتي الابن ويجحد المعروف.. إنها الآن تسأل أين ابنها ؟؟ إن هذه النماذج الحزينة المثيرة للعاطفة وغيرها من خلال رصدي لها في دار الرعاية الاجتماعية للمسنات تطرح علينا الإجابة الصريحة والصادقة على السؤال التالي:

لماذا يصل مجتمعنا إلى هذا النوع من الانهيار بالقيم الروحية … القيم التي يتوقف عليها أن يكون إنسانا أولا يكون؟؟

تحية إجلالاً لكل من وقر مسناً..أو قدر شيخاً ..أو احترم كبيراً لسنّه ..أو أكرم مسلماً ذا شيبة..


شارك المحتوى: